كلمة السِر "سقوط البوجي".. دماء وأشلاء تحت عجلات القطارات
كتبت- علياء رفعت:
قبل خمس سنوات، وتحديدًا في مُنتصف يناير 2013، انفصلت عربة جنود الأمن المركزي عن قطارالبدرشين فانقلبت، وانقلبت معها البلاد رأسًا على عقب.
تلك الحادثة المروعة أودت بحياة 19 مُجندًا، وبقى 108 آخرين يتشبسون بالأمل في الحياة بعدما أصيبوا بإصاباتٍ مُختلفة بعضها كان بالغ الخطورةِ.
اليوم، حلت الكارثة مرةً أخرى باصطدام قطارين على خط المناشي للسكة الحديد، "إيتاي البارود - القاهرة"، أمام محطة أبو الخاوي بمركز كوم حمادة بمحافظة البحيرة، وأعلنت وزارة الصحة الحصيلة النهائية لضحايا الحادث، بـ7 حالات وفاة، بالإضافة لأشلاء لم تحدد هويتها بعد، و40 مصابًا، ولاح السبب - وفق بيان هيئة السكك الحديدية- بسقوط "البوجى".
سنواتٌ عديدة مرت على حادث البدرشين، وبراءة المتهمين فيه من الإهمال، بعد أن قضت محكمة الجيزة الابتدائية، المقيدة برقم 8072 لسنة 2013، بتاريخ 27 يونيو 2013، والتي نظرت قضية قطار البدرشين، بأن سبب الحادث يرجع إلى سقوط بواجى uic
لم تكن حادثة البدرشين هي الأولى أو الأخيرة التي تصطدم فيها القطارات، وتُزهق الأرواح، وتروي فيها دماء المصريين قُضبان السكك الحديدية، وبرغم فداحة الكارثة والخسائر البشرية والمادية، إلا أن مُسلسل الإهمال ذاته ذو حلقاتٍ وفواجعٍ مُتتالية ومتتابعة.
مصراوي حاول الوقوف على أسباب تكرار ظاهرة "سقوط البوجي" التي أهدرت ملايين الجنيهات وأزهقت آلاف الأرواح.
أربعة عشر عامًا، هي مُجمل ما قضاه "سعيد عبد الفتاح"، فني الصيانة بالسكة الحديد، فُمنذ اليوم الأول لتعيينه وحتى الآن وهو يُقر بأن "القطارات كلها متهالكة متنفعش تنقل لا بضايع ولا ركاب من الأساس"، فعامل الصيانة الأربعيني يؤكد أنه لا وجود للصيانة بهئية السكك الحديد من الأساس، فلا توفر لهم الهيئة أي من قطع الغيار التي يحتاجونها في التعامل مع الحركة اليومية للقطارات "اللي يهلك مبيتغيرش وبيفضل شغال، حِسنا اتنبح واحنا بنهاتي من زمان".
رغم ذلك، يؤكد سعيد أن هناك العديد من الأسباب التي قد تؤدي إلى سقوط البوجي وتكرار تلك الحوادث وتفاقمها، ويعد أهم تلك الأسباب التي قد تؤدي لذلك "اتساع السكة (المسافة بين القضبان)- زيادة سرعة القطار على التحويلة- الفلنكات المتهالكة- عدم وجود صيانة"، وبحسب سعيد، كل تلك العناصر المُهلكة أصبحت متوفرة في جميع القطارات الآن.
و"البوجي" بحسب ما يوضحه الدكتور حسام فودة، مستشار وزير النقل الأسبق للسكك الحديدية، عبارة عن 4 عجلات يسير عليها الجرار وفوق العجلات شاسيه وسوست وزنها حوالي 17 طنًا، وبالتالي فإن البوجي من الصعب أن ينفصل أو يسقط عن العربة وإن حدث فهذا يعني أن العربة مُتهالكة من الأساس، والصدأ أكل الحديد تمامًا.
الفساد كما يراه سعيد هو "لُب الموضوع"، فالجميع -بحسبه- على عِلم بسوء أحوال القطارات وأوضاعها المُتردية ولكن لا أحد يُحرك ساكنًا، بينما توجه أصابع الاتهامات طوال الوقت لعامل السكة الحديد "العامل مش هو السبب، الناس الكبار بتاخد مرتبات على الفاضي ودم اللي بيموتوا في رقابيهم".
"لا توجد دراسة جدوى لعملية صيانة وتطوير القطارات ما يجعل عمليات الصيانة تتوقف قبل أن تبدأ"، كان ذلك تصريحٌ أطلقه، مصطفى سالم، وكيل لجنة الخطة والموازنة العامة بمجلس النواب، مُشيرًا إلى أن حجم خسائر الهيئة وصل إلى 42.5 مليار جنيه، في 2016، بزيادة 5.2 مليار جنيه عن عام 2015.
سالم قال أيضًا، إن الهيئة تملك العديد من المشروعات ولا توجد دراسة جدوى لها، ما يضعف موقفها في تحصيل مديونيتها التي بلغت حوالي 3.3 مليار جنيه.
لم يختلف رأي "أحمد الدشطوطي"، سائق قطارات، عن نظيره الفني سعيد كثيرًا "عُمرها ما هتبقى آخر حادثة طول ما ضميرهم غايب.. حاميها حراميها بقى هنقول ايه"، بهذه الكلمات لخص الرجل الأربعيني الوضع الحالي، مُشيرًا إلى أن المخرج الوحيد الذي يضمن عدم إزهاق الأرواح مرة أخرى يكمن في تطوير أوضاع هيئة السكك الحديدية، توفير قطع الغيار اللازمة، وتقديم تدريبات عملية للعمال على أحدث الأساليب التقنية الحديثة في صيانة القطارات، تلك الطلبات ليست بجديدة على السائقين أو العمال الذين طالبوا بها أكثر من مرة، "كل شوية نسمع أخبار انهم خصصوا ميزانيات جديدة للتطوير ولشِراء جرارات، بس محدش عارف الفلوس دي بتروح فين؟"
كانت هيئة السكة الحديد أبرمت تعاقدًا في أكتوبر الماضي مع شركة "جنرال إلكتريك" الأمريكية لشراء 100 جرار جديد، وإعادة تأهيل 81 جرارًا خارجة من الخدمة من سنوات ضمن خطة تطوير السكة الحديد، غير أن السائق الأربعيني يؤكد أن خطة تطوير وصيانة الـ81 جرارًا لم يتم تفعيلها، لتبقى معظم تلك الجرارت مُتهالكة ولا تصلح للاستخدام بعِلم المسؤولين "المنظومة كلها فاشلة، وعُمر حالها ما هيتصلح من غير ما ضميرهم يصحى".
فيديو قد يعجبك: