إعلان

"حق العلاج".. حكايات المحالين للمعاش بـ"صوت القاهرة" بعد إيقاف الرعاية الصحية

12:53 م الإثنين 19 أكتوبر 2020

حكايات المحالين للمعاش بصوت القاهرة

كتب- محمود عبدالرحمن:

منتصف سبتمبر الماضي، حمل "وائل جمال" والده المسن متجهًا إلى قسم الرعاية الطبية بمقر شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات بمنطقة العباسية، التي كان يعمل بها الأب قبل خروجه على المعاش؛ لعرضه على طبيب الشركة، وتحويله إلى أحد المستشفيات الخاصة التي تدخل ضمن مشروع علاج العاملين بالشركة، بعد تعرضه لأزمة صحية، تسببت في فقدانه الوعي بين الحين والآخر؛ ليتفاجأ بإلغاء قسم الرعاية الطبية، وبالتالي عدم إمكانية تحويله إلى أي مستشفى للعلاج على نفقة الشركة، كما كان يحدث في السابق.

ليقرر الابن اصطحابه إلى المستشفى الخاص الذي اعتاد والده العلاج به أثناء عمله بالشركة، وبعد خروجه على المعاش؛ ليخبره موظف الاستقبال بإلغاء الشركة تعاقدها مع المستشفى، وعليه دفع 10 آلاف جنيه مقدمًا في حساب المستشفى، لكي يمكنه حجز والده وعلاجه، يقول وائل: "وقتها مكنش معانا فلوس ومش عارفين نعمل إيه؟"؛ لينصحه أحد العاملين بالذهاب إلى مستشفى التأمين الصحي بمدينة نصر.

الإغلاق المفاجئ -كما يصفه وائل جمال- لقسم الرعاية الطبية بالشركة الحكومية؛ جاء كأحد القرارات التي اتخذتها الإدارة؛ لترشيد النفقات والحد من الخسائر، وترتب عليه تحويل العاملين إلى هيئات طبية أخرى بناء على رغبتهم، التي حصرتها الإدارة في خيارين، وتم تحويل الجزء الأكبر منهم إلى الرعاية الطبية بالهيئة الوطنية للإعلام التي تتبعها الشركة مع دفع اشتراكاتهم، وهو الاختيار الأول، بينما الثاني كان الانضمام إلى هيئة التأمين الصحي، ولجأ إليه ما تبقى من العاملين، وبينما المحالون على المعاش قبل عام 2018 لم يشملهم التحويل، ويقدر عددهم بـ170 عاملاً، يعاني أغلبهم من أمراض مزمنة، لم تلتزم إدارة الشركة بتوفير الرعاية الطبية لهم منذ مارس الماضي.

Untitled-1

"روحنا مستشفى التأمين الصحي بس رفض دخولنا؛ عشان والدي يخضع لرعاية طبية خاصة بالشركة، وليس التأمين"، يقولها وائل جمال صاحب الـ 32 عامًا، الذي خاض رحلة طويلة من أجل العلاج، تنقل فيها بوالده من مستشفى خاص إلى حكومي؛ بسبب سوء الظروف المادية، لكن صحة والده لم تتحسن، وكانت تزداد سوءًا يومًا بعد يومٍ.

مشروع الرعاية الطبية بشركة القاهرة للصوتيات والمرئيات، مرّ بالعديد من الأزمات على مدار السنوات الماضية، بسبب الخسائر المالية التي قدرت بنحو 600 مليون جنيه، بحسب ما جاء في خطاب رئيس مجلس إدارة الشركة الموجهة لوزيرة الصحة، وتعود البداية؛ لتعثر الشركة ماديًا عقب أحداث 25 يناير 2011، ما دفع مجلس الإدارة؛ لعمل دراسة لترشيد الموارد المالية، وكان من ضمن التوصيات التي انتهت إليها ونفذتها الإدارة، أن يتحمل العاملون الذين يخضعون للرعاية الطبية بالشركة نسبة 20% من تكاليف الخدمة العلاجية المقدمة لهم من أدوية وتحاليل واشاعات، ونسبة 10% للعاملين المحالين على المعاش، بعدما كانت الشركة تتحمل كافة التكاليف، باستثناء العمليات الجراحية التي ظلت الشركة تتحملها كاملة، وبعد فترة ارتفعت هذه النسبة إلى 40% أعقبها قرار الإدارة بغلق قسم الرعاية الطبية.

الصورة-الثالثة_1

قبل توقف الرعاية الطبية ببضعة شهور، أخبرت الشركة العاملين بوقف صرف الأدوية داخل الشركة، بسبب إلغاء تعاقدها مع الصيدليات، على أن يشتري العاملون الأدوية على حسابهم الشخصي بفواتير وتسليمها للرعاية الطبية بالشركة، لكي تصرف لهم في وقت لاحق، كما تقول مديحة السيد، الموظفة بالشركة التي خرجت على المعاش: "كان كل 3 شهور يصرفولنا فلوس شهر لحد ما قالوا خلاص مفيش أدوية على حساب الشركة".

"أنا قضيت عمري كله في الشركة وفي الآخر مش عارفة أتعالج"، تقولها مديحة سيد، التي تعاني من العديد من الأمراض المزمنة كالسكر والضغط والقلب، وتتعاطى لها أدوية تكلفها ما يقارب 1500 جنيه شهريًا، على نفقتها الخاصة عكس ما كان يحدث قبل ذلك: "كنت بروح الشركة اصرف العلاج وأروح لكن دلوقتي مفيش".

رفض العاملون المحالون للمعاش جاء طبقا للمادة 74 من قانون 79 لسنة 1975، حيث لا تجيز للعاملين العدول عن رغبتهم في الرعاية الطبية التي اختاروها، سواء كانت تابعة لنظام الرعاية الصحية بالشركة أو هيئة التأمين الصحي، كما يقول محمد عبدالفتاح، رئيس نقابة العاملين بالشركة، موضحًا أن هؤلاء العاملين ليس لهم ذنب في كونهم اختاروا العلاج على نظام الشركة لحظة خروجهم على المعاش، لكونها كانت تقدم خدمة رعاية طبية متميزة وتتعاقد مع مؤسسات طبية توفر خدمات جيدة، لكن وقتها: "محدش كان يعرف أن الشركة هتقفل قسم الرعاية وتلغي النظام المتبع".

مضيفًا: معظم هؤلاء العاملين يعانون من أمراض مزمنة، وليس لديهم القدرة على تحمل مصاريف العلاج بجانب مصاريف الحياة اليومية، وخصوصًا مع ارتفاع تكاليف التحاليل والفحص الطبي، لذا نتمنى أن يتم ضمهم مراعاةً لظروفهم الصحية.

الصورة الرابعة

ويقول ضياء قاسم مدير قسم الرعاية الطبية الذي تم إغلاقه، الشركة أرسلت العديد من المخاطبات الرسمية إلى هيئة التأمين الصحي والرعاية الطبية بالهيئة الوطنية، ولكن تم رفض قبول هؤلاء العاملين، بحجة عدم جواز العدول عن رغبتهم التي أبدوها لحظة خروجهم على المعاش، باختيارهم الانضمام للرعاية الطبية بالشركة دون التأمين الصحي.

كانت مفاجأة لنا عدم ضم العاملين المحالين للمعاش قبل 2018، يقول عبد المعبود كامل، عضو مجلس إدارة الشركة، مرجعا سبب تأخر تطبيق قرار وزارة الصحة بتحويل العاملين إلى هيئة التأمين الصحي - الذي صدر في أكتوبر 2018 وتم تطبيقه في مارس 2020- إلى أن هذه الفترة كان يوجد بها العديد من المعوقات، انتهت بإغلاق قسم الرعاية الطبية ، إعارة العاملين للهيئة الوطنية للإعلام.

توقف الرعاية الطبية وارتفاع أسعار التحاليل والأدوية، دفع عايدة عبدالحميد، التي تقيم بشارع القصر العيني، وتتحرك على كرسي متحرك؛ لإصابتها بجلطة دماغية أثرت على الحركة، للبحث عن أي من الحلول الأخرى البديلة للرعاية الطبية أو التأمين الصحي تخفيفًا لمعاناتها، فقدمت للعلاج على نفقة الدولة، لكن محاولاتها لم تفلح لكونها من ضمن العاملين بالدولة ولها تأمين: "المسمى ليا تأمين وأنا أصلا مليش".

يقول عبد المعبود كامل، عضو مجلس إدارة الشركة، قمنا بإرسال العديد من الخطابات إلى وزارة الصحة وهيئة التأمين الصحي، والهيئة الوطنية للإعلام، من أجل ضم ومعاملة العاملين المحالين إلى المعاش قبل عام 2018 كغيرهم من العاملين بالشركة، وننتظر حل مشكلة هؤلاء الزملاء.

"معظمنا بيتعالج من أمراض مزمنة والمعاش مش بيكفي"، تقولها عايدة عبدالحميد التي تتقاضى معاشًا شهريًا لا يتعدى الـ 3000 جنيه، لذا تتمنى أن تتخذ الشركة أو وزارة الصحة أي إجراءات؛ لضمهم إلى أي هيئة علاجية؛ نظرًا لظروفهم الصحية: "كل حاجة غالية، ومش هنقدر نكمل على الوضع ده".

بينما لم يتوقف وائل جمال عن البحث لوالده عن سرير بالرعاية المركزة، بعد تدهور صحته؛ ليتوفى بعد أيام من دخوله العناية المركزة بأحد المستشفيات الحكومية.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان