حكاية "أمل".. ظُلمةٌ نوّرها التفوق بـ"الأولى" على الثانوية الأزهرية
كتبت- علياء رفعت:
قبيل صلاة الظهر أمس، كانت "أمل" تتقلب في فراشها بينما يساورها القلق وهى في انتظار ظهور نتيجة الثانوية الأزهرية بعد ظهور نتيجة الثانوي العام. فشلت مساعي أسرتها في محاولة الحصول على النتيجة من المعهد، وأصبح الجميع في انتظار لحظة إعلانها بشكلٍ رسمي، حتى دق الهاتف بعد العصر بقليل لتناديها والدتها "سكرتير شيخ الأزهر على التليفون يا أمل وشيخ الأزهر عاوز يكلمك".
زغاريد متواصلة لا تنقطع امتلاءت بها جنبات منزل الفتاة صاحبة الثمانية عشر عامًا وهى تتلقي تلك المكالمة من شيخ الأزهر الذي أبلغها بتفوقها وبأنها الأولي على القسم الأدبي في الثانوية الأزهرية لفئة المكفوفين. "مكنتش مصدقة وحاسة إنه حلم، صحيح ذاكرت كويس بس مكنتش أعرف إنى هطلع الأولى ولا توقعتها" قالها أمل بصوت يملؤه الفرح وهى تسترجع تلك اللحظات التي هنأها فيها شيخ الأزهر وأبلغها بأن الأزهر يقدم لوالديها رحلتي حج، بالإضافة إلى مكافأة مالية لها، إلى جانب إعفائها من المصروفات الجامعية كونها من العشرة الأوائل.
"كُل حاجة كانت بمعاد ونظام صارم" بهذة الكلمات وصفت أمل رحلتها مع الثانوية الأزهرية منذ بدايتها في شهر أغسطس الماضي وحتى ظهور النتيجة التي ابهرتها بعد تفوقها الملحوظ. فابنة الثمانية عشر عامًا خططت للثانوية بشكلٍ دقيق ونظامٍ صارم لم تحيد عنه أبدًا. تستيقظ قبيل السادسة لتبدأ دروسها في السابعة، تلك الدروس التي كانت تقضي فيها أكثر من ثُلثي اليوم لتعود بعدها إلى المنزل فتنال قسطًا من الراحة وتبدأ في استذكار ما تلقته قبل ساعات.
الترفية عن النفس، هو رفاهية لم يتضمنها قاموس أمل الذي كان يقضي بتخصيص كل وقتها للاستذكار والمراجعة "اتعودنا من زمان إن وقت الدراسة مذاكرة وبس.. مفتكرش إني خرجت خلال السنة دي كلها خرجت ولا مرة". ورغم أن الخوف والملل كان يتسرب إلى نفس الفتاةِ في بعض الأحيان إلا أنها كانت تواجهه باستذكار دروس التفسير وهى الأحب لقلبها "كانت بتساعدني أفهم القرآن بشكل أفضل وتهديني دايمًا، فيبقى عندي طاقة أرجع أذاكر تاني".
ورغم اجتهاد أمل وعزمها على التفوق إلا أن ذلك العام-بحسبها- كان مليئًا بالصِعاب التي واجهتها مرارًا وتكرارًا بداية من حضورها كل الدروس مع طلبة مُبصرين، فيغيب عنها ما يُكتب أو يُدون. فيما تعتمد هى طوال الوقت على حاسة السمع فقط في التلقي وتقوم بتسجيل كل ما يقوله المدرسين لتستمع إليه أثناء المذاكرة فتُركز على ما فاتها منه وتحاول أن تتقنه.
"كنت بتضايق أوى لما الاقي حد من الثانوي العام بيشتكي ويقول إنه مثقل ومش عارف يذاكرالمواد من كترهم في حين إنهم بياخدوا مواد أقل مننا" قالتها أمل مُعبرة عن مدى التفاوت ما بين الدراسة الأزهرية ودراسة الثانوي العام، ففي حين يقوم طالب الأدبي في الثانوي العام باستذكار سبع مواد فقط كانت هى تقوم باستذكار 17 مادة ضمنهم العلوم الشرعية من فقه، سُنة، سيرة.. وغيرهم. ورغم ما يتطلبه الأمر من اجتهاد وانتظام ومواظبة على المذاكرة للإلمام بكل تلك المواد واتقانها يبقى الطالب الأزهري بحسب ما تراه أمل أقل من طالب الثانوي العام في نظر البعض وهو ما كان يثبط عزمها في البداية إلا أنها بمرور الوقت قررت أن تركز على استذكار دروسها فقط لتتفوق وتبثت العكس للجميع بالفعل وليس بالقول.
الصعوبات التي واجهت أمل لم تتوقف عِند هذا الحد بل امتدت لتشمل الهم الأكبر الذي كان دائما ما يقلقها، وهو العثور على من يصلح لأن تجعله يكتب بالنيابة عنها أثناء أدائها للامتحانات "الموضوع مكنش سهل خصوصًا إن الأزهر له شروط صعبة وصارمة في الحكاية دي". تلك الشروط تقتضي بأن يكون من يستكتبه الكفيف بالثانوية في بداية المرحلة الإعدادية وأن يرافقه أثناء تأدية كافة الامتحانات فلا يتم تبديله أو تغير بآخر، وألا يكون على عِلمٍ مُسبق بأىٍ من المناهج الدراسية للثانوية الأزهرية.
رحلة العثور على من ستستكتبه ابنة الثمانية عشر عامًا لم تكن سهلة كما وصفتها "كلمنا ناس كتير ومرضيوش خصوصًا إننا كنا في رمضان والمسافة من القرية بتاعتى لمركز فاقوس اللي فيه المدرسة طويلة، والدنيا كانت حر وصيام.. مين هيضحي بوقته وتعبه يعني!". ورغم صعوبة الأمر في البداية إلا أن العناية الإلهية انقذت الفتاة بعثورها على إحدى بنات جيرانها والتي تبرعت بالذهاب معها والكتابة عنها "قعدنا مع بعض كذا مرة قبل الامتحانات وفهمتها الطريقة اللي هتكتب بيها الإجابات وهى كانت شاطرة ومبتغلطش في الإملا وده ساعدني ووفر عليَّ كتير".
قُرابة الساعة ونصف، ذلك هو الوقت الذي كانت تستغرقه أمل وجارتها للوصول من قرية الروضة إلى مركز فاقوس بالشرقية حيث تقوم بتأدية الامتحانات، بينما كانت تتمنى في قرارة نفسها أن يكلل الله مجهود العام بالنجاح ليس لأجلها فقط ولكن لأجل إدخال السرور على قلب جاراتها التي اقتطعت من وقتها لتساعدها بنفسٍ راضية.
بعد مشاورات ومداولات لحصولها على أعلى الدرجات، قررت "أمل" أن تلتحق بإحدى كُليات العلوم الشرعية الأزهرية على أمل أن يستمر تفوقها لتختتم رحلتها بكونها أستاذة في الجامعة تنقل ما تعلمته للآخرين لُتنير عقولهم. فيما يراودها بين الحين والآخر رغبة الحصول على منحة لاستكمال دراستها بالخارج "شايفاه حِلم صعب بس نفسي ربنا يحققهولي".
فيديو قد يعجبك: