بالصور.. أطفال خلف الأسوار: "ما الذنب بذنبهم .. ولكن خطايا أمهاتهم"
تقرير - فتحي عمر:
الأم والأب قدر محتوم لا دخل للإنسان به، ففيها من يولد ليجد والديه أثرياء يتنعمون في رغد العيش وعليها من يجلس طيلة حياته يلعن حظه العثر ويجني ذنب لم تقترفه يديه، هكذا حال الاطفال أبناء السجينات، ففي سجن النساء بالقناطر الخيرية عشرات المآسي لأطفال ولدن خلف الأسوار لا ناقة لهم ولا طاقة لتحمل ما تنوء الجبال بحمله فالحرية لا تقدر، لأنها تاج على رءوس الأحرار لا يراها إلا المقيدون بالسلاسل والأغلال وهؤلاء البؤساء والأقل حظاً ولدتهم أمهات سجينات مقيدات بأغلال الجدران والأسوار. يلعن الأطفال ذنوب وسيئات أعمال أمهاتهم.
عشرات الحكايات والمآسي تقبع خلف الأسوار. مصراوي تجول داخل جدران السجن وبين السجينات وتعرفت على بعض مآسيهن وهمومهن.
شيء غريب يلفت انتباهك بمجرد بدء الجولة، شيف من السيدات تعمل بمهارة عالية وحرفية في طهي الطعام للسجينات تتفنن في صنع جميع الوجبات الشهية والمشروبات، تجدها داخل كافتيريا السجن تدعى "أم أحمد" ويظهر في صوتها الخشونة واللهجة القوية والنبرة الحادة في الرد على أسئلتنا عند بداية سؤالي عن طبيعة عملها وظروف حبسها نادت على السجانة "إيمان" وقالت : "ياستي أتكلم مع الأستاذ ولا لأ؟"، فأجابتها بالموافقة.
وبدأت أم أحمد تسرد قصتها: "قضيتي عوقبت عليها بالسجن 6 سنوات في قضية أموال عامة نصبت على المواطنين فأخذت جزائي".
بنبرة حزن ونظرة طويلة وصوت خافت مخنوق قالت: "أنا بحاول أكون سعيدة جوا السجون.. عشان اللحظات هنا بتعدي كأنها سنين تقيلة قوي يا زي الجبل، عشان كده بعمل حاجات مفيدة وبمارس هوايتي في الطبخ وعمل الوجبات وأنا وصلت إلى هذا العمل بعدما تعرفت على صديقتي المعلمة إيمان داخل السجن والتي تدير الكافيتريا فصارت بيننا صداقة".
وأضافت: "ابني أسمه أحمد أتولد معايا في حضانة السجن زعلانة قوي عليه وندمانة في أني اتورطت في القضية، الحبس وحش واللي جربه يعرفه - ربنا ما يكتبه على حد -. كل السجينات هنا بنحاول نكون عيلة واحدة مع إدارة السجن اللي بتسمع لجميع مشاكلنا عشان نهون على نفسنا مرار الأيام".
"أم مريم" مأساة أخرى حيث تبدو طفلتها مريم التي تبلغ من العمر عاما ونصف العام بائسة تشكو بلسان حالها جريمة أمها التي قادتها إلى السجن، وتسأل في دهشة عن سر وجودها هنا.
تحدثت مع أم مريم وقالت أنها محبوسة في جريمة خطف شاب من الجيزة وسجنت هي وزوجها، وتعول 4 أطفال من مختلف الأعمار وتباعد قضبان السجن عن رؤيتهم وقالت أنها تتميز من الغيظ وتتقطع من فراق أطفالها، والتي لا تعلم كيف يعيشون في ليالي الشتاء القارص وفى الصيف الحار ومن يرعاهم وكيف يعيشون".
بدموع غزيرة وصوت مبحوح أكدت أنها نادمة على ما اقترفته يداها، كيف للقدر أن يمنحها فرصة أخرى للعودة إلى رشد الحياة وحكمتها، وكيف للناس والمجتمع أن يستوعب توبتها وعودتها مرة أخرى لتنصهر فيه، الندم وحده لا يكفي لكن تبقى لها أن تقنع الجميع بأنها عدلت عن ما اقترفته يدها وأنها تصلح وتتصالح مع نفسها لتربي أولادها بعد الخروج من باب السجن.
أما "أم أنس" فروت لنا مأساتها وهى تحمل طفلها أنس عمره عام و9 شهور. وقالت إنها سجنت في قضية مخدرات حكم عليها بــ15 سنة سجنًا وكان طفلها أنس تبدو عليه علامات البراءة وهي يكاد يتكلم في سن المهد يشكو والدته التي أقحمته في غياهب السجون.
رغم المساحات الخضراء وعنابر السجن المطورة إلى حد ما والأنشطة المتعددة والملاعب كان الحزن سيد الموقف والقاسم المشترك بينهن جميعا ورغم أن مسئول السجن أكد أن مصلحة السجون تحرص على تطوير السجون في مساحتها ومبانيها وطريقة التعامل معهن جميعاً وتطوير المعاملة والمباني إلا أنهن ما زال يحلمن بالعودة إلي ديارهن وسط المجتمع للانصهار فيه ودعون جميعا ربهن أن يخففن آلام وظلمات السجون ليخرجن إلي البراح في مجتمع سليم لا تقترف أيديهن أية أخطاء أخرى.
فيديو قد يعجبك: