إعلان

تفاصيل تفجير الكاتدرائية.. "الإرهاب" يحضر الصلاة

04:13 م الأحد 11 ديسمبر 2016

تفجيرات الكاتدرائية المرقسية

كتب- محمد مهدي ومحمد زكريا:

تصوير - كريم أحمد ونادر نبيل:

في الثامنة من صباح اليوم الأحد، استيقظت "ماريون مراد" على صوت والدتها من أجل اللحاق بموعد الصلاة، في الخارج كان الجو دافيء، الهدوء يطغى على شارع رمسيس، حركة السير قليلة، بدا لهما أنه يوم مثالي بينما تقتربان من الكنيسة البطرسية المجاورة للكاتدرائية المرقسية بالعباسية.

أمام الكنيسة، وقفت "ماريون" بجوار والدتها في طابور قصير، يد الأم تتشبث بالابنة، ابتسامة الفتاة العشرينية لا تفارقها، تتقدمان نحو بوابة الكنيسة، حراس المكان يفتشون الجميع في عجالة، مرتا من بوابة حديدية مخصصة للكشف عن المعادن لم يُسمع رنينها المعتاد "مكنتش شغالة" ثم دلفتا إلى قاعة الصلاة.

undefined

في الصف الثالث جلست "ماريون" على يمينها الأم، وعلى يسارها سيدة خمسينية، بدأت الصلاة قُرب الساعة التاسعة، القاعة تسع نحو 300 شخصًا-وفق وجيه مكاري- أحد المصلين المتواجدين في أخر القاعة، بدأت العظة "عن الصيام وإزاي نخلي بالنا إنه صيام روح قبل ما يكون صيام عن الأكل" الجميع كان مشدوهًا إلى القس، كلماته تمس قلوبهم، السكينة حاضرة، قبل أن تهتز الأرض من أسفلهم بغتة. ويتوقف صوت القس.

"مدرناش باللي حصل، سقف الكنيسة وقع فوقينا والتراب والدم في كل مكان" ذكرتها "ماريون" برعشة واضحة، خلع الرعب قلبها، ارتمت في حضن والدتها، الصراخ يدوي، تحولت القاعة إلى كوم من الركام، طُمست عدد من الأيقونات المرسومة على الجدران، تناثر الزجاج هنا وهناك، سقطت الشموع على الأرض "الست اللي جنبي كانت واقعة وحالتها صعبة". أمسكت الفتاة بيد والدتها، الأمان يكمن في قُربها، ثم مرا من فوق السيدة المصابة في طريقهما لبوابة الخروج.

على الأرض مُلقى"وجيه" من شدة الانفجار، لحظة مرت قبل أن يفيق من غفلته، وقف مرتبكًا من الفزع "كل الناس اللي قدامنا اتبهدلوا، وأنا كنت الأقرب للباب" خلفه بأمتار تحركت "ماريون" وأمها بصعوبة بين الضحايا والأشلاء، حتى وصلتا وغيرهم لبوابة الخروج "اكتشفنا إنه اتكسر واتقفل علينا من شدة الانفجار" علا الصراخ، الدموع اختلطت بالدماء، الدعاء حاضرًا لعل القدر يمنحهم النجاة.

من الخارج حاول أحد المسؤولين بالكنيسة فتح الباب، يساعدونه من الداخل، الغبار يلف الوجوه قبل أن يتمكنوا من كَسره "حسيت إن ربنا نجانا من الموت"، خرجت "ماريون" ووالدتها، وقفتا لثواني أمام القاعة، تلتقطان الأنفاس، وتشاهدان ما جرى في كنيستهما "شوفت راجل بيجري وعياله في أيديه غرقانين دم، وضحايا كتير".

في الجهة المقابلة للكنيسة، يسكن رجل يغطي الشعر الأبيض رأسه، يتابع الأخبار التلفزيونية في صمت، فيما ينبح كلبه بإحدى غرف منزل البناية العتيقة، شعر بانفجار شديد، دويه هزّ مائدة الطعام، يزيد الكلب من نباحه، يرافقه صاحبه نحو "بلكونة" تقترب من الأرض، ينظر للكنيسة المٌحطم سقفها، 25 مصري في عداد الموتى وقرابة الخمسين نالتهم الإصابات في مقتل. دخان كثيف، هلع يُصيب المارة، ينبح الكلب بشدة غير معتادة، فيما تسيطر الصدمة على عقل الرجل المُسن "من الستينات وأنا ساكن هنا مشوفتش تفجير زي ده".

على أحد الأرصفة جلس "وجيه"، يُتمم على نفسه ليتأكد أنه معافي، يطلب الإسعاف من هاتف أحد المارة، نحو 17 سيارة لإسعاف قدمت للمكان بشكل متوالي عقب نصف الساعة من وقوع الحادث. وجيه يتجول بين الضحايا مُحدثًا ذويهم ليبلغهم ما جرى "كنت بقولهم تعالوا بسرعة الحقوهم"، فيما قررت الفتاة العشرينية أن تلجأ مع أمها إلى الكاتدرائية المجاورة رغم قُرب منزلها من المكان "لأنه المكان الوحيد اللي هنحس فيه بالأمان".

على بُعد أمتار من بوابة الكاتدرائية المرقسية، يقف الحج محمود رفقة زملائه بالعمل، يشخص النظر لمحيط الانفجار في فزع، يترجل السالمين خارج الكنيسة في هلع، يشد انتباه بائع البن رجل تغطي الحمرة وجهه محتضنًا طفله الرضيع، بينما تتوافد عربات الإسعاف أمام موقع الانفجار، وتنتشر قوات الأمن في محيط الحادث.

undefined

بعد أن هدأت السيدتان، الأم والابنة، واستقر الوضع الأمني في المكان، انطلقتا إلى منزلهما، مكثتا داخله لنحو ساعة ثم تركتاه بناء على نصيحة ذويهم واتجهتا إلى مستشفى الدمرداش لإجراء فحوص طبية والتأكد من سلامتهما، فيما وقف "وجيه" بين المارة راويًا لهم اللحظات القاسية التي مرت عليه داخل الكنيسة.

بعد ساعات من الحادث، كانت قوات الأمن تتمركز في الشوارع المحيطة، مُنعت السيارات من المرور بالشارع، تحاول فتاة من أسر الضحايا المرور من المنطقة المحظورة أمنيًا، يمنعها قائد القوات، تجهش بالبكاء، يحاول الضابط تهدئتها، تفترش الأرض رافضة العودة دون الاطمئنان على ذويها، يأتيها أحد القساوسة لتهدئتها، فيما تتساءل عن مصير رفقائها بالداخل.

في الأنحاء، يُسيطر الغضب على الجميع، يحكي أحدهم عن تقصير أمني، أخر يتحدث عن تفشي الإرهاب رغم وعود الاستقرار، يتهم البعض جماعة إسلامية بالوقوف وراء الحادث، فيما يقطع أحاديثهم دعوات تطالب الجميع التبرع بالدماء، "المصابين في الدمرداش ودار الشفا عايزين دم" ينادي رجل خمسيني تزين اللحية وجهه، تسأل سيدة خمسينية لا يغطي وجهها حجاب عن الوجهة، يأتيها الرد من الكثير، فيما تعلو دعواتها للمصابين بالشفاء.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان