دوري السوريين في مصر.. أطفال تركل الحرب بالكرة (فيديو)
كتب- محمد زكريا:
تصوير - عبد الرحمن علاء:
حول أرض الملعب، جلس عشرات الأطفال وعائلتهم، بانتظار أن تبدأ المباراة النهائية، في دوري لكرة القدم، يلعبه أطفال السوريين في مصر، لكن قبل أن يبدأ اللقاء، وقف اللاعبون في صمت وحداد، تحمل أذرعتهم شارات سوداء، بينما تتحرك ألسنتهم بقراءة آيات من القرآن، كان هذا على روح كل من مات جراء الحرب في سوريا.
على مقاعد المتفرجين، جلس براء خريشي، يرتدي قميص حارس مرمى، ويده تغطيها قفازات، يتابع صاحب الـ13 عامًا اللقاء، عينه مشدوهة نحو الكرة، ولسانه ينطق الحكاية التي ملّ من تكرارها.
قبل 9 أشهر، ترك الطفل الغوطة الشرقية بريف دمشق، كانت وجهته مع والده ووالدته هي مصر، وجدت العائلة السورية في مدينة السادس من أكتوبر أمانًا، اشتاقوا إليه، بعد 6 سنوات عانوا فيها ويلات الحرب، التي راح ضحيتها قرابة نصف مليون سوري، ونزح جرائها أكثر من 6 ملايين شخص، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في فبراير 2016، لكن فضلت أخته وأولادها البقاء هناك، في بلدتهم، عربين، على أمل أن يحلّ السلام على الأرض.
الأمل في العودة إلى أصحابه ومدرسته في عربين، هو ما يشغل براء، وهو كل ما يأمله، لكن علمته الحياة أو بالأحرى علمه الموت، الذي كان قريبًا منه في سوريا، أن المطالب لا تتحقق أبدًا بالأمنيات.
فقبل أسبوع واحد، تعرضت الغوطة الشرقية، التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، إلى قصف مكثف من قبل قوات الحكومة السورية، مات على إثره حوالي 300 شخص، بينهم 60 طفلًا، وأصيب ما لا يقل عن 1400 شخص، بحسب نشطاء سوريين، لتُكتب مأساة إنسانية جديدة، دفعت الأمين العام للأمم المتحدة إلى توصيف الغوطة الشرقية بـ"جهنم على الأرض".
إدراك ما يدور في سوريا، ليس بيسير على عقل طفل، لم يتعد عمره 13 عامًا، لكن ما عاشه براء قبل مجيئه إلى مصر، جعل الأمر ليس بالصعب، ربما لا يعلم الطفل بدقة أن بلده باتت بؤرة لصراع يتخطى حدودها الجغرافية والسياسية، لكنه يعرف أن العودة إلى مدينته عربين في الوقت الحالي بات في حكم المستحيل.
لا تزال المباراة مستمرة بين أطفال سوريا، كل فريق يطمح في الفوز بالكأس، وعلى مقاعد أسمنتيه وضعت عليها كراسي حديدية، تجلس العائلات السورية إلى جانبهم صغارهم، الكل يشجع فريق مدرسته.
إلى جانب براء، كان يجلس أخوه محمد، الذي يكبره بعام واحد، يشارك الصغير في الحديث بالحكي عن تفاصيل الحياة بسوريا، دون أن ينشغل عن أحداث المباراة المقامة في مصر.
بمجرد أن اشتد القصف على عربين، كان هم محمد الاطمئنان على أخته وأولادها، فهو يعرف كيف تكون الحياة في مثل تلك الأحوال، عاشها الصغير مرات ومرات.
أجرت الأسرة اتصالاً بالأخت السورية، اطمأنوا على حياتها، بينما هي أخبرتهم بأن مكروهًا لم يمس زوجها وأولادها، بعد أن سكنوا الأنفاق جوف الأرض، بديلًا عن الموت فوقها، وجبة واحدة وسط النهار تكفيهم، لكن برودة الجو وقلة حبات الأكسجين تزيد معاناتهم، إلا أن تنفذ المياه تمامًا، فلا يكون بديلاً غير أن يصعد الزوج إلى السطح، والحصول على مياه تمد المختبئين تحته بالحياة.
لكن على الأرض الخضراء، في ملعب السادس من أكتوبر، كانت الكرة تتنقل بين أرجل اللاعبين الصغار، وسط يوم حافل، اجتمع فيه السوريون وتبادلوا الضحكات، فيما يدور بخلدهم مصير بلدهم، التي تعاني الصراعات المسلحة، بين أطراف إقليمية ودولية، هي مشغولة في الأساس بالتأثير على النتائج التي ستؤول إليها الحرب، بحسب مراقبين.
لكن أمور السياسة لا تشغل طه رضوان، ذو الـ15 عامًا، والذي جاء لمصر منذ 6 سنوات، تأقلم فيها مع حياة البلد المستضيف، واندمج مع السوريين في مدراس خُصصت لهم، ومن ثم لم يفوت الطفل أي فعالية تجمعهم، إلا أنه يفتقد إلى حضن جده وجدته، اللذان رفضا ترك دمشق رغم نيران الحرب، فغابوا عنه بأجسادهما.
رغبة منه في رؤية جده وجدته، جاء الطفل محمود بيرم مع والده ووالدته من دمشق إلى مصر. على بعد أمتار من رضوان، كان يجلس بيرم، يده تصفق للأطفال، وعينه مشدوهة نحو الكرة، يحكي عن حضوره إلى مصر قبل 4 أشهر فقط، إلا أنه ينتظر أن يعود إلى بيته في دمشق، الذي يتمسك بالعيش فيه، رغم خطر الموت الذي بات قريبًا من كل سوري.
تقترب المباراة من نهايتها. خلف المرمى، كان خالد أحمد كغيره من عشرات الأطفال السوريين، يستمر في التشجيع بفرح، بينما يُحدث صديقه عن تحمله المسؤولية رغم صغر عمره، فهو الآن يعمل في مطعم يملكه والده في مصر.
أتى صاحب الـ13 عامًا إلى مصر قبل 7 سنوات، لم يكن في حينها على وعي كامل بما يدور حوله، لكن الآن هو يدرك تمامًا أن بلده تواجه التاريخ، لذلك يتمنى أن تنتصر عليه موحدة، ويعود هو إلى بيته في دمشق بسلام.
فيديو قد يعجبك: