بين الوحدة والذكريات.. حكايات البعيدين عن "لمة العيلة" على فطار رمضان
كتب- محمد زكريا:
لا يغيب عن ذهن أحمد خلف، تلك الأيام التي خلت داخل "البيت الكبير"، عندما كان يشارك أسرته في المنيا طعاما بعد صيام، تعاوده الذكريات وابتسامة على وجهه، تنطفئ تدريجيا، بمجرد أن يتذكر يومه الرمضاني الأول في الجيزة، ذلك الذي تناول فيه إفطاره وحيدا، بعيدا عن اللذة والدفء.
قبل سنوات، اعتاد خلف أن يقضي أياما بعيدا عن والديه، بحكم دراسته، التي كُتب لها أن تكون في محافظة بني سويف، رغم ذلك حرص دوما على قضاء أيامه الرمضانية وسط أسرته، وحتى تلك التي لم يُسنح له فيها بالعودة إلى المنيا، كان أخيه يشاركه الإفطار في بني سويف، وترسل الأسرة لهم الطعام عبر سيارة خاصة، كانت الوحدة في تلك الأيام أقل وطأة من الآن.
بحكم استقراره في القاهرة، والعيش في شقة بمفرده، يضطر خلف أن يتناول إفطاره وحيدا في تلك الأيام، وكان هذا سببا لأن يفتقد لبهجة يحسها مع شهر الصيام، وأولها تلك التي تترتب على سماعه الابتهالات القرآنية، فلم يعد وقته بسامح ولا باله بمطمئن لعادات يشتهيها منذ بعيد.
في شقته بالجيزة، كان يومه الرمضاني الأول صعبا، انهمك خلف في ترتيب غرف المعيشة، مما أخره عن الموعد الذي رتبه لشراء الطعام، وبالفعل فشل بفعل التأخير والازدحام في الحصول على الوجبة، التي رتب لها واشتهتها نفسه في الصيام، مما اضطره الذهاب إلى أقرب محل يقابل طريقه، اشترى عددا من "السندويتشات"، وعاد إلى المنزل، ليكسر صيامه، ويكمل يوم ثقيل الظل، أتممه بالتخلي عن سحوره، بسبب الكسل والشعور بالوحدة.
إحساس الوحدة، هو ما اعتاد محمود سعد، منذ أن أصبح يعيش بعيدا عن أسرته، حتى إن هذا الشعور لم يعد يؤرقه الآن، لكن يرهقه تلك التفاصيل المادية، التي تصاحب أيام الصيام.
يحيره اختيار طعام الإفطار، ويتعبه توفيره، لكن أكثر ما يفتقده بعيدا عن بيته في محافظة قنا، تلك الحلوى، التي اعتاد تذوقها من صنع إخوته، يهفه الشوق عليها بين حين وآخر، بينما يتمنى لو أنه يعود إلى منزله في الحال، يأكلها، ويقضي ما تبقى من رمضانه.
لا يقضي أحمد ذكي رمضانه وحيدا بالمعنى المباشر، لكن بحكم عمله، يضطر إلى تناول الإفطار بعيدا عن المنزل، وهذا يدخله في حسابات تُرهق ذهنه وجيبه.
يعمل ذكي في وظيفتين، واحدة بالنهار وأخرى بالليل، ولا يسعفه الوقت للعودة إلى المنزل، لذا يضطر إلى تناول إفطاره في الشارع، مما يكلفه ما لا يقل عن 50 جنيها يوميا، ما يُثقل مصروفاته الشهرية، ويقلل من مدخراته، وهو الذي يستعد للزواج.
لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فلم تعد ساعة الإفطار تشبعه ببهجة الماضي، وقت أن كان يلتف وأسرته حول الطعام، كانت الأجواء مرحة، والأكل له مزاقا مميزا، أما الآن لا يبغى من الطعام إلا إشباع جوعه وعطشه، الذي تراكم على مدار ساعات الصيام.
فيديو قد يعجبك: