بالصور.. ألوان الحياة في الصعيد بعدسة "هواري"
كتبت – يسرا سلامة:
صورة لم تحموها الأيام لمن جاء منه، فوجه قبلي غلب أبنائه على نيله ودلتاه، مساحة كبيرة لصعيد مصر ترتسم على خريطته، يلتقطها مصور من أبناء الصعيد بكاميرته، من قرية لأخرى، ومن دوار لمولد لفرح وعزاء، يتحول "محمود هواري" في الصعيد، يلتقط حيوات أناس إلى عالم البكسيلات وموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
"أناس من الصعيد".. الصفحة التي دشنها محمود عبر موقع فيسبوك، كانت البداية على غرار صفحة بنفس الاسم عن مواطنين في نيويورك بالولايات المتحدة الامريكية، وجدت جذبا عالميا لصور من أناس عادية وأسطر بسيطة عنهم، ففكر محمود إن في بلدته ومنطقة الصعيد ما يستحق أن يؤرخ بنفس المنوال الأمريكي.
من كاميرا صغيرة، طفقت موهبة التصوير في نفس الشاب الدارس للمحاماة، ولعه بالتصوير جعله يعلم نفسه بنفسه من خلال قراءات وفيديوهات على الانترنت، "تحويشة" توصله إلى كاميرا احترافية "نيكون 5200" تساعده على التقاط صور أقرب، بدأ بالاتقاط فن التحطيب بالعصا بعدسته، والمرماح الصعيدي، وغيرها من ألوان الحياة في الصعيد، يقول "بحكي جزء من الحكاية بالصورة.. وكل صورة وراها حكاية كبيرة".
من قرية الحميدات بمحافظة قنا، من قبيلة الهوارة، جاء نسل محمود، من الصغر ارتسمت في عينه الولع بتفاصيل الصعيد الصغيرة، بدت في صوره للوجوه، والنساء اللاتي يتم تصويرهن بصعوبة شديدة طبقا للعادات والتقاليد الصعيدية، انطلق في عدة قرى يصور فيها تلك التفاصيل مثل "نجادة"، التي يقول إنها كانت عاصمة مصر إبان حكم الملك مينا موحد القطرين، وشهيرة بالنول المعلق على حوائط كثير من بيوتها حتى الآن.
حركة خيول الصعيد، لا تخفى عن عدسة محمود، والتي يطلق على الجري بها والتسابق اسم "المرماح"، حيث تعلق تلك الرياضة بالصعيد في مواسم عدة، في كل عام يفوز بطل واحد بالترميح، يظل حامل لراية النصر حتى يسلمها للفائز العام التالي، راية خضراء تظهر في صور محمود، تظهر الرياضة في مواسم ثلاثة مع مواسم الموالد في الصعيد، والمشهورة أيضا في قرية دندرة.
وجوه المصريين تشبه الفراعنة، يقول محمود إن تركيزه على وجوه الصعيد كان ضمن مشروع يعمل عليه باسم "برواز" وهو يهتم بالتقاط الوجوه، إذ إنه يجد شقوقات الطين المصري متجذرة في وجوه الصعايدة، يتابع "الولد الصغير في الصعيد بيتربى وبيلعب في الطين، وأشعر إن تفاصيل الوجه الصعيدي تأتي من ارتباط الصعيدي بالأرض"، فرص تكاد تكون نادرة تأتي لـ"محمود" لتصوير وجوه لنساء، يرى إنه محظوظا عن غيره في هذا لإنه واحد من أبناء الصعيد، والبعض يعرفه ويسمح له بذلك.
أتواب الموالد، اللون الأخضر الزاهي، حركة العشق والتجلي مع المدائح النبوية، تظهر في موالد عديدة، مثل مولد "سيدي عبد الرحيم"، وغيره تجول فيه محمود عاشقا ومصورا، "أنا مهتم جدا بليالي الذكر والمقامات"، وكذلك تصوير عدد من العادات الصعيدية، مثل ظاهرة "شق السوق" التي تلجأ لها عدد من السيدات اللاتي تأخرن في الحمل، أو حتى عادة تشترك فيها جميع النساء مثل شراء الذهب.
عشق آخر لا يقل عن حب التصوير يتغلغل في نفس الشاب، وهو الأطفال، "بحب أصور الاطفال كتير جدا"، يرى محمود إن جمال صور الأطفال ينبع من فطرتهم، أو جمالهم المرتبط بعشوائية الحركة في اللعب "الشعر غير المرتب، الملابس الملطخة بالطين" وغيرها تبدو في عدسته أقرب إلى الواقع في قرى الصعيد.
صورة للممشى بداخل معبد دندرة سحرت محمود بجمالها، والتي نشرتها ناشونال جيوجرافيك، يقول إن الفراعنة القدماء كانوا يرسمون تفاصيل صورة قبل البناء، فالمستطيلات الثلاثة في الصورة تعطي بعدا جماليا، وعمقا مع حركة الإضاءة.
كمصور حر يواجه ابن الهوارة أيضا عدد من الصعوبات خصوصا في ظل ظروف أمنية محكمة، يذك أنه تم إلقاء القبض عليه في أمن الدولة قرابة الأربعة وعشرين ساعة بسبب التصوير، "أنت شكلك إخوان" تهمة واجهته، لكنه خرج بعد تدخل أحد الأقارب وإنه مصور هاوي "ساعات كتير بتكون محتاج كارنيه أو الانتماء لمؤسسة يمكن تقدملك دعم".
رغم الهواية الطاغية على روح محمود، لا يزال يبحث خريج عام 2000 على عمل يدرج فيه صوره بشكل مميز، لا يعتبر الهاوي إن تصوير الحوادث والمؤتمرات الصحفية يدفعه لأن يكون مداوما في مهنة التصوير الصحفي لكنه يفضل تقديم المزيد من المواد المصورة عن دنيا الصعيد بكاميرته، ويقدم مشروعات تحصل على عدة جوائز، أو تنشر في دوريات عالمية، مثلما نشرت له مؤسسة ناشونال جيوجرافيك في مصر أربع صور من معبد دندرة، خاصة أن عدد من المصورين من القاهرة يتواصل معه من أجل التصوير في الصعيد "كتير من الصحفيين عايزين ينفذوا مشروعات في الصعيد، لكن مفيش حد بيفكر يستعين بمصورين الصعيد ومنتجاتهم.. المركزية طاغية جدا حتى في التصوير".
عدد من ردود الأفعال الايجابية يحصل عليها محمود من خلال صفحته، بجانب الجائزة التي حصل عليها في مسابقة اليونسكو "متحدون مع التراث"، ليحصل على المركز السابع في المسابقة، بالإضافة إلى مشاركات من مصورين تثني على صوره، يحلم أن يستمر مشروعه، وأن تأتي اللحظة التي تتحول فيها الهواية إلى حرفة.
فيديو قد يعجبك: