بيت البهجة.. حكاية أول مكتبة أطفال بجزيرة هيسا النوبية
كتب- محمد مهدي:
تصوير: جلال المسري
أشياء تبدو بسيطة لكنها تمنح البعض بهجة لا مثيل لها. في جزيرة هيسا النوبية بمحافظة أسوان كان الشاب "أنوري صبري" يستيقظ في كُل صباح لنحو أسبوعين، ينهمك في تنظيف وترتيب مخزن صغير بجانب بيته، دون أن يفهم الكثير ممن حوله سر ما يفعل، حتى اكتشفوا في نهاية الأمر أنه يُشيد أول مكتبة للأطفال في الجزيرة، أنجزها بمساعدة أصدقائه وبالجهود الذاتية لتتحول إلى مكمن البهجة للصغار والكبار بجزيرة هيسا.
كان "أنوري" يعاني في طفولته من عدم وجود مكتبة بالجزيرة التي ينتمي إليها "كنت بستغل أي وقت عشان Hقعد في مكتبة المدرسة" لكن في فترات الإجازة أو بعد اليوم الدراسي لا مساحة للقراءة لعدم وجود كتب في أي مكان على أرض الجزيرة "الموضوع اختلف بعد دخول الإنترنت، بس كنت بحلم إنه يكون فيه مكتبة لأطفال الجزيرة" ذات يوم في العام الماضي طرأت الفكرة على رأسه "كتبت على فيسبوك إني عايز أعمل مكتبة، لقيت الناس تحمست واقترحت تساعدني".
من كل حدب وصوب تلقى "أنوري" الدعم النفسي والإشادة بفكرته "وناس كتير بعتتلي كُتب من جوه الجزيرة ومن القاهرة والإسكندرية" الأصدقاء القادمون في إجازة يأتوا محملين بالكتب أو يرسلونها مع من يذهب إلى هيسا "حوالي 50 كتاب، روايات وكتب دينية وقصص أطفال كتيرة وكتب تلوين" لم يتبقَ سوى أن يبدأ الشاب الثلاثيني في تنفيذ المكتبة "اخترت مخزن كان والدي بيزرع فيه زمان ومع الوقت بقينا نشيل فيه الكراكيب والحاجات القديمة".
وحيدًا انهمك "أنوري" لأيام في "توضيب" المخزن المكشوف على السماء، واختار أن يستخدم كافة عناصر المخزن في تنفيذ المكتبة "قولت الحاجات دي بدل ما أرميها استعملها" صارت الأقفاص هي أرفف المكتبة "والدكك والكراسي القديمة بقت القعدة، حتى جريد النخيل كنت بعمل بيه ضُليلة عشان الشمس" من يسمع عن الفكرة يساعده على الفور، بدا واضحًا أن شباب الجزيرة كان لديهم الحلم نفسه من زمن طويل "جالي صحابي ووقفوا معايا وساعدوني".
بعد إتمام المكتبة، باتت موطن السعادة لأطفال القرية "كنت كل بشوفهم أقولهم على المكتبة وأخليهم يقرأوا ويلونوا" بعد انتهاء اليوم الدراسي والمذاكرة يهرولون ناحيتها "ساعة العصرية أكتر وقت يجوا ويقعدوا فيه جوه المكتبة" تلمع عيونهم حينما يصلون إلى بوابتها الصغيرة، يساعدهم "أنوري" كثيرًا باختيار القصص المميزة لهم "وبقيت بقعد أحكيلهم القصص، زي ميكي وغيرها" تعلو الابتسامة وجوه الصغار كلما انصتوا لمغامرة جديدة أو تعرفوا على عوالم لم تكن متاحة لهم من قَبل.
ذاع صيت المكتبة الصغيرة البسيطة، كلما جاء أحد ضيوف الجزيرة "بيحسوا بإعجاب ناحيتها وأول ما يسافروا يبعتوا كتب عشان الأطفال" كما يتحمس البعض مثل صديقته "هنا" الفنانة التشكيلية التي ساهمت بعدد من الكُتب "وعملت ورش حكي للأطفال وكانوا مبسوطين بيها أوي" يعتقد الشاب النوبي أن المكتبة هي بداية لتعلم الصغار وإثراء روح الخيال داخلهم "خاصة إنهما أذكيا جدًا بحكم حياتهم وسط الطبيعة".
لا ينوي "أنوري" التوقف عند تلك الخطوة "عندي طموح كبير إن المكتبة تبقى جزء من مشروع تعليمي وثقافي كبير" يرغب في تعليم أبناء الجزيرة وأطفالها الفنون المختلفة "تمثيل وموسيقى ومسرح، مش بس كتب وقراية" ينشر أحلامه لمن حوله، يتلقى الكثير من الاهتمام والدعم، يؤمن بأن ذلك سيتحقق في القريب "وأكتر حاجة ناوي أوفرها الفترة الجاية هي كتب التاريخ النوبي، عشان الأطفال يعرفوا ماضيهم كويس".
فيديو قد يعجبك: