من خان شيخون.. مصراوي يحاور سوري فقد 19 فردًا من عائلته
كتبت- شروق غنيم:
تمر الأيام على علاء اليوسف، في بلدته خان شيخون، كأي سوري. الخوف يخيم على الأجواء، ومع سماع أصوات طيارة، يدّب القلق في نفسه "بنتوقع إن هاي الضربة هتقع علينا"، لكن أمس الثلاثاء، كان الأمر مُغايرًا، صدمة كبيرة تلقاها صاحب الـ27 عامًا، بعد أن حصد قصف كيميائي في شارعه، 19 فردًا من عائلته.
تصريحات متضاربة خرجت من المسئولين؛ وزير الدفاع الروسي يقول إن الضربة تابعة لغارة جوية للحكومة السورية، وإنها استهدفت "مستودعًا ضخمًا للذخيرة تابعًا للإرهابيين"، فيما نفى نائب المندوب السوري للأمم المتحدة، منذ قليل استخدام الجيش السوري للأسلحة الكيميائية، لكن اليوسف لا يتفق مع هذا الحديث.
"المكان اللي انضرب هو شارعنا" يشرح اليوسف أن بلدته لا يوجد بها مقرًا لأي فصيل سواء إسلامي، أو للجيش الحُر "خان شيخون بلد خالي من المقرات العسكرية"، فضلًا عن أن المقاتلين الموجودين لا يستيطعوا الحصول على غاز السارين –بحسب قوله- ويضيف: "بيتي اللي انضرب مو مقر عسكري".
في تمام السادسة والنصف من صباح الأمس؛ استيقظت عائلة اليوسف على أصوات قصف قوية، تهشّم زجاج النوافذ والأبواب، خرجوا من منازلهم لتفقد ما يحدث، تبينوا أن هناك ضربتين قد أصابت الحي، من آثار الانفجار الذي يدوي في السماء.
بعد حوالي ربع ساعة، وقف والد اليوسف على باب منزلهم يراقب حركة إمرأة تسير في اتجاه مكان الضربة، فجأة تتساقط السيدة ويغشى عليها، دخل الأب إلى المنزل مسرعًا يروي لعائلته ما رأي "هون حسينا إن في شي مو طبيعي، وتوقعنا إنه ممكن يكون في غاز كلور".
وفسرت منظمة الصحة العالمية إصابات الضحايا بأنها "مؤشرات تتناسب مع التعرض لمواد عضوية فوسفورية، وهي فئة من المواد الكيميائية تشمل غازات أعصاب سامة".
ارتبكت العائلة التي تواجه هذا النوع من القصف للمرة الأولى؛ والذي وصفه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس بأنه "جريمة حرب". أخذت العائلة تُبلل أقشمة بالمياه وخل التفاح والكولا "بنعرف هالشغلات تخفف من آثار الكيماوي"، وبدأت تمسح الأوجه بالأقمشة لتقيهم الآثار.
تتسارع وتيرة الذعر لدى اليوسف على زوجته وابنه، قرر اصطحابهم في الثامنة صباحًا بعيدًا عن البلدة، إلى منزل أهل زوجته، في الطريق بدأت زوجته تسعل ويتغير لون عينيها "هون خُفت"، فأخذها على أقرب مشفى "حطولها أكسجين"، فتحسن حالها حتى استقرت ببيت أسرتها رفقة صغيرها، لكن اليوسف قرر العودة إلى حيه.
بعدما أسعف ابن خان شيخون أسرته، عاد مرة أخرى إلى البلد؛ وحين دلف البناية التي تجمع أفراد عائلته، كان الموت يتجوّل بها. في غرفة منزله وحدها وجد 9 جثامين تتوسّد الأرض. مع نهاية اليوم، كان عدد من توفوا من عائلته 19 فردًا، بين أطفال، ونساء، فيما قدّرت مديرية صحة إدلب مقتل 74 شخص وإصابة 557 آخرين في هذا القصف.
في الصورة، عبدالحميد ابن عم اليوسف يحتضن طفليه التوأم أحمد، وآية، 9 أشهر، وقد توفوا هم ووالدتهم، نتيجة الضربة الكيميائية.
يتملّك اليوسف مرارة الفقد، فيُعدد 5 أطفال، و4 نساء، و10 رجال، كحصيلة المتوفيين من عائلته، يتلو اسمائهم: ملهم جهاد اليوسف، ياسر أحمد اليوسف، وزوجته سناء، وطفليهما عمار ومحمد، الذين لم يتجاوزا الـ10 سنوات، عبد الكريم أحمد اليوسف، ودلال أحمد الصح، وطفليها التوأم أحمد وآية، عُمرها 9 أشهر، إبراهيم محمد اليوسف، محمد حسن اليوسف (11 عامًا)، هند تركي اليوسف واثنين من ابنائها، نهاد أحمد اليوسف، وزوجته ملك، وابنته نور، حسن محمد اليوسف، وأحمد إبراهيم اليوسف.
لا يوجد في مدينة خان شيخون سوى مستشفى واحد "تقدر تستوعب 30 حالة كحد أقصى، لكن ما فيها تستقبل 500 مُصاب في وقت واحد.هاد فوق طاقتها"، وبينما حالة الطوارئ تعم المشفى وتحاول إنقاذ المصابين، بعد حوالي ساعتين من الحدث، تلّقت ضربة جوية "وخرجت عن الخدمة".
نصف أهالي المدينة تركوها أمس مؤقتًا لحماية أرواحهم، لكن الباقي "ما في مكان يروحوا عليه، كل منطقة محررة عم تتقصف"، لكن اليوسف لن يُبرح بلدته بسبب عمله في التمريض بمركز صحي، استقبل أمس مئات "أغلبهم من النازحين لخان شيخون، هربوا من مناطقهم بسبب القصف، وماتوا عنّا".
استقبل المركز الصحي اليوم حالات تُقدر بالعشرات "الصخب كان أمس، والحالات كانت بالمئات"، يقدم المركز خدمات بسيطة نتيجة نقص المواد الطبية "بنعطي للي عنده اختناق دواء أوبر أتربين، واللي عنده حرقان بنبدّل له تيابه، وننصحه يتحمم"، حتى تزول آثار الكيماوي.
كان أمس أول مرة تتعرض فيها بلدة خان شيخون لقصف كيميائي، لكن اليوسف قد عاصر 4 مرات للقصف بجانب بيته، أصابته إحداهما في قدمه، وصار على ابن الـ27 عامًا الاستناد على عكاز حتى يمشي "القصف أصبح شئ يومي في حياتنا".
فيديو قد يعجبك: