بالصور : في يوم "الأم السورية".. الحرب لم تكسر إرادة نساء الشام
كتتب-دعاء الفولي:
استعدادات كبيرة بإمكانيات بسيطة، حفل ضم 200 سيدة سورية بأحد نوادي مدينة 6 أكتوبر، نظمه بالجمعة الماضية فريق الطواريء السورية التطوعي، فقرات متنوعة قدمها أطفال وكبار، محورها الأم، هتافات صدحت بالقاعة تُحيي أم الشهيد، تكريم جاء لبعضهن، وقصص حملتها الحاضرات، عن الحرب والتعايش والتغلب على الظروف السيئة.
على مدخل القاعة عُلقت لافتة بيضاء كبيرة، كُتب عليها "يوم الأم السورية"، بجانبها كانت إحدى فتيات الفريق تُعطي الدالفات قلم، ليكتبن كلمة على اللافتة، بدأت الاحتفالية بمجموعة فتيات يرقصن على أغنية سورية اللهجة عن الأم، أكبرهن لا يزيد عمرها عن 13 عاما، فيما قامت رنيم-أحد أعضاء الفريق المنظم- بتقديم فقرة جديدة، بينما تشاهدها والدتها التي تمكث بين الحضور.
إحسان الدرجزلي هي أكبر أعضاء فريق الطواريء عمرا، جاءت بمفردها مع رنيم من سوريا منذ أربع سنوات، كانتا تقطنان بدمشق قبل اشتداد الحرب، ابنها الأكبر اعُتقل عشوائيا من قبل النظام ولم يخرج إلى الآن، وولداها الاثنان هربا خارج سوريا خوفا من مواجهة نفس المصير، كان الوضع مأساويا على الوالدة وابنتها العشرينية "بس مع الوقت اتعودنا"، إحسان حاصلة على بكالريوس الطب في العلاج الطبيعي، غير أنها بعدما جاءت لمصر طوّرت من دراستها لتستطيع العمل هنا "حصلت على 2 دكتوراه" وتعمل حاليا كخبيرة علاج طبيعي.
تلك هي المرة الثانية التي يُنظم فيها فريق الطواريء يوما للأم السورية، بدأ التحضير للمناسبة منذ أسبوعين، حسب قول سمير الطويل، المتحدث باسم الفريق "هي هدية بسيطة نحاول فيها تذكر أمهات المفقودين والشهداء والسوريات عموما ونرسم بسمة على وجوههم"، كان نطاق البحث عن المدعوات للحفل داخل أكتوبر "بحكم إنه عددنا كبير هنا"، حاول الفريق هذا العام أن يكون الحفل شاملا لأشياء مختلفة؛ اسكتش تمثيلي، أغاني أطفال، وفيلم صغير.
دخل طفل عمره 8 سنوات القاعة، ملتحفا بشال فلسطين، خلفه 10 من من الفتيان، يُلقي كلمات بلهجة سورية ويرددون من خلفه "حطوا الورد بالكاسة.. أمهاتنا ألماسة"، ما يُسمى بفن "العراضة الشامية"، وقف مدربهم يراقب ثمرة تعبهم في الأيام الماضية، علا التصفيق عقب انتهائهم. كريم الذي بدأ الإلقاء مصري، لكنه جار للمدرب وأبنائه "عرفت إنهم بيستعدوا للحفلة فحبيت أبقى معاهم" يحكي الصغير، كان الأمر يسيرا رغم صعوبة اللهجة "أستاذ لؤي إدانا ورق نحفظه ونقوله".
الكلمات التي قالها الأولاد حفظها المدرب عن أبيه الذي نقلها عن جده وهكذا.. لم يستكمل "لؤي" تعليمه "بشتغل حاليا صنايعي"، إلا أنه أراد تقديم أي مساعدة بذلك اليوم، وكذلك فعلت زوجته "روعة" إذ قامت بتدريب الفتيات على الاستعراض، وتصميم الملابس لهن.
بعدما جاءت روعة بصحبة زوجها وثلاثة أولاد ضاق بهم الحال، توفي والدها ووالدتها بنفس الشهر داخل سوريا "ومكنتش قادرة أشوفهم"، حتى أنها حاولت إلقاء نفسها من الشرفة يأسا، كانت بوطنها تعمل بالتجميل، اضطرت للحصول على تدريب بنفس المجال بمصر، وحاليا تعمل بتدريب الراغبين على فنون التجميل و"الحياة بتمشي" على حد تعبيرها.
بعض الجالسات بالقاعة ذرفن الدموع مع تتابع الأغاني عن أم الشهيد، سيدة أخرى لم تتمالك نفسها حين جاء دورها في التكريم، إذ أمسكت بالميكروفون، شكرت الموجودين قائلة: "إنشاالله عيدكم الجاي بسوريا" قبل أن يقطع البكاء حديثها وتعود لمقعدها سريعا.
أثناء الحفل، بث الفريق مقطع فيديو لأحد أعضائه، يُدعى محمد الراعي، موجها كلمة لهم ولوالدته التي كانت ضمن الحضور. عائلة الراعي فرت كغيرها من الحرب لكن على مراحل، كانوا يقطنون بحمص، تحديدا "بابا عمرو"، عقب أسبوعين من بدء الاشتباكات فرّت الابنة الكبرى مع أبنائها الثلاثة وزوجها، آخر ما تذكره عن مدينتها كان صوت خطباء المساجد يطلبون إمدادات طبية، بسبب وقوع ضحايا. ذهبت الابنة لتركيا ثم جاءت لمصر، حيث ظلت لعامين تُعالج من اكتئاب شديد.
يعيش محمد حاليا بألمانيا "طلع عليها بالبحر من 3 شهور"، على حد قول الأم، التي لحقت بابنتها في تركيا عقب شهور من الثورة، خرجت بالكاد من حصار حمص الضاري وانقطاع الاتصال مع الابنة لحوالي شهر ونصف، ظلا سويا حتى قدمتا إلى هنا، فيما تقبع ابنتان للعائلة بسوريا، وابن آخر بتركيا.
صعدت فتاة على المسرح، ومعها شاب يرتدي زي نسائي، قامما بتمثيل مشهد طريف عن علاقة ابنة بوالدتها، كان الحوار بسيطا يروي حالة الشد والجذب، غير أنه لاقى إعجاب الحاضرين، قبل أن تصعد مجموعة فتيات ترتدين فساتين وردية، هن "فراشات" الفريق كما أطلقوا عليهم، لتؤدين استعراضا آخر، وتجلس "روعة" على الأرض تلقنهم ماذا تفعلن.
قبيل ختام الحفل المستمر لساعتين، كان "أيهم" الابن الأصغر لرانا جمران يتحرك مراقبا حال التنظيم، لوالدته 3 أولاد وبنتين، عانى الفتى أكثر من إخوته في التأقلم مع الوضع الجديد بمصر "هناك كان لينا بيت وسيارات.. كنا بنشتغل بالصياغة بس هون هايدا راح"، اضطرت رانا بعد مجيئهم إلى العمل كمشرفة بإحدى المدارس، وقد كانت ربة منزل بسوريا "كنت متدلعة كتير"، كذلك تصنع كعكات وتبيعها بالمدرسة كمحاولة لزيادة الدخل.
بعد مجيء رانا مع جزء من عائلتها هنا ، علمت أن ابنها الأكبر -32 عاما- اُعتقل بسوريا، بُهتت السيدة الخمسينية، ظلت سبعة أشهر تُعافر كي تعود على أمل إخراجه، فيما يتهمها الآخرون بالجنون "أبوه كان يقولي إذا بدك تروحي تموتي روحي"، وبالفعل سافرت لسوريا وحيدة، وهناك قابلت محاميا استطاع إخراجه بمبلغ مالي خاصة وأنه دخل السجن عشوائيا. عندما يُروى ما فعلته رانا لابنها ينظر لها الحاضرون كبطلة، فيما ترى أنها قامت بواجبها فقط "إذا بتكونش الأم مضحية عشان ولادها.. ليش بتعيش؟".
فيديو قد يعجبك: