اعتقال وإصابة ومنع.. قصة أسرة فلسطينية حاولت الصلاة في "الأقصى"
كتبت - دعاء الفولي:
في حوالي السادسة والنصف من صباح اليوم، توجهت عبير زياد من منزلها إلى المسجد الأقصى، وما أن وصلت إلى باب المجلس، الواقع غرب المسجد، حتى لاحظت حركة غريبة في المكان، قبل أن يأتيها خبر منع صلاة الجمعة، ولم تكد تستفيق من وقع الخبر حتى علمت باعتقال أختها وابنتها ببلدة القدس القديمة؛ حينها أدركت السيدة الفلسطينية أن الساعات التالية لن تمر بسلام.
منعت شرطة الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين، اليوم الجمعة، من الوصول للمسجد الأقصى، وذلك بعد عملية نفذها 3 شباب فلسطينيين، أسفرت عن مقتل جنديين إسرائيليين واستشهاد الثلاثة شباب.
لملمت عبير صدمتها بالكاد، لكن تلك الأزمة لم تكن الوحيدة التي ألمّت بالعائلة، فقد وقع شقيقها إبراهيم كذلك تحت أيدي شرطة الاحتلال في باب العامود بالقدس القديمة، وهو الأقرب للمسجد الأقصى.
أمتار معدودة تفصل منزل إبراهيم عن المسجد "عشان هيك اتحركت متأخر نسبياً"، وحينما وصل "كان فيه اشتباكات بين الشرطة وكان فيه نساء فلسطينيات بالنص"، حاول الشاب صاحب الاثنين وثلاثين عامًا التدخل للدفاع عنهن؛ فمسّه من السوء جانب "تمت إصابتي بضربة في الرأس وكدمات متفرقة" حسبما يقول لمصراوي.
حين خرجت نيرمين بن ميزر إلى شوارع البلدة القديمة "لقيت كل الأشياء مسكّرة"، كانت بصحبتها الوالدة والعمّة "ومعنا أكثر من حقيبة بها فواكه وطعام وسكين"، إذ اتفقت الفتاة ذات الـ23 عامًا مع سيدات أخريات على الذهاب برحلة عقب صلاة الجمعة، لكن عناصر الاحتلال استوقفتهن للتفتيش "ولما لقوا السكين افتكروا إنه سلاح"، لذا تم احتجازهن في ساحة قريبة "وجوهنا للحائط ومُكبلين"، بينما حاولت الشابة التفكير في كيفية التحدث لخالتها عبير لإخبارها بما حدث.
لحسن الحظ علمت عبير باعتقال نيرمين ووالدتها من أهل البلدة القديمة الذين رأوهم "بلشنا علطول نتصل في المحامين والمعارف ليساعدوهن".
ربما اعتادت عبير، نيرمين وإبراهيم على ممارسات الاحتلال في أرجاء المسجد الأقصى "كل جمعة بنكون عارفين إنه قد يحدث اشتباك.. أحيانا يتم اعتقالنا أو إبعادنا لعدة شهور" حسبما يقول الشاب المقدسي. يذكر أنه في أحد المرات مٌنع من الدخول لثلاثة أشهر متتالية، كانت الأسوأ في حياته، لكنه ما لبث أن كرر محاولات الدخول المستميتة حتى استطاع الصلاة في رحاب المسجد "لكن في النهاية هاي حالات فردية.. هالمرة الوضع كتير صعب.. لم يحدث منذ زمن بعيد".
في أغسطس عام 1969، دخل متطرف استرالي المسجد الأقصى من باب المغاربة، مُشعلا النار في المُصلّى القبلي، ما أدى لاحتراق أكثر من أثر، أبرزهم منبر صلاح الدين الأيوبي، وكانت تلك المرة هي الوحيدة التي لا يُرفع فيها آذان الجمعة وكذلك لم يتم إقامة الصلاة.
لم تتوقع نيرمين ما حدث اليوم "خاصة إنه القدس إلها فترة هادئة"، تروي الفتاة أن إحكام التشديدات الأمنية في المدينة منع أي شكوك في وقوع عمليات، قبل أن تضيف بحسرة "ما توقعنا إنه البطش يوصل بالاحتلال لعدم إقامة الصلاة".
لا يختلف حالة بلدة القدس القديمة عن المسجد، شبهها البعض بـ"مدينة الأشباح"، وذلك بعد أن أغلق الناس محلاتهم خوفا مما قد يحدث، بالإضافة لحظر التجوال الذي فرضه الاحتلال، بينما تذكر نيرمين أن اقتصاد بلدتها في تدهور مستمر بسبب مضايقات شرطة الاحتلال، بداية من الحواجز، مرورا بالاعتداءات وحتى المنع من دخول المسجد.
تلك المضايقات عانى منها الأقارب الثلاثة بصور متفاوتة، إما باعتقال سابق كما حدث مع إبراهيم بينما كان في الخامسة عشر " لأول مرة بحياتي أحس بالتعذيب والتحقيق الصعب وبعدها تم سجني مع الجنائيين"، فيما لا تنسى عبير اللحظات المريرة، حين تم الاعتداء عليها عام 2014 من قبل مستوطنين وجنود الاحتلال لكونها أحد المرابطات في ساحة المسجد "تم نزع حجابي عني وضربي بشكل مبرح"، أما نيرمين فأسوأ ما مرّت به كان عدم استطاعتها إدخال صديقة أتت من دولة بعيدة لتزور الأقصى "منعونا نحنا الاتنين.. كان شعور رهيب بالخذلان".
رغم ذلك لا تبرح نيرمين الذهاب للأقصى كل جُمعة، فهناك صار لها طقوسا خاصة "بنروح قبل الصلاة بشوي ونختار مكان يكون فيه شمس كتير"، تشعر الفتاة بطمأنينة بين ازدحام الساحة بالمصلين "بعدين الأهالي بيجتمعوا سوا وأحيانا بيعملوا أكل"، بينما يتم تنظيم وقفات احتجاجية أحيانا ضد اعتقال البعض وتضامنا مع عائلاتهم.
في المقابل يستعد إبراهيم لصلاة الجمعة بطريقة مُختلفة "يعني بنعرف مبادئ عن الإسعافات الأولية والتحرك يكون كيف"، لكن أكثر ما يحذر منه الشاب وأصدقائه هم المستعربين "اللي مظهرهم مثل الفلسطينيين لكنهم تبعات الاحتلال"، إذ يحمل هؤلاء أسلحة أسفل ملابسهم "وإذا بيعتقلوا حدا بيكون يومه أسود".
تعرف عبير أن عملية الصباح فرصة ذهبية لقوات الاحتلال "بيقدروا يزودوا قبضتهم الأمنية..يعتقلوا حُراس المسجد ويسحبوا مفاتيح الأقصى التي بحوزة الأوقاف الفلسطينية"، أما إبراهيم فينتظر حملة اعتقالات عشوائية خلال الساعات القادمة، وانتشار أكبر للمستوطنين.
مازال القادم غامضًا لأهل القدس، تزداد الوقائع سوداوية، وترتفع حدة الأزمة "ما حدا رفع أذان العصر، المغرب أو العشاء من الأقصى". يأتي على بال نيرمين وإبراهيم وعبير أن يذهبوا للمسجد مرة أخرى مُحاولين الدخول، لكن يمنعهم انتشار قوات الاحتلال بأرجاء مدينتهم، تبكي ابنة الشاب المقدسي حين تشاهد آثار الضرب على جسد والدها، فيهدئ من روعها، مُحدثا إياها عن واجب المقاومة، يعتريه الغم إذ يذكر هدوء البلدة المُزعج، بينما يُصر على الصمود أمام ممارسات المُحتل حتى النفس الأخير.
فيديو قد يعجبك: