في 6 أيام.. كيف غير شباب "القدرات الخاصة" نظرة "الأمريكان" لمصر؟
-
عرض 4 صورة
-
عرض 4 صورة
-
عرض 4 صورة
-
عرض 4 صورة
كتبت-إشراق أحمد:
تصوير- جلال المسري:
داخل إحدى قاعات جامعة تينيسي، جنوب شرق أمريكا، وقفت رحمة خالد تتحدث عن نفسها وأصدقائها المصريين من أصحاب متلازمة داون، تخبر الطلاب الأمريكيين أنها بطلة عالم في السباحة، وأنهت دراسة اللغات من معهد الألسن، تعرض صور التقطتها، فيما تشاركهم حلمها "بتمنى أكون أول مذيعة في العالم العربي من ذوي الاحتياجات الخاصة".
ضجت القاعة بالتصفيق للشابة المصرية، وبدت علامات الانبهار على الحضور، حتى أن إحدى أساتذة الجامعة أخبر مرافقيها، أن الطلاب الأمريكيين كانوا في حالة "كسوف"، فكيف لـ"فتاة" داون أن تأتي بهذه الثقة وتلقي محاضرة بالإنجليزية، وهي ليست لغتها الأصلية، فيما قد يصعب عليهم هم ذلك.
كانت رحمة، واحدة ضمن ثلاث شباب من ذوي القدرات الخاصة، سافروا إلى أمريكا نوفمبر الماضي، للمشاركة في التبادل الثقافي والفني، الذي دعت إليه جمعية الفن الخاص في ولاية تينيسي، لتقضي البعثة المصرية الصغيرة ستة أيام، قدموا فيها ما غير نظرة الأمريكيين في الولاية الجنوبية عن مصر كما تقول نادية العربي، رئيس جمعية الفن الخاص جدًا.
منذ يونيو المنصرف عكفت نادية على التحضير للملتقي. تلقت رئيس جمعية الفن الخاص في مصر، دعوة من لوري كيسينجر، رئيس –الفن الخاص- في ولاية تينيسي، تُخبر الأخيرة السيدة المصرية برغبتها في القدوم لإلقاء محاضرة، فكرت نادية قليلاً في مشاركة طلابها في ذلك الحدث، فردت بالتساؤل عن إمكانية سفر بعض الشباب، لترحب "كيسينجر" بالأمر.
شبكة من العلاقات تحتفظ بها جمعية الفن الخاص منذ تأسيسها عام 1990، على يد طبيب العلاج الطبيعي محمد عبد السلام البنا، الذي أنشأها على غرار الجمعية الأم في واشنطن، ومنذ رحيله في 2011 وتتولى نادية، الفنانة التشكيلية، واستشاري العلاج بالفن، استكمال مسيرة تنمية مهارات القدرات الخاصة وإدماجهم في المجتمع.
ما إن تجد نادية الفرصة مناسبة للظروف والأوضاع الاقتصادية حتى تُسارع بالمشاركة في الملتقيات الدولية "تبقى خبرة كبيرة للولاد" تقول أستاذ فلسفة التربية، مشيرة إلى أنه منذ التسعينيات يسافر أصحاب ذوي القدرات الخاصة لدول أجنبية وعربية، لعرض الأنشطة التي تعلموها وأصبحوا مميزين فيها.
في مايو المنصرف، استضاف مهرجان "أولادنا" بعثة "الفن الخاص" في تينيسي، فحين جاءت الفرصة لرد اللفتة سافر الشباب المصريين، بعدما تواصلت رئيس جمعية الفن الخاص مع وزارة الثقافة لتوفير تذاكر السفر، ثم بدأ العمل على الإعداد للرحلة.
لم تحتاج نادية كثيرًا للاختيار بين أبناء الجمعية "في كل سفرية بنخلي مجموعة مختلفة تسافر وبيبقى اختيارهم على حسب موضوع الفاعلية وكمان لازم يكونوا قادرين على خدمة نفسهم في الاحتياجات الشخصية". تذكر آخر رحلة إلى الدنمارك عام 2016، إذ كان مضمون الحدث عن التوحد، فاصطحبت أحد أبناء الجمعية المتوحدين.
أما في رحلة أمريكا، فقد فرض مهارات الشباب الثلاثة نفسها. فرحمة، فتاة في الثانية والعشرين من العمر، متحدثة لبقة، تجيد الإنجليزية، فضلاً عن نشاطها الرياضي والفني، إذ تجيد التصوير الفوتوغرافي. وكان عمرو وطارق الأنسب، إلى جانب تفوقهما الرياضي، يجيد الأول التصميم الإلكتروني والثاني للرسم والنحت، وكليهما يتقنان الاستعراضات الفنية.
اعتاد الشباب الثلاثة السفر عبر المشاركة في البطولات الرياضية، حتى أنه سبق لعمرو ورحمة زيارة أمريكا، لذلك كانت الرهبة مستبعدة، أما طارق فكانت التجربة الأولى له. يرى صاحب الاثنين والعشرين ربيعًا أمريكا لأول مرة، وكذللك يسافر وحيدًا بلا والدته.
كاد طارق ألا يرافق أصدقاءه. تحكي والدته، رباب جمعة، عن حصوله على التأشيرة ليلة السفر، إذ كانت أوراقه بحاجة للتجديد، وعلموا بأمر الرحلة قبل أسابيع قليلة. عايشت السيدة حزن ابنها، وكذلك تساؤلاته "هي أمريكا شكلها إيه. هنسافر إزاي. الطيران هيبقى قد إيه؟". سبق أن تردد طارق على هولندا لإقامة شقيقه فيها، لهذا حين يُسأل عن "تينيسي" بعد زيارته لها، سرعان ما يقول مبتسمًا "زي هولندا بالظبط".
كان ينتظر المصريون برنامجًا حافلاً، مقابل عرض خططوا لتقديمه أمام "الأمريكان"، تشارك الشباب الثلاثة في إعداده حتى قبل الوصول. اعتادت رحمة أن تكون المتحدث باسم الجمعية، فما إن علمت بأمر الرحلة حتى تشاورت مع والدتها بشأن الكلمة التي تلقيها، أخبرتها أمها أنها تعرف ماذا تقول، فردت الشابة "مش هقول نفس الكلام..أنا مش بتكلم كلام تليفزيون. عايزة أقول حاجة تغير نظرة الناس عن ذوي الاحتياجات الخاصة".
اختلت رحمة بنفسها لفترة، وكتبت جمل بسيطة بالإنجليزية، تصاحب بعض الصور التي سبق أن صورتها بنفسها، أو قررت أن تلتقطها خصيصًا لتريها للحضور الأمريكي "صورت أبو الهول والهرم مخصوص قبل السفر عشان غالباً الأجانب بيجوا مصر عشان يشوفوا الحاجات دي فأنا قلت أجيب لهم مصر لحد عندهم" بابتسامة عريض تقول الشابة.
كذللك استعد عمرو لعرضه الخاص، يجيد الشاب الثلاثيني الرقص بالتنورة منذ عمر 10 سنوات كما يقول، لكن في أمريكا اكتسب مهارة جديدة "مفيش حد ساعدني ألبسها زي كل مرة" بفخر يستعيد الشاب ما حدث.
أما طارق فرغم ضيق الوقت قبل السفر، إلا أنه اختار من رسوماته ثلاث لوحات ليعرضها في الركن الفني الذي أقامه "الفن الخاص" مصر في أمريكا، يعددها الشاب "أنا رسمت مركب، فراشة، طيور مهاجرة"، يقول الشاب العشريني أن بعض الحضور أعجبه لوحة الفراشة وطالبوه بالسماح لأخذها، فسعد طارق بهذا.
وصلة من الرقص الاستعراضي قدمها الشابان والفتاة، مرة ارتدوا الزي الصعيدي وأخرى رداء الصيادين. "رحمة فاجئتنا أنها بتعرف ترقص" بابتسامة تقول نادية، فيما تلاحقها رحمة بحماس عن تفاعل الصغار والكبار معهم "بقوا يرقصوا معانا وكانوا عايزين ياخدوا الشال الاسكندراني اللي كنت لابساه عشان يرقصوا بيه".
سعادة أدخلها ثلاثي "الفن الخاص" مصر على "الأمريكان" في الجامعة، حتى أن رئيس الجمعية الأمريكية طالبتهم بتكرار تقديم العرض كاملا بما يشمله من محاضرة ومعرض فني ورقصات في الجامعة ومؤسسة الفن التي تعادل أكاديمية الفنون في مصر كما تقول نادية، ولم يقتصر على مقر الجمعية حسبما كان متفق.
في كل مرة تصحب استشاري العلاج بالفن طلابها من أبناء "الفن الخاص" تشعر بالفخر، لكن هذه المرة جاءت مختلفة "قدرات الولاد كانت عالية وأبهرونا وأبهروا الحضور"، تشير رئيس الجمعية المصرية إلى أن الشباب عملوا على تدريب أنفسهم طوال فترة الإعداد ولم يلتقوا إلا مرات قليلة، فيما كان الاتفاق والتنسيق خاصة بشأن الاستعراضات في أمريكا.
امتد جذب الانتباه لما يقوم به المصريون حتى في الورش المتبادلة لتعليم أبناء "الفن الخاص" من الجنسيتين شيئًا جديدًا، فبينما اعتمدت أنشطة الأمريكان على الأدوات المعاد تدويرها ليجمعها الشباب ويشكلوا لوحة فنية، تولى الشباب المصري تعليم زملائهم كيفية عمل مقعد للأكواب الساخنة من خلال ورق الجرائد.
لم تكن اللغة عائقاً، ليس لإجادة رحمة الحديث بها، بل تواصل عمرو وطارق بسلاسة، يشير عمرو إلى يديه بينما يوضح كيف كان يعلم المتحدثين للإنجليزية تشكيل كرات صغيرة من الجرائد وتجميعها حتى تكون الهيئة المطلوبة.
تجربة جديدة خاضها أبناء "الفن الخاص" مصر. سعدوا بالأماكن التي زاروها، فرغم خوفها تتذكر رحمة كف الدببة، ويمتن طارق لفرصة الحديث عن لوحاته أمام جمع من الناس لأول مرة، بينما لن يستطيع عمرو أن ينسى منزل نائبة الكونجرس "ديانا" التي التقتهم "شوفت قصر هناك واتفسحنا".
غمرت النشوة نفوس الشباب المصري وكذلك ذويهم؛ في كل خطوة تمتلئ فيها عيون أبناء الفن الخاص بالفرحة، كانت تتبعهم أمل عطيفة، والدة رحمة، لأول مرة تصحب ابنتها في حدث غير رياضي، حتى أنها لمس مشاعر مختلفة في نفس فتاتها "قالت لي أنا استمتعت أكتر من أي مرة لأن كل يوم بنعمل حاجة جديدة لكن المسابقات فيها ضغط".
عادت أمل هي الأخرى بتجربة مختلفة، التقت أمهات أمريكيات عن قرب، أيقنت أن الأم لا تختلف في أي بلد، ودت لو تحدثت بشكل مستفيض مع إحداهن، لكنها امتنت لما استخلصته "حسيت أن لما الأم تبقى مهتمة ده بيعمل تأثير ونتيجة كويسة جدا"، ورغم استشعارها الفخر حينما قالت رئيس جمعية "الفن الخاص" الأمريكية "باللي شايفاه كده أنتوا مش محتاجين حاجة"، وذلك ردًا عن الاستفسار عما ينقص الفريق المصري، إلا أن الأم لمست تقبلاً في المجتمع الأمريكي لذوي القدرات الخاصة أكثر منه في مصر.
ما إن رجع الشباب الثلاثة إلى مصر، حتى واصلوا فعل ما يحبون، خاضت رحمة بطولة السباحة قبل أيام، فيما لا يغادر طارق الطموح والحلم بالأفضل "عايز أعمل معرض رسم عالمي". لا يجدون صعوبة في فعل أي شيء، يأملون في يوم يتعاملون فيه دون إلحاق أسمائهم بـوصف "ذوي الإعاقة"، تلك الكلمة التي ما سمعتها رحمة حتى قالت بحدة "الإعاقة يعني طاقة مش عجز. يعني أعرف المشكلة وألاقي لها حل".
فيديو قد يعجبك: