"افتحوا السينمات".. أبناء الصعيد يشتاقون لشاشات عرض
كتبت – يسرا سلامة:
أطلق عدد من نشطاء ومهتمين بالسينما هاشتاج عبر موقع فيسبوك بعنوان #افتحوا_سينمات_الصعيد؛ دعوةً إلى افتتاح أماكن للعروض السينمائية في جنوب مصر، عقب إغلاق عدد منها في الفترة الأخيرة، وبقاء عدد من الدور يسيطر عليها الإهمال أو عرض أفلام قديمة. تواصل "مصراوي" مع عدد من المدونين لمعرفة تطلعاتهم حول وجود سينما في الصعيد.
أطلقت آيات ياسين الهاشتاج دعما لوجود دور عرض سينمائية. وتقول "عدم وجود سينما بيأثر على روح الناس وفكرهم.. زي المزيكا وباقي أشكال الفن". عملت الفتاة خلال الجامعة بمجال التمثيل من باب الموهبة وتنتقل للتدريس الآن، وترى أن عدم وجود سينما أزمة كبيرة في بلد مثل مصر، المصدر الأولى للفن في الوطن العربي "ده شئ محزن.. آخر مرة روحت سينما كان في القاهرة لإن سينمات سوهاج متوقفة".
تجد آيات الحل في التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص، أو أن تحفز الحكومة هذا القطاع للاستثمار فيه، أو على الأقل توفر الجهات المعنية بدائل متاحة، ولا تترك أيضا الجمهور غنيمة للقطاع الخاص في هذا الشأن. لا ترى الشابة أن السينما "رفاهية"، متابعة "مينفعش نقارن.. أيوة إحنا محتاجين خدمات كتير، لكن أهمية السينما على مستوى مينفعش يقل عن أهمية الأكل والشرب، وفي أي بلد السينما لا تتجزأ أهميتها بخدمات تانية".
من سوهاج أيضا، بدأ الصيدلي ريمون ويليم-28 عاما-بالتدوين على الهاشتاج، ليس فقط كمشاهد للسينما لكن أيضا لاهتمامه بها كصناعة بعد عدة ورش تلقاها داخل المحافظة وخارجها. ويعتقد الشاب أن محافظته ككثير من محافظات الصعيد تفتقر إلى "القوة الناعمة" مثل المسرح والأوبرا والسينما والحفلات الموسيقية، وضاعت آخر المحاولات بإغلاق آخر دورين سينما في سوهاج.
"محدش مهتم بفكرة الارتقاء بالتذوق الفكري والفني عند الناس".. يتذكر الشاب السوهاجي الزيارة السينمائية الأخيرة له منذ ست سنوات لسينما أوبرا بصحبة أصدقاء الكلية، لكن لم تتكرر المحاولة "سينما أوبرا بقت خرابة وسينما الحرية بقت معرض ملابس أو مخزن لسيناكولا". يستلزم الذهاب للسينما سفر ريمون للقاهرة إذا ما تملكته الرغبة "هضطر أسافر لمحافظة تانية علشان أحضر فيلم وأجي .. فبستناه لحد ما ينزل ع النت وأحضره".
دور العرض القائمة في سوهاج تحت ملكية الدولة، إلا أنها بحاجة لتجهيزات والمصروفات لاستقبال كلا من الأفلام والجمهور، حسبما يوضح ريمون. كما أنه لا ينكر مسؤولية القطاع الخاص، لكن "الإلتزام" في رأيه على الحكومة. يردف "الصعيد يحتاج كتير.. لكن نتائج إهمال السينما بتبان على المدى البعيد، الصعيد مفهوش أي خدمات، وده نتيجة المركزية اللي هى بتخلي القاهرة فقط اللي فيها الخدمات وباقي المحافظات تسافر القاهرة لخدمات كتير، والسينما مش محتاجة خطة معقدة، دي حاجة لبهجة الشعب الصعيدي".
كاريمان كمال، لم تكتب فقط على الهاشتاج دعما لوجود السينما، وإنما دعمتها بتقديم مقترح لمشروع سينما بمساعدة د. نيفين عبد الخالق أحد المسؤولين بنادري روتاري. وتقول "بعد مناقشة عرفت أن المحافظة مرحبة بدعم المشروع، لكن محتاج ماليات وتواجد إداري، وده خارج طاقتي طبعا ومحتاج إدارة". تواجه الشابة أزمة وجود أفلام قديمة أيضا في دار العرض الوحيدة بالمحافظة "مهملة كمان ومش نضيفة وحتى لا يوجد أسم للسينما المعروف وجودها في ميدان الثقافة"، الدار أغلقت في عام 2006.
منذ عام ونصف، قطعت الفتاة طريقا في ساعة ونصف الساعة لمشاهدة فيلم "فتاة المصنع"، في محافظة أسيوط. أصبحت السينما عقبها ترتبط بتواجدها في القاهرة مع عملها كإخصائية نفسية، إذ لم تسد دار عروض قصر ثقافة سوهاج شغفها للأفلام الجديدة "اضطريت أشوف فيلم مولانا بس لما نزلت من البلد"، مضيفة "الفكرة أن المجتمع هنا مش مهتم، وبيتم التعامل مع السينما كوسيلة ترفيه، مش ثقافة أو سوق جديدة ممكن تفيد المنتجين وتكسبهم".
وينشر عدد من المدونين عبر الهاشتاج تجاربهم مع السينما بالصعيد، فضلا عن صعوباتهم في الدخول لها إلا في زيارات للقاهرة أو الإسكندرية.
وعلى الرغم كونه من الإسكندرية، إلا أن المخرج المستقل محمد سعدون اهتم بالتدوين دعما لوجود السينما. يلمس سعدون ذلك من خلال شباب الصعيد الآتي للقاهرة للمشاهدة ومتابعة الأنشطة الثقافية، مؤكدا رؤيته لاهتمام على أرض الواقع في مهرجان الأقصر للسينما "وقتها كان فيه جمهور من الشباب والمهتمين، الناس بالصعيد مفصولين نهائيا عن الواقع الدرامي، ما بيشفوش من السينما غير إعلانتها".
يرى سعدون أن عدم وجود سينما في كثير من محافظات الصعيد يشجع انتشار مشاهدة الأفلام من خلال الانترنت، الأمر الذي يرفضه صناع تلك الأفلام لأنه تعدي على حقوق الملكية "يمكن ده يقل لما السينما تبقى موجودة"، مشيرا إلى أن الصعيد مليء بالمواهب الشابة أيضا في التمثيل، لكنه يخلو من معاهد سينمائية أو ترفيه لا يجد طريقه إلى الجمهور هناك، متابعا "وزارة الثقافة هى الي هتقوي قلب القطاع الخاص من المنتجين والموزعين على الدخول للسوق الجديد".. يردف سعدون أن الأراضي بالصعيد تخضع للحكومة الممثلة في وزارة الثقافة، وإذا بادرت الوزارة بفتح الباب سينتعش الحال.
أثنى الناقد السينمائي سيد فؤاد، ورئيس مهرجان الأقصر السابق، على حملة "افتحوا سينمات الصعيد"، مضيفا لـ"مصراوي" أن كافة الأقاليم بمصر- وليس الصعيد وحده- بحاجة لوجود اهتمام بسينما الأقاليم، مردفا أن كافة القرى في الماضي كانت تشهد سينما تسمى بـ"سينما الحي"، ويذكر مثال "زمان في شارع التحرير مثلا كان فيه 3 سينمات سينما الدقي ومرمر وسمارة، وكانت بتستقبل سكان بولاق والدقي، وسينما فنتزيو في الجيزة، وكلها سينمات شعبية ظهرت في وقت عبد الناصر واختفت بعدها".
لا يعتد فؤاد بفكرة أن وجود دور للعرض السينمائي رفاهية، مضيفا أن الدولة المصرية إن كانت جادة في محاربة التطرف، فلن يبدأ هذا الأمر سوى بالثقافة، ووسط انتشار الأمية لن يتجلى ذلك سوى بالصورة من خلال السينما. ويؤكد الناقد أن الدولة عليها دور وكذلك القطاع الخاص في وجود دور عرض بالمحافظات، مردفا أن هناك عدد من المنتجين تشجعوا للتجربة ثم ابتعدوا عنها نظرا للعوائق التي واجهتهم.
"كانت سينما واحدة وأغلقها الأمن منذ عام 2002 في بني سويف".. يذكر ذلك محمد محمود - اسم مستعار-الساكن بالمحافظة، مردفا أن النزاعات التي تنشب بين رواد للسينما سببا في إغلاقها "ممكن تحصل خناقات وصاحب السينما هو الخسران". يردف الشاب العشريني أنه كان هناك مشروعا لإقامة سينما في قرية الفشن لكنه لم يكتمل، إذ أن ثقافة ارتياد السينما غير منتشرة بين سكان المحافظة، الأمر الذي يجعل طلبها قليل "مفيش مسارح أو ثقافة أو سينما، النشاط ده معدوم، ولو موجود مش بالكفاءة زي القاهرة.. بيعتبروها من كماليات الكماليات".
وأشار المتحدث الإعلامي باسم مجموعة سينمات رينيساس عبد الجليل حسن، التي أُغلقت بأسيوط، في تصريح سابق لـ"مصراوي" إلى أن السينما تتعرض لخسائر مادية في الفترة الأخيرة، لا يتناسب مع ما يتكبده أصحاب دور العرض من مصروفات وراوتب، وسط حالة من الركود في السينما.
ووفقا لموقع في السينما، الذي دعم الحملة على الهاشتاج، والمتخصص في أخبار وأرشفة المعلومات عن السينما، فإن عدد الدور في أسوان والأقصر واحدة لكل محافظة، فيما لا توجد دور في قنا وأسيوط والفيوم، كما تم هدم آخر دار للسينما في أسيوط لبناء برج، وتذكر كاريمان كمال أن أسوان تحوي على دار عرض واحدة تُفتح في موسم السياحة.
فيديو قد يعجبك: