حنينًا "للمة" والحفاظ على الهُوية.. حسين يسافر سنويا إلى مثلث حلايب
كتبت-إشراق أحمد:
صغيرا لا يتجاوز العشرة أعوام، يصحبه والده في رحلة إلى مدينتهم الأم. نحو 18 ساعة يقطعها حسين مرعي البشاري من أجل حضور زفاف ابن عمه. كان اشتياق الطفل أكبر من عمره لرؤية مثلث حلايب للمرة الأولى، أن يتحدث للعائلة بدلا من السماع عنها، يحاكيهم بلهجة "الروتانا" التي علمه أبيه إياها، لم يكن مجرد واجب أسري، بل درسًا عمليًا للإبقاء على الهوية، حفظه حسين قبل أكثر من 50 عاما، أصبح بالنسبة له مسؤولية، فيما بات الذهاب إلى أبو رماد، أقصى جنوب البحر الأحمر، وجهة سنوية حتى مع بلوغه الستين عامًا.
في أجواء صحراوية تقترب من طبيعة المثلث، وأمام خيمة عُلق عليها "جمعية عائلات البشارية بالقاهرة"، وقف حسين مرتديًا الزي التقليدي لأهالي مثلث حلايب؛ جلباب أبيض وسترة رصاصية اللون. شارك الرجل الستيني في مهرجان الطبيعة والثقافات المحلية الأول، الذي أقامته وزارة البيئة في محمية وادي دجلة بالمعادي، لثلاثة أيام مضت بدأت من الخميس الفائت من أجل التوعية البيئية والتعرف على تراث وعادات سكان المحميات.
يحرص حسين على المشاركة في أي فاعلية تبرز هوية سكان المناطق الحدودية، ولأجل هذا أسس الجمعية الأهلية "عائلات البشارية" عام 2017، والتي تهدف للحفاظ على التراث والربط بين المنتمين لقبيلة البشارية في القاهرة ومثلث حلايب –يضم مدينة حلايب، وشلاتين، وقرية أبو رماد.
ما إن تقترب الأيام من شهر أكتوبر، يلتقط حسين أنفاسه، فذلك الميعاد السنوي للسفر إلى عائلته الكبرى وقضاء ما تيسر من الأيام وأحيانًا الشهور حتى مارس "أنا اتولدت في القاهرة وأخواتي وأولادي هنا لكن روحي هناك في حلايب". ينتظر الرجل بفارغ الصبر لقاء الأحبة واحتضان "اللمة" التي يفتقدها في زحام وجمود العاصمة "ساكن في عين شمس في عمارة.لو مخبطتش على جاري محدش هيسأل".
كما يقتسم حسين أصوله بين قبيلتي البشارية والعبابدة، بانتماء والده إلى الأولى وأمه للثانية، كذلك يتقاسم حياته في القاهرة، يجاري العيش فيها، فيما لا يخلع عنه الزي التقليدي حتى أثناء وقوفه في محل الأدوات الكهربائية خاصته في منطقة عين شمس، يتحدث المصرية في تعاملاته اليومية ولا ينسى وصية أبيه، فعلم أبنائه "الروتانا" وأورثهم العادات والتقاليد "أبويا كان بيوصيني أن ممنوع تتجوز من بره ويوم ما تفكر أحنا منعرفكش، ووصاني بصلة الرحم والأهل"، فلا ينقطع منزله عن استقبال القادمين من المثلث، ومعهم يزداد الشوق حنينًا إلى موطنه.
في أبو رماد لا مكان للوحدة خاصة حال قدوم الغائبين في القاهرة "الناس تصحى الصبح كله يبقى ملموم في بيت واحد. كل واحد جايب الفطار ونعمل الجبنة -قهوة خاصة بأهل المثلث-ونطلع هنا وهناك وسط لمة. متلاقيش نفسك لوحدك غير ساعة النوم". على زاد تلك الحالة يحيا حسين طيلة شهور تواجده في القاهرة وعلى الحديث عنها يسجي وقته حتي يحين موعد اللقاء القادم.
لا يترك حسين فرصة للحديث عن المثلث إلا وينتهزها، يقترب منه بعض الشباب المتواجدون في محمية وادي دجلة، يبادلونه الحديث للتعرف عن سكان المنطقة الحدودية، يخبرهم دون الاكتفاء بعرض المنتجات الخشبية صنع أيدي البشارية.
تغير حال المثلث كما يقول حسين "كانوا معزولين محدش يعرف عنهم حاجة خالص" فيما أصبح هناك زائرون من محبي الترحال على دراية بالمكان وأهله، وإن كان يأمل الرجل الستيني بالمزيد " الأجيال الجديدة مش زي زمان حتة الانتماء والتمسك بالتراث مش قوية"، لهذا يظل يعمل في محيطه وعبر جمعيته على مد حبال الوصال مع عائلته الكبرى في حلايب.
فيديو قد يعجبك: