صُنع بفخر في الدويقة.. حين أصبح لأهالي "العشوائيات" جنّة (صور)
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
كتابة وتصوير- شروق غنيم:
في الدويقة وسط رُكام منازل مُهدمة في منطقة توصف بـ"العشوائيات"، ثمة مكان منح الأهالي الأمل في حياة أفضل. وجدت سيدات فرصة لتحسين دخل أسرتها، صارت الأعياد تحمل معناها "قدرنا نجيب لولادنا لِبس العيد"، فيما يحمي المكان الأطفال من العِمالة، يعطيهم دروسًا تعليمية وسلوكية، كذلك الأمهات صار لهن فصول محو أمية، فأصبح المكان جنّة أهل الدويقة.
قبل 16 عامًا، فتحت جمعية جنات الخلود أبوابها، عبر 3 مباني منفصلة توزعت أنشطتها؛ حضانة تضم قرابة 280 طفلًا، مشغل للسجاد والملابس والمفروشات، ومبنى أخير للحرف اليدوية حيث تغزل أيادي سيدات الدويقة الكروشيه ومشتقاته، فيبيعنه في معارض متخصصة.
خطّت أقدام دكتور زينب علوب، صاحبة الجمعية، الدويقة لأول مرة عام 1998، السبب خدمة لصديق سافر إلى كندا وطلب منها وزوجها الاعتناء بصيدلية يمتلكها داخل المنطقة "قبلها مكنتش أعرف حاجة اسمها الدويقة". لعدة أعوام تطوّع الزوجان لإدارة الصيدلية، غير أن زينب لم تُبدِ اهتمامًا وقتها بالمكان، لكن ذات مرة صار لزامًا عليها التعامل مع أهل المنطقة "وقفت أبيع وبدأت أحتك بيهم أكتر".
لمست زينب طيبة أهل الدويقة وفي الوقت نفسه تدهور أحوال معيشتهم، خطر على بالها في البداية الحل المُعتاد، تبرعات مالية تُعينهم على الحياة، ظلت على هذا المنوال منذ عام 2003 وحتى 2005 "كانت الجمعية في عربيتي"، تأتي كزائر للمكان، توزع على الأهالي ما في جعبتها من خير، بينما تُنصِت لهمومهم ومشاكلهم، وكان ذلك بداية تغيير تفكيرها للنهوض بالمنطقة.
أرادت زينب ألا تصبح ضيفًا على أهل المكان وحسب يأتيهم بين فترة وأخرى، ففكرت في إنشاء صِرح يساعدهم. بحثت في البداية عمن هم أولى بالتغيير "فكان أول حاجة الأطفال لإني شايفة الحياة الكريمة هتيجي من التعليم والتمكين"، لذا بدأت جمعية جنات الخلود على هذا الأساس. عام 2005 اشترت مبنى صغير من طابق واحد "كان لسة على الطوب الأحمر وخيوط العنكبوت ملياه"، بمساعدة أصدقاؤها بدّلت حال المكان "دهناه ووصلناله كهربا"، فيما دّبت فيه الروح حين امتلأ بأطفال الدويقة "وعملت حضانة ليهم".
لم يكن لزينب غير التجربة؛ تخطئ فتعلمها أو تحلم فيتحقق، حبست في عقلها أمنيات لأهالي المنطقة "لكن المكان صغير ميشيلش كل اللي بتمناه" لكن أحد المهندسين قرر التبرع ومساعدتها، من مبنى بطابق واحد إلى أربعة طوابق، اتسع مقر المكان ومعه النشاط، وعام 2006 أشهرت جمعية جنات الخلود لتغمر أبناء المكان بالتغيير.
كانت تعلم زينب التحديات المنتظرة، في منطقة تعتمد فيها الأسرة على أبنائها كأيادي عاملة، لكنها مهدت الطريق لأسرهم "إن الطفل هياخد امتيازات زي وجبات في اليوم، لبس العيد، ومع ده هيتعلم كمان وأخلاقه هتتحسن"، كان ذلك كافيًا ليتسابق الأهالي في إلحاق أبنائهم بالجمعية "قالولي إنهم عاوزين ولادهم يطلعوا أحسن منهم".
لم تكن الحضانة مكانًا تقليديًا، وكأنه "بيت تاني" للأطفال، حتى أنهم ينادون صاحبة الجمعية بـ"ماما زينب". جدران ملونة وأشكال كرتونية في كل مكان. لكل فصل مُسمى، فهذا "الصدق" وآخر "التواضع" كمحاولة لتعليم كل صّف هذه الصفة، حتى العقاب في هذا المكان مختلفًا. على حائط كل فصل تثبت ورقة عليها صورة لكل طفل، وفي آخر اليوم تُقيم المعلمة سلوك التلاميذ في اليوم، فإما أن تضع وجه ضاحك أمام صورة طفل، أو غاضب أمام أخرى.
بين الفصول التعليمية يتلقى الأطفال وجبة غذائية رفقة معلميهم، وحين ينتهون يهّم كل طفل بإحضار فرشاة أسنانه والمعجون، في سلوك اكتسبوه جديدًا بسبب الحضانة "كنت حريصة إن يحصل تغيير في سلوكهم كمان مش بس التعليم" تقول إيمان القِلش، مدير عام الحضانة، فيما بات هناك اهتمامًا بالرياضة وأهميتها لصحتهم.
تمتلك الحضانة 10 فصولًا، يأتيها الأطفال من عمر الثالثة حتى الخامسة، فيما تضم فصولًا أخرى تسمى بالضيافة "بيجي يقعد فيها ولاد المدرسات لحد ما تخلص شغلها". في الحضانة كل العاملات والمدرسات من ابناء الدويقة "عاوزة المكان يبقى أسرة بالنسبة لهم، مش مجرد شغل أو مودية ابنها حضانة والسلام".
في الثالثة عصرًا تتنهي حصص الأطفال، فتبدأ فصول محو الأمية لنساء المنطقة، ليس هذا وحسب كما تقول القِلش "في كمان ندوات عشان تعرّف الأهالي إزاي يتعاملو مع ولادهم"، يلمس أصحاب الجمعية التغيير في تلك النقاشات "مرة واحدة قالت لنا إنها بطلت تضرب بنتها، وبدأوا يقربوا أكتر من بعض وبقوا أصحاب".
كما تتذكر سهير السيد، المدير الإداري للحضانة، المكان في بدايته حين كانت بثلاثة فصول فقط في مبنى أصغر. وقع التغيير كان كافيًا بالنسبة لها لتكمل المشوار مع الجمعية منذ بدأت عام 2006 "فاكرة لما كان ييجي لي أطفال بيشتغلوا وحد أتحرش بيهم، أو الأسطى ضربهم بألة حادة"، كانت تضمهم إلى الحضانة فيحظى الأطفال بفرصة للتعلم في بيئة صحية وآمنة أكثر.
في مبنى الحرف اليدوية تنكفئ السيدات على صناعة مفارش ومستلزمات أخرى. تنبهر العين بألوان الخيوط المتناثرة على الطاولة، أو غرفتين يحملان منتجات شتّى صنعتها أيادي نساء الدويقة، من بينهن ياسمين عبدالعال.
كانت على دراية بسيطة بأعمال الكروشيه "أخري أعمل كوفية لنفسي مثلًا"، لكن صاحبة الـ34 عامًا لم تخض تجربة العمل من قبل، لذا كان الأمر صعبًا في البدء لإقناع زوجها "لإنه شايف إن الأولوية للبيت، بس أناحسيت إني عاوزة أنتج، إن دوري في الحياة مش إني باكل وبشرب وخلاص".
من مبنى الحرف اليدوية إلى المشغل، تزيد المساحة اتساعًا، أربعة طوابق بين المصنوعات الجلدية، والمفارش والسجاد، كخلية نحل تدور عجلة العمل في كل طابق "كل دور وفيه صناعة مختلفة". في الطابق الثالث تستقر نهى –اسم مستعار- وسط آلة الخياطة "ضغوط الحياة اللي جابتني هنا"، لكنها تعتبر الأمر كهدية من القدر. طيلة سنة عملت نهى داخل المشغل، تحيك ملابس ومفروشات لبيعها في المعارض المختلفة، لكنها تسعد أكثر حين تجد ابنة صديقتها ترتدي من صنعها "وببقى فرحانة أكتر لما عيالي يبقوا لابسين حاجة عاملاها بإيدي".
من مبنى صغير إلى 3 مباني، ومن 60 طفلًا في الحضانة إلى 280 طفل حاليًا. 16 عامًا غيروا من معالم "جنات الخلود"، ضّمت بداخلها 208 موظفًا من أهالي الدويقة و300 سيدة في الحرف اليدوية. تُبصر ما جّد في حياة من حولها فتتهلل أساريرها، تتذكر حين جاءها شاب يحكي لها "أنا كنت عندك في الحضانة يا ماما زينب، وعاوز أجي اشتغل متطوع معاكي"، أو السيدة التي حصلت على فصول محو الأمية ثم صارت تعمل داخل الجمعية وأبناؤها في الحضانة.
لكن كأي مشروع لم تسلم زينب من تحديات؛ أولها الناحية المادية "بس بنحاول إننا نبيع منتجاتنا باشتراكنا في معارض مختلفة عشان مبنقاش بنعتمد على التبرعات بس"، فيما أصعب تحدي يواجهها حاليًا وقوع مبنى الحضانة ضمن خطة تطوير العشوائيات التي تعمل الحكومة عليها داخل الدويقة حاليًا "وبتواصل مع المحافظة عشان يدوني بس مكان بديل، مش عاوزة الناس هنا ترجع للضلمة تاني".
تتخفف زينب من الصعوبات وتفكر أنها أدّت مهمتها كما أحبت داخل المكان، أصبحت "جنات الخلود" عائلة كبيرة تضم مئات الأطفال والسيدات، 16 عامًا مرّت ويكبر مباني المكان وناسه، تزداد منتجاته "بقيت بقول على أي منتج ده صنع بفخر في الدويقة"، فيما تفكر أن أهالي الدويقة هم من أعطوا لها السعادة "لما بتدي حد بتبسط نفسك قبل ما تبسط حد تاني".
فيديو قد يعجبك: