ما بين معبر ومستشفى.. مصريون على حافة "ثورة السودان"
كتبت - إشراق أحمد:
داخل سيارته النقل؛ يقضي فتحي أبو الخير ليلة أخرى في معبر "أرقين" السوداني بعدما أغلقت جميع المنافذ صباح اليوم، فيما يواصل المهندس أحمد خميس عمله في مستشفى الزيتونة التي تبعد نحو 200 مترًا عن مكان اعتصام المتظاهرين أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم. أعاد أسرته إلى مصر قبل أيام وفضل أن يتواجد وحده.
ورغم أن فتحي، سائق النقل الثقيل يتواجد على بعد قراية 900 كيلو مترًا من الخرطوم، على العكس من خميس المتواجد في قلب الأحداث، لكن المصريين المتواجدين في السودان أصبحا منذ الصباح على قائمة انتظار ما تسفر عنه الأوضاع خلال الساعات المقبلة.
كان وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف، أعلن في بيان، ظهر اليوم، الإطاحة برئيس الجمهورية عمر البشير، ووضعه تحت الإقامة الجبرية، على أن تتولى القوات المسلحة إدارة شؤون البلاد لمدة عامين، مع فرض حالة الطوارئ ثلاثة أشهر، وذلك في خطوة تبعت الاحتجاجات التي يشهدها السودان منذ ديسمبر الماضي، وتبعها سقوط ضحايا بلغوا 46 شخصًا، والتصعيد بالاعتصام أمام مقر القوات المسلحة للمطالبة برحيل البشير.
مساء أمس، نما لسمع فتحي أنباء عن تنحي البشير من أحاديث السمر مع السودانيين، وفي الظهيرة رأي مشاهد احتفال البعض "عربيات قعدت تلف كده شوية بس مكنتش سمعت حاجة أكيدة".
كان السائق الأربعيني في انتظار السماح له بمواصلة الطريق إلى الخرطوم بعد انتهاء الأوراق المطلوبة في الجمارك، لكن ذلك لم يحدث؛ شاهد السائق أمن المنفذ يعيد نحو 9حافلات بها سودانيين في طريقهم إلى مصر "ده موسم قبل رمضان والعيد بينزلوا يجيبوا حاجاتهم". لمس فتحي أن شيئًا يحدث "قالوا لنا المعبر اتقفل لمدة 24 ساعة والأختام اتسحبت من الجمارك" يحكي فتحي لمصراوي، عن تواجد قرابة 20 سيارة نقل ثقيل محملة بالبضائع إلى السودان، تنتظر في منفذ "أرقين".
ومع السادسة صباح اليوم، استيقظ خميس على خبر إعلان القوات المسلحة بيانا بتوليهم زمام الأمور، ذهب صاحب السادسة والثلاثين ربيعًا إلى عمله، أبصر تزايد أعداد المتظاهرين، إغلاق أغلب المحال أبوابها، حتى المستشفى الذي يعمل به، يفتح فقط أبواب الطوارئ، لكن حتى خروج وزير الدفاع أمام الشاشات لم يصدق خميس ما يقال، وتأكد مع خبر إيقاف وزير الصحة –ولاية الخرطوم- مالك مستشفى الزيتونة الذي يعمل به مهندس الصيانة المصري.
كل من فتحي وخميس لمس أسباب احتجاج السودانيين على الأوضاع وتصاعدها من مكانه. يذكر سائق النقل الثقيل الطوابير أمام محطات الوقود "كان ممكن يقعدوا أسبوع عشان يملوا وعندهم أزمة في رغيف العيش"، فيما رأى خميس بعينيه الضحايا من المتظاهرين، يقول إنه منذ بدء الاعتصام في 6 إبريل الجاري استقبلت مستشفى الزيتونة نحو 30 حالة ما بين الاختناق والكسور، بالإضافة إلى 7 متوفين جراء طلقات مباشرة حسب قوله.
كذلك استقرار خميس في الخرطوم منذ عام 2007، جعله مطلع على تفاصيل الحياة، لمس انهيار الاقتصاد خاصة بعد انفصال جنوب السودان عام 2011 "البلد بقاله فترة مفيش سيوله لو روحت البنك وطلبت جنيه مش هيديك. وممكن الناس تبات يوم كامل عشان تصرف ألفين جنيه".
عايش خميس ارتفاع الأسعار داخل مكان عمله، إذ يبلغ سعر الكشف 500 جنيهًا سودانيًا، وأيضًا خارجه "رغيف العيش النهاردة بجنيه والكهرباء زادت ولو قلنا حد يفطر بساندوتش فول وإزازة حاجة ساقعة هيدفع 25 جنيه سوداني مثلا"، فضلا عن تراجع سعر الصرف "الـ100 دولار كانت بـ320 جنيه سوداني النهاردة بـ7 آلاف جنيه".
ورغم تدهور الأوضاع، لكن لم يكن لدى فتحي وخميس مشكلة مع السفر أو الإقامة؛ ينقل سائق النقل الثقيل البضائع إلى السودان منذ ثلاثة أعوام ونصف، حول وجهته عن ليبيا بعدما ساءت الأحوال فيها بسبب الاقتتال، ومع خروج التظاهرات منذ 19 ديسمبر لم يتوقف فتحي عن النقل، حتى أن آخر رحلة له سبقت الحالية بخمسة أيام "مكنش في حاجة. المتظاهرين كانوا بعيد وأغلب شغلنا كان لأم درمان"، أما خميس فوجد حياته في السودان.
حينما سافر مهندس الصيانة إلى السودان كان يحمل دبلوم الصنائع، ذهب للبحث عن فرصة عمل فوجد فرصة استكمال الدراسة الجامعية ودرس الهندسة، فضلا عن ارتياحه للتعامل مع السودانيين واستقرار أحواله المادية كونه أجنبيًا كما يقول.
لم يشهد خميس ثورة يناير 2011 في مصر ولا ما أعقبها من أحداث، لكنه عايشها في السودان مع الاحتجاجات الأخيرة وما سبقها في سبتمبر 2013، للمرة الأولى يرى الدماء جراء التظاهر، يذكر الشاب الذي أبصره قبل أيام وقد اخترقت رصاصة فكه فقطعت لسانه، يتأثر صاحب السادسة والثلاثين ربيعًا "يعني ده كده خلاص مش هيتكلم تاني"، ورغم ذلك لم يفكر في المغادرة، لكن الخوف تملكه على أسرته.
قبل أيام تمكنت زوجة خميس وطفليه الصغار من مغادرة السودان "إحنا عايشين فى مكان التجمعات والتظاهرات وقنابل الغاز ومفيش مفر علشان كده نزلتهم وقولت أنا أكون خفيف"، فيما فضل فتحي ألا يخبر أسرته في المنصورة عما يجري، فقط يواصل الاتصال بهم وطمأنتهم كالمعتاد حين غيابه لأيام طوال.
لا يملك المصريان المتواجدين في السودان إلا الانتظار، يواصل سائق النقل الثقل، صاحب الثمانية والأربعين ربيعًا متابعة الأخبار، والتواصل مع زملائه القادمين، ينصحهم بالتريث حتى وضوح الأمور، بعد انتهاء مهلة الـ24 ساعة، لا يغيب عنه القلق من مصير رزق سائقين النقل الثقيل بعد ما يجري، لاسيما وقد أنذرته رؤية الأوضاع عن قرب من توقع الاحتجاجات "أي شعب يتمس رغيف العيش بتاعه يبقى خلاص"، كذلك يتملك الخوف من خميس، يتساءل "النظام سقط طيب ايه بعد كده؟".
فيديو قد يعجبك: