داخل أروقة التلفزيون.. قصة أول قسم للرسوم المتحركة في مصر
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
كتب- محمد مهدي ورنا الجميعي وإشراق أحمد:
خارج مبنى التلفزيون المصري، في 13 يوليو 1961، تحرك الأخوان "مهيب" دون هُدى، عقلهما مُنشغل بعرض رئيس المؤسسة الهندسية "صلاح عامر"، بإنشاء أول قسم للرسوم المتحركة بمصر، صار حلمهما أقرب ما يكون "قالهم يهمني التلفزيون يتبني بإيدين مصرية، شوفوا محتاجين إيه وعايزكم تتفرغوا لينا" وفق-علي سعد مهيب، الرئيس السابق لقسم الرسوم المتحركة بأكاديمية الفنون.
كان على الشقيقان أن يتركا أية أعمال أخرى ولم يترددا، مغامرة كبيرة لكنها تستحق، وافقا على العرض، حصلا على غرفتين للقسم بالدور السابع في المبنى الذي لم يكتمل تشييده بَعد من الداخل، يتكون من استديو مُجهز بأبسط الأشياء، ترابيزات لعمل الرسامين "ولوحة إزاز تحتها إضاءة عشان التصوير".
ساعات طويلة يقضيها الأخوان مهيب داخل القسم، يخططان لتفاصيل التجربة، يعملان على تكوين الفريق، يذهب "علي" لكلية الفنون الجميلة لاكتشاف المتميزين، وفي التليفزيون يستقبل الشقيقان معًا المواهب الشابة الراغبة في وظيفة، توافد عليهما العشرات، تم تقسيم الناجحين منهم إلى فريقين، الأول للرسم تحت قيادة "علي"، وآخر للتصوير بإشراف "حسام".
بستة أشخاص، وأقل الإمكانيات بدأت المسيرة، المعدات المتاحة لم تكن كافية، الكاميرا التي يمتلكونها لا يعتقد الخبراء الأجانب أنها صالحة لتصوير الرسوم المتحركة، وجيه فهمي أحد أقدم أعضاء الفريق يقول: "كاميرا بولكس ليها ستاند مخصوص، وسلالم، واحد بيطلع فوق يصور وحد تحت يحط الكادرات وينادوا على بعض".
السمة الأساسية في القسم هي الدقة، وفق شويكار خليفة، مخرجة الرسوم المتحركة وأحد أعضاء الفريق: "أستاذ حسام كان بيمسك المعدات بحرص كأنها مصحف"، ولم يكن "علي" بأقل حرصًا في الرسم، وبالمثل يعامل الأخوان أفراد الفريق، يهتمون بأمرهم، يطالبون بحقوقهم "سعوا إن التلفزيون يدونا مقابل الشغل، وكنا بناخد 75 جنيه ودا مبلغ كويس وقتها" كما يقول "فهمي"، أحد أقدم الملتحقين بالفريق، يخشون أيضًا حتى على ملابسهم من الاتساخ أثناء العمل "أستاذ علي خلانا نلبس بلاطي زي الدكاترة".
رغم مشقة التجربة لم ييأس الشقيقان، واجها الأزمات بمزيد من العمل "مكنوش بيناموا، وعاوزين يثبتوا ذاتهم" بحسب "سعد" أستاذ الرسوم بأكاديمية الفنون، انتجا عددًا كبيرًا من الأعمال داخل التلفزيون أغلبها تترات البرامج "وظهر وقتها مشاكل بالنسبة للرسوم والكاميرا"، فاتخذا القرار بشراء كاميرا حديثة.
بعد عدة عروض للمعدات، ونقاش الأخوين مهيب حول الأنسب وما يتفق مع ميزانية التلفزيون، حصل ماسبيرو على كاميرا "الأوكسبيري" أمريكية الصنع "كانت أهم كاميرا أنميشين في العالم وقتها" كما يروي أستاذ الرسوم بأكاديمية الفنون"، بعدها توالى سفر حسام مهيب إلى استوديوهات لندن في الستينيات، التقى هناك "بيتر نيلسون هورديل" مُصنع الكاميرات، ومنه جاءت الكاميرا الثانية "نيلسون 16 مل" وفق شويكار ، مخرجة الرسوم المتحركة، التي شهدت العمل مع "مهيب" في تلك الفترة بعدما انتقل القسم إلى الدورين الثاني والثالث في مبنى التليفزيون.
باتت الإمكانيات مِلك اليد، والخبرة تراكمت مع ضغط العمل، مما دفع الأخوين إلى محاولة القفز لمسافة أبعد "يعملوا فيلم الخط الأبيض، يبقى مزيج من الرسوم المتحركة والتصوير الحي"، شاركهما شقيقهما "محمد" بالديكور، وعادل أنور في التصوير، وفهمي عبد الحميد بتألف أغنيتين، وعبد الوهاب محمد بأغنية، وسيد مكاوي وحلمي بكر للألحان.
لم يستوعب الكثير فكرة الفيلم، كيف يمكن إدخال مشاهد مصورة برسوم متحركة، لم تَحدث من قَبل بمصر، تطبيق العرض الخلفي يُنفذ في أضيق الحدود، بأن يظهر البطل يقود سيارة وخلفه شاشة للشوارع مثلًا، لذا لم يخلُ التصوير من تعجب العاملين بالفيلم من طلبات المُخرج –علي مهيب- لهم بالنظر تجاه الفراغ والتحدث "كنت بسمعهم بيسخروا منه ويقول عليه مخرج الروائح" قبل أن ينبهروا بالنتيجة كما يحكي "سعد" أستاذ الرسوم بأكاديمية الفنون.
بحث "علي" عن فتاة تؤدي دور البطولة في الفيلم، رسمها على الورق، منتظرًا أن يعثر عليها، قبل أن يمر مؤلف الأغاني "عبد الوهاب محمد" على القسم للزيارة، اطلع صدفة على الرسومات ليصرخ "أنا عندي بنت شبه الرسمة بالظبط، اسمها نيللي"، التقيا الأخوان مهيب بها، وقاما بضمها للعمل، برفقة بطل العمل "ماهر العطار".
استغرق العمل نحو عام كامل من الجهد الشاق، حفيظة الطوبجي زوجة حسام، شاركت في الفيلم تقول: "كنا نقعد ليل نهار عشان نطلع حركة واحدة، و(علي) كان أي هفوة يطلب من نعيد من الأول"، تضحك السيدة السبعينية متذكرة كيف عانت بالأيام في مشاهد المايسترو والراقصة نوال.
الوقت يمر، دون خروج العمل للنور، مهرجان التلفزيون الرابع يقترب، المسؤولون ينتظرون بقلق، تَكلف الفيلم قرابة 4 آلاف جنيه، بينما لا يزال الأخوين منهمكين في الانتهاء منه، وقبل نحو أسبوعين من المهرجان توجه "علي" إلى مكتب سعد لبيب السكرتير العام بالتلفزيون، لاعتماد ميزانية للموسيقى التصويرية لكن الأخير رفض.
لم يتناقش "علي" في الأمر، لكنه اصطحب "لبيب" إلى غرفة العرض، طلب إذاعة الفيلم، وبعد أن شاهده الأخير أجزاء منه، علت الدهشة وجهه، أخبره أنه أفضل عمل تلفزيوني رآه، واعتمد الميزانية على الفور مطالبًا بسرعة الانتهاء منه للحاق بمهرجان التلفزيون.
7 أيام كانت كفيلة لظهور النسخة النهائية من "الخط الأبيض"، مكنّه ذلك من المنافسة في المهرجان بين أكثر من 37 محطة تلفزيونية عالمية، أمام لجنة تحكيم مكونة من كافة الوفود، قبل أن تُعلن المفاجأة، فوزه بالجائزة الأولى في المنوعات "الفيلم دا من الحاجات اللي اعتبرها والدي إنجاز في حياته" كما يقول أحمد ابن الفنان علي مهيب، فيما يؤكد "سعد" أستاذ الرسوم بأكاديمية الفنون أن "الخط الأبيض" وضع حجر الزاوية لريادة الأخوين للرسوم المتحركة عربيًا وإفريقيا.
بين ليلة وضحاها صار الأخوان نجوما، عملهما الذي لم يؤمن به الكثير بات "الألفة"، المجلات والصحف اليومية يتزاحمون أمام القسم لإجراء حوارات صحفية معهما، مجلة الإذاعة والتلفزيون تكتب مُشيدة بالفيلم: "الأعمال الفنية التي تتم في هدوء، دون ضجة، ودون لهفة، وبقصة تحقيق متعة خلق عمل فني متكامل، هي الأعمال التي تنجح".
القسم تحول لقِبلة الجميع، حتى أن خريجي دفعات كلية الفنون الجميلة يتوافدون عليه من حين لآخر، أثناء تدريبهم في التلفزيون، يستكشفون المكان "يشرحوا الأجهزة وإزاي بيشتغلوا عليها والخامات اللي بيستخدموها" كما تؤكد شويكار عضوة فريق مهيب في التليفزيون.
فيما بَعد تطورت الأعمال المُقدمة من قسم الرسوم المتحركة بالتلفزيون "ابتدينا نعمل الفوازير من أول 1964" يذكرها فهمي، أحد أقدم الملتحقين بفريق مهيب، كان يكتبها الشاعر "أبو بُثينة"، ويعكف الفريق بقيادة "علي" لوضع الصورة المناسبة للكلمات "عملنا فوازير كمان عن الأرقام"، أيضًا فوازير للممثل عبد الغني قمر برفقة عدد من الفنانين.
لشهرة القسم، وأعمال "علي" في الرسم، خُصص لهم برنامجا تلفزيوني "برنامج الرسم تحت الكاميرا اسمه تسالي"، يعكف وجيه فهمي على تصويره "وفيه رسام كاركاتير بيرسم على الترابيزة"، يُعرض يوميًا لمدة دقيقتين "بنصور 2800 صورة"، وبرنامج آخر يُسمى ألف مصنع "بنعمل كل منتجات المصانع اللي بيعملها عبد الناصر".
بناء على دعم من المهندس صلاح عامر، رئيس التليفزيون حينها، سافر "حسام" إلى تشيكوسلوفاكيا، وألمانيا الغربية، للتعرف على أحدث الطرق المستخدمة في مجال الرسوم المتحركة، قضى عدة أشهر، تعلم قدر الإمكان، قبل أن يعود إلى القاهرة لينقل ما اكتسبه من خبره إلى شقيقه "علي" الذي تكفل بتسيير العمل في القسم في ذلك الوقت.
قَدم الأخوان كل ما في وسعهما للتلفزيون، لكن الإمكانيات دائمًا كانت عائقًا كبيرًا، لم يتمكنا من خوض تجربة أخرى مشابهة لـ"الخط الأبيض"، الميزانية لا تكفي، خاصة أن البلاد في ذلك الوقت تتأهب للحرب "كانوا بيعاملوهم إنهم موظفين مش فنانين" بحسب فهمي، أحد أقدم أعضاء الفريق، فاختارا وضع كلمة النهاية لمرحلة التلفزيون والبدء في تجربة مستقلة، بإنشاء استديو خاص بهما، ليصير اسم الأخوين "مهيب" ملأ السمع والبصر.
تابع باقي موضوعات الملف:
من السويس إلى شبرا.. رحلة محامي ورسام مع ريادة الرسوم المتحركة
استديو مهيب.. مصنع الرسوم المتحركة في الوطن العربي
لماذا ردد المصريون إعلانات الستينات؟
الأخوان مهيب.. أصحاب خدعة "النمر الأسود" وأطول فيلم عن الحرب للأطفال
بعد أكثر من 40 عامًا.. سوق الجرافيك يُنهي حلم "ديزني الشرق"
تلامذة وتراث ينتظر المنقذ .. كلمة النهاية في سيرة الأخوين مهيب
من الجوابات إلى فيسبوك..ذكريات الجمهور مع أعمال "مهيب"
مسيرة الأخوين مُهيب في سطور (فيديوجراف)
فيديو قد يعجبك: