من داخل الأردن.. حكايات "التهجير الجماعي" للاجئين السوريين
كتبت - فايزة أحمد:
قبل ثلاثة أشهر اصطحب السوري عبد الكريم خضير صديقه ليتوجها إلى أحد محال المفروشات في العاصمة الأردنية عمان، حيث كانا في طريقهما للبحث عن عمل يوفر لهما متطلبات حياتهما الصعبة، ليفاجئا بأن الشرطة الأردنية تلقي القبض عليهما دون تبرير سوى "إجا قرار بترحيلكم إلى سوريا".
لم يتسنَ لـ"خضير" أو صديقه الطعن على قرار الترحيل الذي بموجبه أودعا السجن لمدة عشرة أيام كاملة، ليبدأ ظهور محاميي المفوضية السامية لشئون اللاجئين الذين لم يستطيعوا التصرف حيال ذلك "بيحكولنا ما منقدر نفيدكم بشي"، الأمر الذي جعلهما يدركان أن عليهما مواجهة مصيرهما المجهول.
فوجئ ابن ريف دمشق، أنه لم يكن وصديقه الوحيدين اللذين أُجبرا على العودة إلى بلادهما، إذ كان المئات منهم منتظرين في الحافلات الضخمة التي أقلتهم إلى مناطق سيطرة الجيش الحر بسوريا "هي بنسميها القذف الجماعي.. يعني بيستنوا عليهم يكونوا مائة أو مائتين شخص وبيقذفوهم سوا جبريًا".
مطلع أكتوبر الجاري، أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريرًا حمل عنوان "ليس لدينا فكرة لماذا أعادونا.. عن ترحيل وإبعاد الأردن للاجئين السوريين"، إذ قال إن السلطات في عمان ترحل تقريباً 400 لاجئ سوري مسجل كل شهر رغمًا عنهم، إلى أماكن لازالت الحرب دائرة بها في سوريا، وهو ما يعرضهم لمخاطر عدة.
انتقلت الحافلات من شمال شرق الأردن وتحديدًا من "مربع فرحان" إلى معبر "الرويشد" الفاصل بين الحدود "الأردنية -السورية"، ومنه إلى مدينة "درعا" التي كانت المحطة الأخيرة للمُرّحلين "سلمونا للجيش السوري الحر بدرعا.. وفاتونا تحت القصف".
أيام عدة من الخوف والترقب مرت على الشاب العشريني، لكنها كانت تترك في حلقه غصة زاد من وطأتها "انقطاع الاتصال بيني وبين أمي وأخي تركتهم بالأردن وصرت ما بعرف عنهم شي لمدة شهر كامل".
خلال هذا الشهر، لم يخالج خضير شكًا في حتمية الفرار من الموت في درعا، الأمر الذي جعله يُسافر إلى تركيا هربا عبر البراري ومنها إلى اليونان، لم تكن الأخيرة المقصد الذي كان يرجوه "أنا بدي أسافر على هولندا.. الحياة كتير صعبة باليونان مافي شغل مافي شي.. وبحاول أشوف شي طريقة أروح على هولندا واسحب أخي وأمي معي".
وبالقرب من مكان انطلاق حافلات المُرحلين، تحديدًا في مخيم "الزعتري" تلمس عمر العموري أخبار المُرحلين فجأة دون أسباب واضحة بمزيد من القلق والترقب "والله كتير خايف إنه بيكون علي الدور قريبًا خاصة أنه ما في معايير واضحة للترحيل".
نهاية 2013، قدم العموري رفقة أسرته إلى مخيم الزعتري، المكتظ عن آخره باللاجئين، لكن فكرة مغادرته راودته منذ البداية؛ نظرًا لأن "أحوال المخيم كانت دائمًا من سيئ لأسوأ، غير أنه ممنوع أطلع منه لأنه محاوط بسور وشبك وكاميرات مراقبة"، وهو ما جعله يعزم أمره منذ أشهر قلائل على "سويت كفالة وطلعت على عمان لأن نحنا كنا بسجن بس فيه حرية".
عثر العموري على عمل بشركة زجاج في العاصمة، غير أن مخاوفه حيّة طول الوقت خوفا من قيام السلطات الأردنية بترحيله إلى سوريا مجددًا، وذلك مثلما حدث لصديقه الذي كان يعمل معه بنفس الشركة، وتم ترحيله قبل شهر إلى سوريا، حيث انقطعت أخباره إلى الآن "ما بعرف لساته عايش أو لا".
كأي سوري يحلم الرجل الثلاثيني بانتهاء الحرب في موطنه للعودة إليه "يعني كل إنسان بيحلم بالعودة لوطنه لكن كيف حاليًا؟ هل هذا الوقت المناسب للعودة؟"، يعتقد أن السلطات الأردنية أخطأت تقدير الوقت لترحيل السوريين "الأردن لا تفعل شيء بتصرف هذا سوى أنه ترسل السوريين للموت".
على الجانب الآخر، رفضت الأردن ممثلة في المتحدث باسم الحكومة محمد المومني، ما وصفه بـ"الاتهامات" التي صدرت عن المنظمة الدولية، إذ قال، في تصريحات لجريدة الغد الأردنية، إن بلاده تنفذ أحكام القانون الدولي المرتبطة بهذا الأمر، معتبرًا أن "أمن الحدود الأردنية فوق كل اعتبار، وأن البلد قدم للاجئين السوريين الكثير".
يتبنى وجهة النظر تلك، الطالب السوري أحمد كريم، فـ"الأردن استوعبت أعداد كبيرة من لاجئي سوريا وهي دولة صغيرة.. ما في صناعة ما في موارد ما في زراعة"، الأمر الذي جعله ينظر إلى ما تقدمه الأردن للسوريين بالمقارنة بإمكانياتها بمزيد من الرضا "فيه دول عربية كتير رفضت تقدم ربع ما قدمته الأردن للسوريين برغم كثرة مواردهم".
منذ هجرة كريم إلى عمان من محافظة اللاذقية، عمل مع منظمات الإغاثة التي تقدم العون للاجئين بالمخيمات "أعداد السوريين في المخيمات وخارجها كبيرة جدا، ولذلك العون الذي تقدمه الحكومة الأردنية لم يعد كما كان".
للأمر ذاته كانت هيومن رايتس ووتش طالبت أكثر من مرة دول العالم بضرورة زيادة مساعداتها للأردن بهدف استيعاب كل هذا العدد من اللاجئين، ولكن لم تستجب دول عدة لنداء المنظمة.
عكس بعض السوريين، ينظر كريم إلى ترحيل السلطات الأردنية للاجئين بشكل مختلف متمثل في أن "الأردن من حقها الحفاظ على حدودها، ولكن إرسال الناس لكي تموت في سوريا ليس الحل أبدا".
فيديو قد يعجبك: