بالصور: "الليلة الكبيرة" في دار الأوبرا.. "مش بس عرايس"
كتبت- رنا الجميعي:
تصوير- محمود بكار:
في تمام التاسعة مساء تتحوّل دار الأوبرا المصرية، تنسج من ليالي رمضان عُرسًا تُقدمه للأسرة المصرية، تفرش عروضها بالساحة المكشوفة أمام مركز الهناجر، لينطلق خلال أمسيات الشهر الكريم خيمة "هل هلالك"، يبدأ صخب مُبهج، بداية من أوبريت "الليلة الكبيرة" وحتى عروض الرقص الشعبي والتنورة، ومع دقات الثانية عشر من كل ليلة حتى يوم 25 رمضان، تخفت أصوات الأغنيات ولهو الأطفال، ليبدأ في المساء التالي "ليلة كبيرة" أخرى.
تٌمسك الوالدة جيدًا بيدي فتاتيها، تُخاول اللحاق بموعد أوبريت "الليلة الكبيرة" الذي يبدأ في التاسعة، تُسرع قليلًا، وتتسع قدما الفتاتين الصغيرتين بفستانيهما الملونة، ما إن يعبروا من بوابة دار الأوبرا، تبدأ إحدى الفتاتان في السؤال "هي الحفلة فين"، يتطرق لسمعها صوت قادم من بعيد، وبشغف يتضح "هي دي الحفلة ولا أيه"، تأخرا عن موعد الأوبريت عشر دقائق كاملة، تهرول الأسرة الصغيرة مُسرعة، لئلا يفوتهم المُتعة المتجسدة في العرائس المتحركة "الماريونيت"، يصلوا أخيرًا إلى الساحة المكشوفة، يختفوا وسط حشد كبير، أخذ أماكنه أمام المسرح، فيما يقف على الأطراف عدد فائض لم يجد موضع لقدم من شدة الزحام، مُستمعين جميعهم إلى "مع السلامة.. مع السلامة يابو عمة مايلة".
لا فرق هُنا بين كبير وصغير، الكل يتجه بنظره إلى مسرح العرائس، على وجوههم ومضة من المُتعة الخالصة، الكبار يستعيدون مع كلمات الأوبريت ذكريات طفولتهم، أما الصغار فيضعون لبنة بحجر عُمرهم، يجلس عديد من الأطفال في قُبالة المسرح، مشدوهي النظر إلى تحركات العرائس، ضاحكين في صخب، يقف البعض منهم ليلتقط دقائق من العرض، بواسطة كاميرا الهاتف المحمول، فيما يُصفق الجميع بحرارة مع كل إيقاع راقص، وزغاريد تنطلق من حلق السيدات مع قدوم العروسة الراقصة،"هما بيقلدوا الإعلان".. سؤال تلقيه فتاة صغيرة على مسمع والدتها، أثناء عرض الأوبريت، تتجه البنت بنظرها للأم التي تقول مبتسمة "لا، دول هما اللي بيقلدوا الأغنية"، تطرح الفتاة سؤالها ما إن سمعت أحد العرائس يُغني "مسا التماسي يا ورد قاعد على الكراسي".
ينتهي العرض، يصعد أعضاء فرقة مسرح القاهرة للعرائس، يأخذون حقهم في التحية الواجبة، التصفيق ينهال عليهم، ووراء ستار المسرح، يُسرع البعض مصطحبين أولادهم للتصوير مع العرائس، تُرافق "مي مهاب" طفلتيها لالتقاط صور مع العرائس، هي مرممة تلك العرائس، ولكنها كانت المرة الأولى التي تُشاهد فيها الصغيرتين الأوبريت بشكل حيّ وليس على التليفزيون أو الانترنت، بينما في ذات الوقت كان العديد من الأسر يسحبون كراسيهم للمسرح المُقابل، يتأهب أعلاه فرقة من المطربين الشباب، يبدأوا في الغناء، بين أغاني رمضان وأخرى شرقية.
أعمار متفاوتة تحضر كل ليلة لدار الأوبرا، المتردد دومًا على المكان يعرف أن الموسيقى الكلاسيكية هي عنوانه، تصدح من خلال الميكروفانات المنتشرة بالأرجاء، لكن مع حلول الشهر الكريم وأصبح الفن الشعبي هو السمة الغالبة، حتى تباين شكل الجمهور الحاضر عن المُعتاد، وصارت الأوبرا مكان يتردد عليه العائلات المصرية،تجلس السيدة "إنصاف" بكرسيها بعيدًا، يجلس ابنيها بجوارها، محمد وناريمان، كانت المرة الثانية التي يحضروا فيها إلى الليالي الرمضانية، مُستمعين للمرة الثانية أيضًا إلى "الليلة الكبيرة"، وكانت الثالثة بالنسبة لمحمد مرافقًا والده "حمدي"، يُحب الفتى ذو السابعة مقطع "تصقيفة أومال.. تشجيعة أومال"، يتحمس لها رافعا كلتا كفيه للتصفيق، بينما تستمتع ناريمان كثيرًا بمشهد الراقصة بآخر العرض "بتقسّم بطريقة رهيبة"، سمع الأب "حمدي" عن تلك العروض من خلال كلام الناس "شايفة الزحمة.. دي مصر كلها هنا".
أحبّ محمد أيضًا ركن الطفل، يتخذ الركن مكانًا على يسار المسرح، يُحيط به جٌدران مرسوم عليها أطفال تمرح، وفانوس رمضان، تنتصف بين تلك الجدران منضدة يجلس عليها الصغار، يغمروا أياديهم بالألوان، ويطبعوها على الخشب المُوزع عليهم، "ورشة ريبيكيا".. هي المسئولة عن رُكن الطفل، تتمثل الورشة في ثلاثة شباب هم "سها كحيل"، "شيرين صلاح" و"شريف صلاح"، ينتشروا بين الأطفال ليُضيفوا لهم كل ليلة مُتعة جديدة، سُميت الورشة "رويبيكيا" لأنها معنية بإعادة التدوير، وهو ما يُحاولوا تعليمه للأطفال من خلال ورش العرائس بالملاعق، "المقالم" من علب المعدن، والرسم والتلوين بالصنفرة.
أكثر من مئة طفل يترددوا على الركن يوميًا، رغم أن "سها"، المسئولة عن الورشة، خططت لاستقبال خمسين فقط، صار التسجيل بالأسبقية للأطفال من سن 5 لـ 15 هو الطريقة المُناسبة لاستيعاب هذا العدد "كله بيكون بالأرقام"، "ييجي أيام كتير جدًا نكون هنا من قبل الفطار وقليل لما نفطر في البيت، بس الحمد لله مبسوطين".. يُجهز الثلاثة شباب لكل عرض قبل بدئه، ما يضطرهم كثيرًا للإفطار في الأوبرا، "احنا بنتبسط لما نلاقي الفرحة في عين الولد، ألاقيه اتعلم حاجة من الورشة"، توّد سها لو أن تلك الليالي المُقامة تتكرر دائمًا، وتعتبر وزارة الثقافة هي المحرك لهذه الاحتفالية "الأجواء حلوة جدًا، الناس مبسوطة".
فيديو قد يعجبك: