"مصراوي" يحاور "مُسعف السيلفي": "كنت بوثق اللحظة.. وعملت شغلي على أكمل وجه"
حوار – نانيس البيلي وأحمد جمعة:
في خضم الحزن الذي عاشه المصريون خلال اليومين الماضيين على ضحايا حادث تصادم قطاري الإسكندرية الذي راح ضحيته أكثر من 41 قتيلاً وعشرات المصابين - وفق الرواية الرسمية لوزارة الصحة، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي موجة من الغضب بسبب صورة "سيلفي" التقطها عدد من المسعفين في موقع التصادم ومن ورائهم حُطام القطارين، وهو ما رصدته عدسة الزميل أحمد حماد، المصور بمجلة الإذاعة والتليفزيون أثناء تغطيته للحادث.
وقامت هيئة الإسعاف بنقل 6 من موظفي الإسعاف "عقابًا لهم على نشر الصور" إلى منطقة "سيوة" الحدودية، ويعلق مدير هيئة الإسعاف المصرية، أحمد الانصاري على الواقعة بقوله "كان سلوكًا غير ملائمًا".
"مصراوي" حاور أحد أبطال مشهد "السيلفي" الأشهر..،
الجمعة الماضية، يوم ليس عادياً لقائد سيارة الإسعاف محمد حسن زكي، الذي يعمل بإسعاف الأمراء بالبحيرة. فالحادث كبير وهناك المئات من الجرحى والمصابين جراء اصطدام قطاري الإسكندرية قرابة محطة خورشيد. انطلق بسيارته فور ورود البلاغ الساعة 2.21 ظهر الجمعة الماضية، ولم تتعد 6 دقائق حتى وصل مكان الحادث وحمل طفلين مصابين بنزيف حاد في المخ لينقلهما سريعًا إلى المستشفى الجامعي بسموحة.
ظلّ قائد السيارة على حالته منذ الظهيرة، ينقل مصابين إلى المستشفيات في انتظار وصول الإمداد من باقي مناطق تمركز سيارات الإسعاف لإخلاء الموقع تمامًا من المصابين، وقرابة الخامسة مساءً كان قد انتهى من عمله بشكل كامل، وبينما اختلس دقيقة لالتقاط صورة مع زميله لأخذ "صورة سيلفي" يخلد بها الحادث ويتذكرها معتزًا بعمله في انقاذ الضحايا، كان أحد المصورين قد التقط صورتهما لتجوب صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام وسط انتقادات حادة.
تمركز "محمد حسن" في منطقة الحادث انتظارًا لانتهاء لإخلاء الموقع، ورفع حطام القطارين، حتى انتهى من عمله ليلًا ليفاجئ في الثانية صباح اليوم التالي بمكالمة زميله في العمل: "ايه الصورة اللي منتشرة دي جنب القطر!".
لم يكن محمد حسن زكي يريد التحدث عن الواقعة، يؤكد خلال حديثه دومًا بأنه تعرض للظلم، يشكو من نفسيته المُتعبة، وعمله المُرهِق "كفاية اللي بيحصلنا واللي بنشوفه إحنا وأولادنا وأمهاتنا".
بعد جُهد مُضني؛ فتح "محمد حسن" لنا صدره، صمت قليلاً قبل أن ينخرط في البكاء قائلاً "أنا تعبان من الظلم الواقع عليا.. حسبي الله ونعم الوكيل في اللي صورني" مشيراً إلى أنه صحفي يعلم اسمه جيداً وأنه لم ينشر الصورة بنفسه.
تابع "زكي" انتشار صورته بمرارة، يتذكرها كلما تحدث عن الواقعة: "كنت أريد توثيق الحادث لي شخصيًا وأخليها لعيالي ذكرى يفتخروا بيها أنني شاركت في أحداث كبيرة، ولم أنشرها على صفحتي على الفيسبوك، وهذا ظلم كبير أن يتم إهدار جهدنا وعملنا في صورة واحدة مع زميلي كانت بعيدة تمامًا عن الأحداث، إحنا بذلنا أكبر جهد علشان ننقل المصابين وحرام أن ده يحصل معانا".
يرى المُسعف أن الهجوم عليه غير مبرر، لأنه لم يصور نفسه مع ضحايا أو مصابين "أنا كنت بتصور مع حتة حديدة، مكنش فيه حد في المكان ده، وبصور على تليفوني الشخصي"، موضحًا أنه قرر التقاط "السيلفي" بعدما انتهوا تمامًا من عملهم قبيل أذان المغرب "كان وقت خلصنا نقلنا المصابين والجثث من قلب الحدث، كانت الشمس راحت".
"عشان خاطري أنا ممكن يجيلي سكتة قلبية لو كملت، مش قادر والله" قالها "زكي" بصوت باكي طالبًا إنهاء المكالمة الهاتفية، وأنه سيدافع عن نفسه عقب تحسن حالته النفسية "أنا مظلمتش حد..."، 3 أيام متواصلة رفض فيها "محمد حسن" الحديث: "مش عاوز أتكلم عن الموضوع لأني تعبان نفسيًا، وعيالي بقت مكسوفة تمشي في الشارع، وحاسين إن أبوهم عمل مصيبة"، ينقطع صوت "حسن" ليُضيف: " الناس اعتقدوا أننا مقصرين وهذا غير صحيح".
يعمل "حسن" في هيئة الإسعاف منذ عام 2007. وشارك في أحداث هامة: "شاركت في أحداث نقل المصابين من قطاع غزة ودخلت مع أول 25 عربية إسعاف إلى هناك، وكانت أحداث صعبة، كنت أنام على الأرض والمساجد والأرصفة لخدمة أهالي غزة، هل هذا جزاءنا في النهاية؟".
يتمسك "حسن" بالقيام بواجبه خلال أحداث قطاري العياط: " أنا أول عربية وصلت البلاغ، وفي هذا الوقت وجهت زملائي إلى موقع الحادث لأنهم ليسوا من أهل المكان ومن محافظات مجاورة، ثم استمريت في مكان الحادث حتى انتهاء رفع القطارين تحسبًا لوجود وفيات جديدة، أو سقوط مصابين من عملية رفع الأنقاض".
أكثر ما يؤلم "حسن" هو قرار وزارة الصحة بنقله مع زميله إلى نقطة سيوة على الحدود بين مصر وليبيا: "النقل أثر نفسيًا عليّ لو عملت حاجة ماشي، إنما أكملت عملي على أتم وجه، ومكنش فيه أشلاء نهائياً كما ردد البعض، بل بعض (الملايات) الخاصة بالأهالي لتغطية الجثث التي كانت موجودة، ومحدش من زمايلي هيسيبني لو كان فيه مصاب واحد وأنا سبته واتصورت".
يلتقط أنفاسه، ويقول إنه شارك في أحداث غزة في عام 2008 "كنت من أول 25 عربية إسعاف دخلتها وكنت بنقذ المصابين من قلب غزة"، مضيفًا أنه استمر لشهر ونصف بمدينة رفح لإنقاذ ضحايا حرب غزة وعمل في ظروف شديدة الصعوبة " كنت ببات في الشارع على الأرصفة، فضلنا مرابطين على معبر رفح.. ده تاريخي".
76 عربية اسعاف حضرت تباعًا إلى موقع الكارثة من مرافق إسعاف الإسكندرية والبحيرة ومطروح تضم عشرات المسعفين، بحسب "زكي"، ويضيف أنهم انتهوا من مهمة إخلاء الضحايا قبيل المغرب، بينما رابطوا في أماكنهم لتأمين رجال الشرطة والمطافئ والأوناش المتواجدين كذلك للتعامل مع الحادث "لربما يحدث حاجة، حد يصاب أو يقع عليه حاجة، لازم يبقى فيه اسعاف ينقذهم".
لأول مرة يقوم "حسن" بالتقاط صور لنفسه في موقع حادث طوال مدة عمله بمرفق الاسعاف التي تجاوزت الـ10 سنوات "أنا معملتهاش قبل كده والله"، يصمت قليلاً قبل أن يقول غاضبًا إن الشخص الذي التقط له الصورة التي أغضبت المصريين منه كان بعدما فرغ تمامًا من مهمته السامية "ده صحفي مغرض حاقد بيستخدم حاجات عايز يمسح مجهودنا اللي إحنا عملناه".
تعرض "محمد حسن" لحادث خلال السنوات الماضية أجبره على تركيب شرائح في فخذه: "كنت ممكن أخد عمل خفيف، لكنني لم أطلب ذلك أنني قادر على العمل، وأقدم خدمة إنسانية قبل أن يكون عمل أحصل على أموال منه".
يؤكد حسن أنه سينفذ القرار حال تمسك الوزارة به، لكنه يرغب أن تُعيد النظر فيه مرة أخرى: "الناس اعتقدوا أننا مقصرين وهذا غير صحيح، و هذا إهدار لصورتنا أمام أسرتنا وزملائنا".
فيديو قد يعجبك: