إعلان

من داخل المجتمع المدني.. هل استمع قانون الجمعيات الأهلية "لأصحاب الشأن"؟

07:14 م الإثنين 19 ديسمبر 2016

مجلس النواب

كتبت - إشراق أحمد ودعاء الفولي وهاجر حسني:

مرت ثلاثة أسابيع على إقرار مجلس النواب لقانون الجمعيات الأهلية، غير أن صفحة الحديث لم تنغلق بعد؛ فثمة أصوات لازالت تعارض تطبيق القانون، وأخرى تغيرت رؤيتها بعد التعديلات، وعقد البعض الأخر أمله على ما تأتي به اللائحة التنفيذية. وفيما ينتظر القانون توقيع الرئيس عبد الفتاح السيسي وإعداد اللائحة التنفيذية، مازالت "كواليس" إعداده ومدى المشاركة المجتمعية به غير مكتملة التفاصيل. مصراوي يرصد في هذا التقرير أصوات للمجتمع المدني، منهم مَن دخل دائرة طرح القانون، ومَن ظل خارجها.

في الثامن والعشرين من نوفمبر المنصرف، التقت لجنة التضامن بمجلس النواب مع رؤساء 7 جمعيات أهلية كبرى، ينصب نشاطها على العمل التنموي، وتمثلت هذه الجمعيات في الأورمان، بنك الطعام، مصر الخير، أهل مصر، مؤسسة مستشفى سرطان الأطفال 57357، مؤسسة معًا لتطوير العشوائيات، وجمعية رسالة.

قال عاصم الخولي، المستشار القانوني لجمعية رسالة، إن الاجتماع الأخير مع لجنة التضامن بمجلس النواب، كان بناء على طلب من الجمعيات، إذ سبق هذا اللقاء نقاشات موسعة، حضر فيها العديد من أصحاب الجمعيات وممثليها، لكن لم يكن هناك فرصة لطرح الرؤى، وهو ما اختلف في أخر اجتماع "كان أول لقاء على ترابيزة واحدة" حسبما وصف.

نحو 11 ملاحظة تقدم بها الخولي ممثلا في رسالة وغيرها من الجمعيات، منها ما كان يتعلق بدستورية المواد حال المادة 9 المتعلقة بالإخطار بتأسيس الجمعية، فيما تعطي الجهة الإدارية (جهاز تنظيم العمل ووزارة التضامن) الحق في منع إشهار المؤسسة وهو ما يتعارض مع الدستور "عشان كده لسه شبح العوار الدستوري يواجه القانون" حسبما قال المستشار القانوني.

اعتراضات وجهتها جمعية رسالة حال الجمعيات الكبرى على القانون منذ طرحه لكن من خلال التواصل مع مجلس النواب كما أوضح الخولي، مستنكرا تفسير البعض لعدم خروج انتقادات الجمعيات الكبرى إلى الإعلام على أنه كان قبولا للقانون.

طيلة الشهر المنقضِ، أثناء طرح القانون في مجلس النواب، وُجهت الدعوة لعدد من العاملين في المجتمع المدني، للقاء بعض النواب، من بينهم إيهاب راضي، رئيس مجلس أمناء، مؤسسة البيت العربي لحقوق الإنسان.

مساء الجمعة 13 نوفمبر المنصرف، تلقى راضي اتصالا يُخبره باجتماع يضم بعض المنظمات المدنية وممثليها في جلسة خاصة بقانون الجمعيات الأهلية. كان الهدف الحديث عن القانون الذي تم إقراره في البرلمان، إلا أن الحضور لم يكونوا اطلعوا على نصوصه بعد، وتم رفض طلبهم بالاطلاع عليه وقتها "كل اللي اتقالنا إننا نوضح اعتراضاتنا على قانون 84 عشان يسمعوا مننا".. حسبما قال راضي لمصراوي.

أكثر من 150 ممثل لمنظمات مجتمع مدني حضروا ذلك الاجتماع، لم يكن ضمنهم أحد العاملين في المجال الحقوقي، إذ تمت دعوة راضي كمستشار قانوني لإحدى الجمعيات المدنية، ورغم ذلك أبدى الممثلون مآخذ شتى على قانون 84، أبرزها العقوبات الجنائية، ومخالفته للمواثيق الدولية وبعض مواد الدستور، ووجود تعقيدات أكبر في مسألة تمويل الجمعيات.

في اليوم التالي من الاجتماع مع الجمعيات، وافق مجلس النواب على مشروع قانون الجمعيات الأهلية. لم يتخيل راضي أن يخرج القانون الحالي بذلك الشكل بعد كل العيوب التي طُرحت في قانون 84 "بستغرب احنا ليه اجتمعنا طالما القانون كان جاهز"، وأضاف مدير "البيت العربي" أن النائب عبد الهادي القصبي برر للقانون الجديد في تلك الجلسة بما قال عنه "حماية أبناء مصر في سيناء من الإرهاب"، مُبديًا خوفه من إدخال التمويل للمنظمات في مصر دون رقيب، قبل أن يوجه حديثه لممثلي الجمعيات قائلا: "انتوا مش أكتر وطنية مننا".

4 لقاءات مع نواب البرلمان، تواجد بها طلعت عبد القوي، رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية. لم ينكر استياءه في البداية من القانون "لما ألاقي قانون مفيهوش امتيازات الاتحادات والجمعيات اللي كانت موجودة والاعفاءات اللي كانت بتاخدها الجمعيات، ولما ألاقي الاتحاد ملهوش اختصاص أكيد مش هبقى سعيد" قال عبد القوي لمصراوي، مؤكدا رضاه عن القانون بعدما شهده من تعديلات.

unnamed

قدم الاتحاد العام عدد من الملاحظات، استجاب النواب لمعظمها كما أضاف رئيس اتحاد الجمعيات، فيما رفضوا أخرى، أبرزها اكتفاء القانون بالعقوبات الإدارية لأن قانون العقوبات يتكفل بالعقوبات الجنائية حسبما قال عبد القوي.

48 ألف جمعية أهلية تعمل في مصر، تغطي 17 مجال خدمي وفقا لرئيس الاتحاد العام للجمعيات. في السابق كانت تعاني من نقص الحرية في استثمار أموال وممارسة نشاطها وهو ما لا يراه عبد القوي قائما في القانون الجديد.

عام 2009 بدأت رانية فهمي العمل في مؤسسة بناتي كمدير تنفيذي، لحماية الفتيات اللاتي يعملن في الشارع من المخاطر. بحكم العمل في الشارع فقد واجه باحثو المؤسسة مضايقات أمنية أثناء حديثهم مع الفتيات لمعرفة أحوالهن "وحصل مرة أو اتنين إنهم اتاخدوا على القسم".

تركت فهمي "بناتي" في 2015، لكنها قبل الرحيل حاولت استخراج بطاقات هوية خاصة بالعمل للباحثين لحمايتهم، ولم تنجح المحاولة. تفاصيل عديدة واجهتها المؤسسة خلال عملها، يأتي التمويل كجزء منها، غير أن تلك المشاكل كان يمكن التعامل معها، أما الآن فلا تعرف فهمي كيفية التصرف في إطار القانون الجديد "عمري ما قرأت حاجة خوّفتني كدة".

منذ فترة قليلة بدأت فهمي عملها في منظمة عمارة الأرض، وتهتم بالبيئة العمرانية والمساحات العامّة في القاهرة. ورغم ظاهر ابتعاد نشاط المؤسسة عن القانون الجديد، غير أن فهمي تعتقد أنه سيمسهم بشكل مباشر فيما يتعلق بالتمويل.

تعتقد فهمي أن "روح القانون بتتدخل في تفاصيل عمل الجمعيات"، لذا عقدت فهمي مقارنة بين التشريع الجديد والنظام الذي يعمل فيه المؤسسات، إذ تخضع المنظمات لوزارة التضامن ولكن في إطار مُحدد "زي إنهم بييجوا تفتيش أو بيطلبوا الإحاطة بمصاريف الجمعية"، غير أن "البيروقراطية" الحالية في القانون الجديد حسبما قالت، ستجبر الجمعيات على التعامل مع جهات متعددة، وعندها لن يكون حل أمام الجمعيات إلا تخطي القانون متمنية ألا تلاحظها الدولة، وذلك في مقابل عدم تعطيل عملها اليومي.

على العكس، لم تتلق دعاء مبروك، رئيس المؤسسة المصرية لأهالي ذوي الاحتياجات البصرية، دعوة للمشاركة في النقاش الذي أجراه البرلمان، وهو ما استاءت له، فقد كان لها ملاحظات ودت لو سنحت الفرصة للبوح بها، فيما رأت أن اقتصار الاجتماع الثاني على جمعيات بعينها دليل على رؤية واضعي القانون "هم عايزين الجمعيات الكبيرة بس اللي تشتغل فخلاص خليها تشتغل" كما قالت.

تعمل مبروك في مجال الإعاقة البصرية ضمن 89 جمعية أخرى تمارس العمل في هذا المجال بمصر حسب قولها. تأسست الجمعية عام 2004، فيما تحولت إلى مؤسسة عام 2007.

مؤسسة "مبروك" من الكيانات الخيرية الصغيرة، لكنها تجد أن القانون يؤثر على عملها بشكل مباشر، إذ يرغم كل شخص من أعضاء مجلس الإدارة على تقديم إقرار للذمة المالية وهو ما يدفع البعض إلى رفض العمل معها من الأساس خاصة وأن مؤسستها ذات نشاط صغير لا تضيف لمن يعمل معها مميزات في تاريخه المهني.

أرادت مبروك أيضا لو رفضت بند مهلة ال30 يوم للموافقة على جمع التبرعات التي تراها عائقا من الممكن أن يوقف خدمات المستفيدين من الجمعية قائلة "آه طول عمرنا بنستنى الموافقة بس كنا بنستنى وزارة التضامن بس، لكن دلوقتي أنا هستنى موافقة جهاز تنظيم العمل اللي بيتكون من ١١ جهة، وده هياخد وقت طويل".

فيما أوضح رئيس الاتحاد العام أن هناك فارق بين جمع الأموال وتلقيها، فالأول هو ما يحتاج موافقة وهو المتعلق بحملات التبرع حال بناء مستشفى، أما الثاني الذي ربما يحدث بشكل يومي لا يعنيه القانون، مشيرا أن اللائحة التنفيذية لابد أن تتضمن تلك التفاصيل.

الموافقة على الأبحاث والاستطلاعات، وتعقيد الحصول على المنح الأجنبية، بنود أخرى ودت لو احتجت عليها مبروك، لما تسببه من مشقة في عملها المعتمد على البحوث خاصة وأنه لا يوجد إحصائيات عن نسب المعاقين في مصر حسبما قالت، فيما تقوم مؤسستها في الأساس على دعم ذوي الإعاقة صحيا وتأهيلهم لإدماجهم في المجتمع "يعني لازم أخد موافقة علشان اعمل بحث وبعدين يتوافق على النتائج اللي هطلع بيها، كل ده علشان جمعية تخدم المعاقين، طب هشتغل إزاي؟".

أما المنح الأجنبية التي باتت تعتمد عليها مؤسسة مبروك حال كثير من الجمعيات بعدما تسبب الأحوال الاقتصادية بمصر في ضعف التبرعات حسبما قالت، فترى رئيس الجمعية أن الإجراءات الطويلة قد تتسبب في عدول المانح الأجنبي عن تقديم الدعم للجمعيات المصرية، وإن لم يحدث فهناك منغص الـ10% الذي تحصل عليه الدولة من كل منحة تأتي من الخارج وفقا لنص القانون الجديد حسبما قالت فهمي، مدير جمعية "عمارة الأرض".

الغضب الذي اعترى رئيس "البيت العربي" بعد إقرار القانون دفعه لعمل ورقة بحثية للمقارنة بين القانونين ونشرها، في محاولة لتوضيح مدى "تراجع" مستوى القانون الجديد، الذي يصفه راضي بأنه "لا يرتقي إنه يكون قانون أصلا".

في الوقت نفسه تغيرت أراء البعض قبل أيام من صدور القانون، وبعد الاطلاع على التعديلات "لقينا إنه تم الاستجابة لمعظم الملاحظات اللي طرحناها في اجتماعنا الأخير مع النواب" حسبما أضاف المستشار القانوني لجمعية رسالة وغيرها من منظمات المجتمع المدني. أصبح التشريع الجديد أفضل مما كان عليه وإن كان لا يُرضي الآمال كما وصف الخولي.

فيما قرر رئيس الاتحاد العام أن يشارك في توضيح نقاط الالتباس، وطمأنة العاملين في المجتمع المدني، من خلال جولات تشمل المحافظات "الناس لما تفهم مش هتبقى خايفة.. وطالما ماشية صح هتقلق من إيه" حسبما يوضح عبد القوي.

في الوقت الذي يتملك الخوف من رئيس الجمعية المصرية للإعاقة المصرية، لما تراه في القانون من كونه يعتبر كل الجمعيات الأهلية مشبوهة إلى أن يثبت العكس، يتوقف تجدد أمل راضي على رفض الرئيس عبد الفتاح السيسي التوقيع عليه، وإلا سيتعين العمل به رغم عدم موافقة بعض مواده للدستور، حتى إن تم تقديم دعوى لعدم الدستورية، والتي عادة ما تحتاج لوقت طويل كي يتم البت فيها.

أما رانية فهمي فثمة أمل يلوح في نفسها، إذ تنتظر اللائحة التنفيذية للقانون التي رُبما تكون أفضل، كذلك رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية والمستشار القانوني لجمعية رسالة، الذي يرى أن اللائحة "هي اللي هتحدد التعامل مع القانون هيكون إزاي"، وأن الأفضل توجيه الجهد لبحث وسيلة للنقاش مع مجلس الوزراء حين وصول القانون إليه للوقوف على آليات التطبيق.ش

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان