في القدس.. إحياء الانتماء إلى المسجد الأقصى بـ"لعبة"
كتبت- إشراق أحمد:
لا يستغرق الزائر وقتًا طويلاً حتى يحصل على عدة معلومات تاريخية عن المسجد الأقصى، فيما يُترك الزمن أمامه مفتوحًا للتجول داخل أرجاء أولى القبلتين. يرى كافة التفاصيل، ويَدخل كل الأماكن دون حاجز يضعه الاحتلال أو تذكرة طيران ربما يصعب أو يُمنع الحصول عليها. عبر شاشة الهاتف، في لعبة افتراضية، تُصبح الحرية مطلقة في ساحة "الأقصى"، فما على الزائر سوى الحصول على "أَهِلة" الطاقة لاستكمال المسيرة في 144 ألف مترًا مربعًا.
"حارس المسجد الأقصى" اسم اللعبة التي نفذها فريق عمل جمعية برج اللقلق الفلسطينية، وأُطلقت مطلع الشهر الجاري، لتُصبح متاحة على الهواتف وأجهزة الكمبيوتر.
منذ احتلال القدس عام 1967، ولا تتوقف الانتهاكات بحق المدينة العتيقة، ولا المسجد الأقصى، حتى أن نحو 29 ألف متطرفًا إسرائيلياً اقتحموا باحات الأقصى خلال عام 2018 كما أعلنت إدارة القدس ديسمبر الماضي.
في المقابل يواصل المقدسيون خلق سبل جديدة للمقاومة، والوقوف ضد الاستيطان، وهو ما تحاول جمعية برج اللقلق فعله منذ تأسيسها عام 1991 بتلبية احتياجات البلدة القديمة وسط تضييق الاحتلال، كما يقول محمد صلاح المشرف الميداني بالجمعية، ولهذا جاءت بـ"حارس الأقصى"، كوسيلة لتسخير التكنولوجيا في خدمة الوطن، وربط النشء الفلسطيني والأجيال العربية بالقضية الأم.
قبل أربعة أشهر التقى مصمم الألعاب التعليمية محمد عبد الحق بصلاح، المشرف الميداني في جمعية برج اللقلق، عَرض الأخير عليه الرغبة في تصميم لعبة تعليمية "كانت بشكل بسيط سؤال وجواب على بعض الصور" يقول عبد الحق لمصراوي عن بداية الفكرة، قبل أن تتطور إلى تنفيذها بشكل ثلاثي الأبعاد يسمح للاعب بالتجول في المسجد الأقصى، والاستزادة المعرفية من خلال الجواب على أسئلة يبحث عنها بشكل تفاعلي ومسلي ينتقل به من مستوى إلى آخر كما يوضح عبد الحق.
مع كل مرحلة متقدمة في اللعبة يحمل اللاعب اسماً مختلفًا، فيكون في البداية "زائر"، ومع إتمام الإجابة على أسئلة كل مستوى والبحث عن الكنز المفقود الممثل في أربعة صناديق تشكل حروف كلمة "مسجد"، يرتقي اللاعب ليصبح "حارس"، ثم "سادن" وأخيراً "مرشد"، وكلها ألقاب معروفة في "الأقصى".
أربعة شهور استغرقها عبد الحق لإخراج "حارس الأقصى"، وكان ذلك أكبر تحدي بالنسبة له، يقول مصمم اللعبة إنه كانت هناك مسؤولية ملقاة على عاتقه لإبراز قدسية وجمال المكان في ذلك الوقت، ومراعاة الدقة والتفاصيل لتظهر بجودة عالية على أجهزة المحمول، التي يعتبرها محدودة الموارد بالمقارنة مع أجهزة الألعاب و"Xbox"، مما تطلب منه بذل جهدًا مضاعفًا لتصميم المعالم المحيطة بالمسجد من الداخل والخارج والأخرى المتواجدة تحت الأرض.
تهدف اللعبة إلى تنمية روابط الانتماء للمسجد الأقصى، في وقت تتطور فيها الألعاب بشكل سريع ويأخذ عقل الأطفال، حسب قول صلاح، لهذا تتضمن لعبة "برج اللقلق" على رسائل تعليمية وتربوية عدة، تشارك فريق العمل على إتمامها، فمن مدير الجمعية منتصر إدكيدك نبعت الفكرة بشكلها الأولي، ليعمل إيهاب الجلاد على إعداد المادة التاريخية، ثم تطوير صلاح لها وتصميم عبد الحق لها.
يَذكر عبد الحق، أنه لم يحرص فقط على إظهار معالم "الأقصى" وما يحتويه، بل عمل أيضًا أن يكون زِي اللاعب وملامحه الأقرب إلى العربية أو الشرق الأوسطية، وفي حركاته داخل المكان، فما إن يدخل إلى مكان الصلاة، حتى يخلع حذاءه، تلك "التفصيلة" التي لفتت انتباه الكثير كما يقول عبد الحق، وهي ما يعتبرها من مبادئ تصميم اللعبة "توصيل رسالة إسلامية تربوية باحترام بيوت الله".
ليس الأطفال وحدهم الجمهور المستهدف من اللعبة، إنما هي وسيلة لغير القادرين على زيارة الأقصى أن يتجولون في باحاته، ويعززون أملهم في شد الرحال إليه في الواقع، وقد لمس عبد الحق من التعليقات أنهم أصابوا الهدف، يقول إن "عدد من المستخدمين لم يزر المسجد الأقصى المبارك فعليا وكانت اللعبة فرصة للتعرف على جمالية المكان بشكل افتراضي خاصة المسجد من الداخل"، وهو ما يعتبره مصمم اللعبة أسمى الرسائل التي من الممكن إيصالها عبر تطبيق على الهاتف.
سبق لعبد الحق أن صمم العديد من الألعاب التعليمية، لكن "حارس الأقصى" مختلفة. " التفاصيل هي الفارق بين أي عمل وآخر" كما يقول، لهذا تم الاستعانة بقرابة مائة طفل وشاب لتجريب اللعبة قبل إطلاقها، وتم دراسة ردود الفعل وأجريت بعض التعديلات بحسب ما كان متاح من الوقت أمام المصمم، فيما لم يغفل الاستماع إلى التعليقات حتى بعد مرور قرابة ثلاثة أسابيع من وجود اللعبة على المتجر الإلكتروني.
يقول مصمم "حارس الأقصى" إن أبرز المقترحات كانت حول طرح اللعبة "أون لاين" لتصبح تفاعلية يشارك فيها أكثر من لاعب، وأن تكون هناك فتاة في صفة لاعب، وكذلك إظهار الحياة داخل المسجد بوجود أناس يصلون ويقرأون القرآن، وهو ما يجرى العمل عليه في إصدارات أخرى للعبة، حسب قول عبد الحق.
يراهن أصحاب "حارس الأقصى" على الدور البارز للتكنولوجيا في إمكانية تشكيل الرأي العام، يطمح صلاح في مد اللعبة لتشمل مدينة القدس بأكملها، فيما يعتبر مصمم اللعبة، أن النجاح في إحياء شعور الانتماء والارتباط بأولى القبلتين بمثابة نموذج له ولغيره لبذل المزيد من العمل لإنتاج أعمال هادفة تكون في بساطتها خير من عمل تقني ضخم لا يسهم إلا في زيادة العنف وتضييع الوقت لدى الجيل الناشئ.
فيديو قد يعجبك: