بالصور- مزاد الشخلوبة.. هنا يباع سمك بحيرة البرلس
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
كتبت-إشراق أحمد:
تصوير- جلال المسري:
ما إن يؤذن للفجر حتى تستعد أم وليد لقطع نحو ساعتين من قلب كفر الشيخ إلى بحيرة البرلس، في رحلة اعتادتها قبل نحو عشرة أعوام، بعدما مات عنها زوجها. لم تجد السيدة سبيل للإنفاق أفضل من شراء السمك من "مزاد" قرية الشخلوبة لبيعه في الأسواق، ذلك في الوقت الذي يواصل الشاب يسري كمال مسيرة أبيه في الذهاب للمكان لإمداد محالهم بأصناف الأسماك.
على ضفة قرية الشخلوبة، الواقعة آخر طرف بحيرة البرلس –شمال كفر الشيخ، تنتشر ما يعرفه الصيادين والمتعاملين معها بـ"الحلقة". هنا المستقر الأخير للأسماك قبل توزيعها، بين أقفاص موضوعة على أرض سوق شعبي، وموائد عرض محل متعدد الفروع، لكن بلوغها هذه المرحلة لا يكون إلا بـ"المزاد".
مبنى صغير، أمامه ساحة فسيحة، تتراص فيها صناديق السمك مع ميقات التجمع، فيما تُظهر نوافذه مكتب يجلس من ورائه شخص أشبه بالموظف،أمامه دفتر يدون فيه أرقام، بينما يدخل صنوف الوافدين من صيادين وتجار لإنهاء إجراءات عملية البيع والشراء.
"المزاد" يجمع آل البحر، من صياد يسعى لرزق يومه بعد ساعات طوال في المياه، وتاجر أسماك يتصيد بضاعة جيدة بسعر مناسب لليد. من الرصيف إلى الحلقات رأسا يتوجه الصيادين، لا غرابة في مشهد دخول المراكب الصغيرة في المياه المتوسطة لضفتي القرية أو إشارة صاحب الحلقة لأحدهم يسأله عن الحال اليوم، ويدعوه للانضام إلى مزاده.
يبدأ الحدث اليومي مع انكشاف النهار، في السابعة صباحًا يستقبل أصحاب الحلقات الوافدين، ما إن تدخل مركب حتى تفرغ ما في شباكها من أسماك، يضعها الصيادون وعاملو الحلقة في صناديق، وأمام صاحب الصوت الأعلى في المكان يتوالى طرح صندوق تلو الآخر، ومعها تكون إشارة تجمع التجار، يتحلقون حول البضاعة.
"أنا هنا زي حكم عدل ما بين الصياد والتاجر بفصل ما بينهم عشان كل واحد يخرج مرضي" بصوت رخيم يقول حسن المصري، القائم على أحد أكبر المزادات في قرية الشخلوبة، وصاحب مهمة المنادي في المزاد.
يُوضع صندوق السمك، يلقي المصري نظرة، ثم يطرح سعرًا "250 محدش عاجبه. 230 بعد 240.." يظل يردد السعر أكثر من مرة، ليس هناك عدد معين يقف بعده النداء، طالما لم يستجب أحدًا، يواصل الرجل الصياح وسط همهمات من في الحلقة بينما يقل السعر حتى مستقره لدى أحدهم، ويتوقف عنده مزاد تلك الكمية من السمك، ومن ثم يدون المصري الرقم في كراسة يحملها بين يده.
يتردد يسري على المزاد منذ نحو ثلاثة أعوام، لكن أبيه سبقه قبل سنوات طوال يقدرها بعمره العشريني. الشاب صاحب المحال التي لها أفرع في القاهرة وكفر الشيخ حسب قوله، يأتي لمزاد الشخلوبة ضمن قائمة الأماكن التي يذهب إليها حيث يتوفر بها الأسماك.
يقف يسري بين المتحلقين حول صناديق الأسماك، يرتدي بنطالاً وقميصًا مهندمًا، خلاف مَن جواره مِن أصحاب الجلابيب أو ملابس "الكاجوال". يتصيد ما يطيب له من أنواع، يقول "بنجيب من هنا عشان ليه سوقه بناخد ما يملا مثلا عربية حمولتها طن".
البلطي، القاروص، الشبار، القراميط.. أنواع الأسماك التي تخرج من مياه بحيرة البرلس بحسب الصيادين، واختلاف احجامها يجعلها مطلبًا من كبار وصغار التجار "في ناس بتشتري وبيوصلوا السمك لآخر الصعيد" كما يقول المصري.
بين زمرة المجتمعين لأجل صندوق أو أكثر يحظون به، تتقدم أم وليد خطوة بين الرجال وتتراجع خطوة. الأسماك لا تستهويها اليوم، الأسعار والأحجام لا تناسب قدراتها، ينادي المصري على أرقام لا تقل عن مائة جنيها، ترغب السيدة الخمسينية في ثمن أقل، يلائم أهل سوق السبت أو غيرها من الأسواق الشعبية التي تفرش فيها بضاعتها المشتراه من المزاد.
أم وليد ليست السيدة الوحيدة في المزاد، نحو أربعة أخرين يترددن على المكان كما تقول سلوى. لا فرق بينهن والرجال "الناس هنا عارفينا ونقف ونقول كلمتنا زيهم"، لكن السيدات هم أصحاب البضاعة الأقل، تأتين جميعهن للبيع في الأسواق، لذلك لا يرضين بسهولة.
تنظر سلوي لصندوق، لعله المنشود هذه المرة، تعود بنظرها خائبة "عايزة سمك كويس، شوية شبار حيين وبلطي طازة..كمية مِشَكلة وأقلب عيشي". لا تفارق الابتسامة وجه السيدة الثلاثينية رغم ما تحملة المهمة من مشقة.
تأتي سلوى من مدينة دسوق –غرب كفر الشيخ- تأمل في بضاعة لها ولزوجها الذي ينتظرها ليبيعا معًا ما يتحصلا عليه من المزاد "أنا معايا دبلوم تجارة وجوزي دبلوم زراعة ومفيش شغل.. أنا اللي فلحت أجي هنا على طول".
تفضل السيدة الثلاثينية المجيء إلى الشخلوبة "هنا سمك شعبي للناس اللي عايزة بـ5 و10 جنيه لكن في دسوق ب20 وأكتر". لا تحمل سلوي سوى هم العودة، سواء خاوية الوفاض أو محملة بالبضاعة "لو خدت عربية لوحدي عشان ارجع بالسمك عشان ميبوظش ممكن ادفع 100 جنيه". كذلك أم وليد تخشى ألا يكون لها حصة.
كان المصري، ذو القميص الوردي، صاحب كلمة العليا في الثمن، يطرحه للبائع والمشتري، وعليهما قبوله أو رفضه. يضع أحد الصيادين صندوقًا من سمك البلطي متوسط الحجم، يعطي المصري رقمًا بدأ بـ150 جنيهًا، لم يجد استجابة، فيعلو بالسعر حتى 199 جنيهًا وينتهي الأمر، لكن الصياد يقاطعه قائلاً "كنت عامل حسابي على 200"، يبتسم الجمع، يخبرونه أن الفارق جنيهًا، قبل أن يتم البيع.
السعر الذي يضعه القائم على المزاد ليس مقدسًا "أحيانًا الصياد ميعجبوش الرقم اللي اتقال وقِبل بيه التاجر فمن حقه يرفض ونعمل المزاد من تاني أو ياخد السمك ويروح حلقة تانية" بحسب المصري، فما يطرحه صاحب الحلقة يخضع لمجريات السوق "في أيام البوكس يتباع بـ130 جنيه وأيام يعمل 20 جنيه".
قبل أكثر من عشرين عامًا لم يكن هناك وجود لمزاد في بحيرة البرلس "الناس كانت بتتعامل بطريقة الميزان لغاية آخر سنة 1996"، كان الصياد يزن ما لديه ويبيعه للتاجر، ويستغرق ذلك وقتًا أطول حسب المصري، لذلك تدخل الوسيط، الذي تكون له نسبة من عملية البيع، فضلاً عن لجوء التاجر إليه لأخد حصة السمك بالآجل لحين البيع ثم تسديد الثمن.
يقول المصري أن حلقتهم الأولى، أقامها شقيقه أسامة المصري، فيما صار اليوم أكثر من 20 حلقة حسب قول صاحب الحلقة، التي لا تخلو من الصغار المصاحبين لوالديهم، يلتقطون السمك الصغير المنفلت من الصناديق، يلعبون به بين أيديهم مثل عبد الرحمن، صبي في الثالثة عشر ربيعًا "بحب أجي عشان أشوف البحر" يشير الصغير إلى مياه البحيرة المجاورة.
كذلك يلازم وجود الأسماك مخرطة الثلج، فما إن تتم عملية البيع وتأتي مرحلة النقل، حتى يبدأ دور العاملين بوضع الثلج على الصناديق قبل تحميلها، ومثل بقية آل المزاد لا راحة لهم إلا بعد التاسعة، حيث انقضاء فترة العمل الأولى، إذ تعمل بعض الحلقات فترتين مثل عمل الصيادين، وأخرى تكتفي بالفترات المسائية بدءً من عصر اليوم حتى المساء.
تكاد فترةالعمل الأولى أنتنقضي، الساعة توشك على التاسعة صباحًا، فيما تنزوى أم وليد بعيدًا، تجلس السيدة حزينة، لم تحصل على شيء حتى الآن، تخبر المصري أنها سترحل، فيدعوها الرجل لتتمهل، مع اقتراب إحدى المراكب؛ ينزل الصيادون حمولتهم، تأمل السيدة أن يكون لها نصيب، يبدأ المزاد، وتحصل أم وليد أخيرًا على بضاعتها وتذهب، لتبدأ رحلتها مع بيع السمك في السوق.
فيديو قد يعجبك: