ناهض حتر.. 3 رصاصات في رأس الفكر العربي – (بروفايل)
كتب – مصطفى ياقوت:
اغتيل الكاتب الأردني، ناهض نايف حتر، 56 عامًا، بثلاث رصاصات بالرأس، اليوم الأحد، إثر إطلاق النار عليه من قبل مجهول، أمام (قصر العدل)، أثناء مغادرته المحكمة في العاصمة عمان، بعد الانتهاء من جلسة محاكمته في التهم المنسوبة إليه بالإساءة للإسلام والذات الإلهية.
واتهم حتر، بنشر رسوم كارتونية مسيئة، عبر صفحته الشخصية عل موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ما أدى لاعتقاله منتصف الشهر الماضي، وإسناد مدعي عام عمان الأول، القاضي عبدالله أبو الغنم للكاتب حتر، جُرم إثارة النعرات المذهبية والعنصرية، وفقًا لأحكام قانون العقوبات الأردني وقانون الجرائم الإلكترونية، قبل أن يخرج بكفالة مالية مطلع سبتمبر الجاري.
توضيح حتر بشأن الرسوم الذي نشرها، لم يعفه من رصاصات متشدد، ذكرت مصادر أمنية أنه إمام مسجد، فرغ من فريضة الحج هذا العام ثم عاد لعمان، أعلنت السلطات الأردنية إلقاء القبض عليه فور واقعة إطلاق الرصاص، حيث نشر الكاتب قبل أيام توضيحًا قال فيه ''شاركتُ منشورًا يتضمن كاريكاتيًرا بعنوان (رب الدواعش)، وهو يسخر من الإرهابيين وتصوّرهم للرب والجنة، ولا يمس الذات الإلهية من قريب أو بعيد، بل هو تنزيه لمفهوم الألوهة عما يروّجوه الإرهابيون''.
وأضاف ''الذين غضبوا من هذا الرسم نوعان: أناس طيبون لم يفهموا المقصود بأنه سخرية من الإرهابيين وتنزيه للذات الإلهية عما يتخيل العقل الإرهابي؛ وهؤلاء موضع احترامي وتقديري''.
وتابع ''وإخون داعشيون يحملون الخيال المريض نفسه لعلاقة الإنسان بالذات الإلهية. وهؤلاء استغلوا الرسم لتصفية حسابات سياسية لا علاقة لها بما يزعمون''.
ولا تعد تلك هي المحاولة الأولى للتصفية الجسدية التي تعرض لها حتر، حيث تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة عام 1998، أدت به إلى إجراء سلسلة من العمليات الجراحية، غادر بعدها البلاد لأسباب أمنية إلى لبنان.
واعتاد حتر، على دعم النظام السوري متمثلًا في رئيسه بشار الأسد، في مقالاته، "أصمد واصبر وانتظر"؛ وصفة الأسد الأب لبقاء سوريا"، منتقدًا ما وصفه بـ" تخريب" العلاقات المشتركة بين دمشق وعمان في ثمانينيات القرن الماضي، حيث قال في مقاله الذي حمل عنوان "الأردن وسوريا؛ تعالوا إلى كلمة سواء": "نحن بدأنا بتخريب العلاقات من خلال السماح بتدريب عناصر الإخوان المسلمين في الأردن وتسليحهم وإرسالهم إلى سوريا".
وناهَض "ناهِض" تيار الإسلام السياسي متمثلًا في جماعة الإخوان المسلمين، وما آلت إليه أوضاعها بمصر عقب عام واحد من توليهم مقاليد الحكم في مقاله "ماذا نفعل بإخواننا؟"، قائلًا "الإخوان وقعوا سريعًا في أخطاء قاتلة، لم يسلكوا كقادة للأمة، بل كعصبية تستعجل التمكين، واتكأوا على الدعم الأمريكي، وتأكيد نظام اللامساواة الاجتماعية والاهتمام بالبيزنس على حساب الكادحين.. فشل الإخوان بصورة تدعو إلى الشفقة، واختاروا رئيسًا بلا كاريزما، محدود الشخصية، ومثال للسخرية".
ويعد حتر أردني المنشأ والمولد، من مواليد عام 1960، كاتب وصحفي يساري، انتظم بين عامي 1984- 2015 بكتابة زوايا تحليلية، يومية وشبه يومية، في الصحافة الأردنية واللبنانية، كما أنه كان موقوفًا عن الكتابة في الصحافة الأردنية منذ 2008.
تخرج حتر من الجامعة الأردنية قسم علم الاجتماع والفلسفة، وحصل على ماجستير فلسفة في الفكر السلفي المعاصر، وتعرض للسجن مرات عديدة، أطولها أعوام77 و79 و96.
ولناهض عدة إسهامات فكرية في نقد الإسلام السياسي، والفكر القومي والتجربة الماركسية العربية، وكان إسهامه الأساسي في دراسة التكوين الاجتماعي الأردني، وكان حتر أحد ناشطي الحزب الشيوعي الأردني، وينظر إليه باعتباره أحد أبرز الكتّاب العلمانيين في البلاد، واتخذ مواقف مناهضة للمملكة العربية السعودية، وكذلك الأردنيين من ذوي الأصول الفلسطينية، رافضًا منحهم حقوق المواطنة الكاملة.
واتضح هذا الرفض في مقال نشره في جريدة الأخبار اللبنانية تحت عنوان "فلسطينيّو الأردن: مشكلات الاندماج والحقوق والعودة" والذي قال فيه إن "واقع الأردن الاجتماعي ـــ السياسي يقول إن هناك مكوّنًا فلسطينيًا في تلك العملية، لكن المشكلة أن اندراج هذا المكوّن الفعلي في الشعب الأردني، لم يأخذ بعد أبعاده الثقافية والسياسية، أي إن اندماج الفئات الفلسطينية المتأردنة، اجتماعيًا وتاريخيًا، لم يُترجم في الوعي السياسي لتلك الفئات".
وفي مقال آخر نشر في نفس الصحيفة تحت عنوان "الأردن وتجربة جديدة في الفوضى الخلاقة"، قال حتر "الأردنيون الآن هم السنّة، وفلسطينيو الأردن هم الشيعة، فهم لن ينقلبوا على الحكم ولن يرحبوا بالوطن البديل".
هجوم الكاتب المسيحي، على الفكر الوهابي والتكفيري، بدا جليًا في مقاله "بهدوء| هل هناك مشروع شيعي؟"، والذي قال فيه "تدفع الوهابية والاخوانية والتكفيرية الإرهابية، المسيحيين العرب، إلى الهجرة، مستخدمة كل الوسائل من دعاية الكراهية إلى القتل الجماعي، بينما تلِزّ التقاليد الثقافية والضرورة السياسية معاً، الفضاء الشيعي لاستبقاء المسيحية المشرقية".
وعمد الكاتب في كتاباته، لانتقاد السياسية الأردنية الحالية، واصفًا إياها بـ"التابعة" للرياض، فيقول في مقاله "الأردن.. حين يلتقي الأميركيون والروس"، "من الواضح أن الأردن استطاع أخيرا انتزاع توافق أميركي ـ روسي نادر على مكانة مستقلة معترَف بها، ودور إقليمي خاص في قضايا المنطقة. وهو ما مكّنه من إدارة ظهره للسياسات السعودية التي استخدمت ضغوط المساعدات والتيارات الوهّابية في الداخل الأردني، لإرغام عمّان على السير وراء الرياض، واستخدام المملكة الأردنية كأداة أمنية محرومة من المناورة السياسية".
ولـ "حتر" عدة مؤلفات لعل أبرزها، "دراسات في فلسفة حركة التحرر الوطني، الخاسرون: هل يمكن تغيير شروط اللعبة؟، ربيع زائف، في نقد الليبرالية الجديدة، الليبرالية ضد الديمقراطية، وقائع الصراع الاجتماعي في الأردن في التسعينيات، الملك حسين بقلم يساري أردني، المقاومة اللبنانية تقرع أبواب التاريخ، العراق ومأزق المشروع الإمبراطوري الأميركي".
فيديو قد يعجبك: