إعلان

في مواقف الميكروباص.. زيادة الأسعار تُشعل نار الاستغلال

01:20 م الأحد 22 يوليه 2018


كتب- محمد زكريا:
تصوير- نادر نبيل:

في أحد مواقف الميكروباص، بمدخل القاهرة الشمالي الشرقي، كان معاذ مجدي، ينتظر وسيلة تقله إلى منزله، بحي الحلمية، لكن تأخرت المواصلة لحوالي الساعة، ازداد فيها الزحام من حوله، قبل أن ينجح الرجل في استقلال عربة أخيرًا، فيما اضطر إلى دفع ضعف التعريفة التي أُقرت في أعقاب الزيادة الأخيرة بأسعار البنزين.

في يونيو الماضي، أقرت السلطة التنفيذية، زيادة جديدة في أسعار الوقود، ضمن خطة تستهدف رفع الدعم نهائيًا عن المحروقات بحلول العام 2019.

رفع هذا التعريفة المُقررة لوسائل المواصلات، لكنه زاد من حالات استغلال بعض السائقين للركاب، يقوم السائق باختيار المحطة التي يُنهي عندها مواصلته، بغض النظر عن تلك التي حُددت سلفًا من قبل مسؤولي الموقف، ورغم أن الظاهرة ليست جديدة، إلا أن وتيرتها ارتفعت في الأسابيع الأخيرة.

صباح الخميس الماضي، أنهى محمد محسن عمله، الذي استمر طوال الليل. كان الشاب مُرهقًا. في طريقه إلى منزله، بحي المطرية، كان عليه استقلال ميكروباص، ينطلق من حي حدائق القبة ويتوقف عند منطقة المسلة شمالي القاهرة، هذا خط سير مُستقر منذ سنوات.

في حدائق القبة، لا وجود لزحام، العربات تتراص واحدة تلو الأخرى، لكن الشاب لم يركب أي منها بسبب قرار السائقين بتقليل المسافة التي يقطعوها، فبدلًا من الوصول إلى المسلة، اختاروا أن ينهوا سيرهم عند حي الأميرية، اختصروا حوالي كيلو متر مربع، نفس الأجرة يتحصلون عليها، بينما يستهلكون لترات أقل من البنزين، والأهم أن تزيد رحلاتهم على مدار اليوم.

يقبع حي الأميرية في مسافة بعيدة عن منزل محسن، ما أغضب الشاب، لكنه وبعد انتظار اضطر إلى ركوب إحدى العربات، فيما دار بينه والسائق حوارًا، قال له محسن: "غليتوا ياسطى الأجرة من 2 جنيه لـ2 ونص، والناس مفتحتش بقها، ليه أركب تاني وأبقى دفعتلي 4 جنيه ونص عشان أروح؟"، جاءه رد السائق واثقًا: "وهو نص جنيه يعمل أيه في الغلا ده.. لو عوضت الزيادة في تفويلة البنزين، منين هعوض الزيادة في سعر الأكل والكهربا والغاز.."، صمت الشاب برهة، قبل أن ينطق في غضب: "والركاب ذنبها أيه.. ما الزيادة عليا وعليك"، فأجابه السائق ساخرًا: "الله ينور عليك.. روح أشتكي بقى للمسؤول عن الزيادة".

في موقف للسيارات بميدان رمسيس في القاهرة، كان محمد العربي واقفًا أمام ميكروباص يعمل عليه باليومية، يُنادي على وجهته، في انتظار أن تمتلئ العربة بالكامل، يحكي صاحب الـ45 عامًا عن المشادات التي يخوضها يوميًا مع الزبائن، لا يُبرر العربي استغلال بعض السائقين لحالة الغلاء وحاجة الناس "دي حاجة حرام"، لكن في الوقت نفسه يتمنى أن يَنظر له ركابه بعين الرحمة، طال الغلاء كل شيء في الحياة، وهو لديه أولاد يُريد أن يُزوجهم.

عقب الزيادة الأخيرة في أسعار البنزين، أعلن المسؤولون عن خطة لمراقبة تطبيق التسعيرة الجديدة ومواجهة أي محاولة لزيادة تعريفة الركوب بمعدلات مبالغ فيها.

وكان من ضمن الإجراءات التي أُعلن عنها في وقتها، هي إجبار السائقين على تعليق التعريفة الجديدة على واجهة المواصلة، وتكثيف الرقابة الإدارية وقوات الشرطة لحملاتها على المواقف للتأكد من ضبط التعريفة.

في ميدان العباسية، بالقاهرة، وقف العشرات في غضب، وأمامهم 4 عربات ميكروباص غير ممتلئين تمامًا، لكن يختار كل سائق زبائنه، بهدف اقتصار المسافة التي سيقطعها كلًا منهم، هنا حضر رجل شرطة، سحب رخص السائقين، وطلب من الناس اكمال العربات على آخرها، فيما أجبر كل سائق على السير حتى نهاية الطريق، المُحدد له سلفًا من قبل مسؤولي الموقف.

لكن سلمى إبراهيم لم تلحظ ذلك على أرض الشارع، إذ نجح بعض السائقين في التحايل على تلك الإجراءات. تستقل هي الميكروباص من حي المهندسين، مقر عملها، وتدفع التعريفة التي زادت بواقع نصف جنيه في الرحلة الواحدة، وصلت الأجرة أربعة جنيهات بعد الزيادة الأخيرة، لكن لا تصل الفتاة إلى وجهتها كما كان في الماضي، تنتهي الرحلة عند منطقة المريوطية بحي الهرم في الجيزة، ويكون أمامها طريقين، إما أن تستقل سيارة أخرى تنقلها إلى منطقة مشعل مقابل جنيه آخر، أو أن تستكمل السير حتى المنزل لحوالي 10 دقائق، والأخير تفضله إبراهيم.

لكن السير مستحيل في طريق معاذ مجدي إلى المنزل، المسافة تُعد بالكيلو مترات، لذلك يضطر إلى الركوب، رغم ما يتعرض له من ابتزاز، يزداد وهو عائد من عمله في ساعة الذروة.

قبل أن ينطلق السائق من موقف العاشر، أعاد على الركاب القول بإن مواصلته ستنتهي عند محطة اسمها أول جمال، وهي المحطة التالية لمحطة انطلاقه، رغم أن خط سيره يبدأ من موقف العاشر وينتهي عند حي المطرية، التي يفصلهما حوالي 8 محطات، والحلمية هي السابعة تقريبًا ووجهة مجدي، لكن هذا ما ارتضاه صاحب الـ45 عامًا منذ البداية، يقول إنه لم يكن لديه بديل آخر.

بمجرد أن وصل الميكروباص المحطة المُتفق عليها، كان على الرجل استقلال آخر لاستكمال طريقه، لكنه تفاجأ بالسائق يُنادي على المحطة التي تليها، لحظتها فطن صاحب الـ45 عامًا للأمر، يُقسم السائقون رحلتهم على محطات، بدلًا من الحصول على أربعة جنيهات مرة واحدة من موقف العاشر إلى المطرية، يحصلون في كل محطة أو اثنتين معًا على أجرة جديدة، تتراوح بين جنيهين أو أكثر، فيكون على مجدي دفع أضعاف الأجرة التي ارتضى دفعها بعد الزيادة الأخيرة، والتي تؤرق جيبه أساسًا.

يتقاضى مجدي راتب لا يزيد عن ثلاث آلاف جنيه شهريًا. قبل 4 سنوات، كان راتب الرجل يكفيه بالكاد، لكن طبقت السلطة برنامج الإصلاح الاقتصادي في العام 2016، ومعه انخفضت قيمة الجنيه مقابل الدولار الأمريكي إلى حوالي النصف، وقل ما تتحصل عليه أموال الرجل من سلع وخدمات للنسبة نفسها.

مجدي لديه أربعة أولاد، لذلك يصف قرارات الغلاء بالمتوحشة، التي تنهش لحمه وأولاده، بحسب تعبيره، لكنه لا يجد أي حل، يأس الرجل منذ شهور طويلة.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان