بالصور- بعد 13 يومًا من الإبداع.. ذوو الهمم يودعون معرض الكتاب
كتابة وتصوير- إشراق أحمد:
لليوم الأخير في معرض الكتاب، تضع إيناس خميس منتجات جمعيتها على الطاولة، تنظم الدفاتر ذات الأوراق المعاد تدويرها من قش الأرز، وتنتظر استقبال الزائرين، لا تمل من تلقي السؤال المتكرر عما تعرض، فرغم أنها مشاركتها الأولى في الحدث الثقافي السنوي، لكن خلال 13 يومًا كانت فرصتها للحديث مع أكبر تجمع على مدار العام عن صانعي منتجات جمعيتها من الصم والبكم، حال نحو 30 جمعية أهلية ضمها ركن مجلس شؤون الإعاقة على مدار أسبوعي الدورة الـ51 للمعرض.
يقيم المجلس القومي لشؤون الإعاقة جناحًا خاصًا في معرض الكتاب للعام الثاني على التوالي، ومن قبل على مدار خمسة أعوام كانت المشاركة عبر تقديم نشاطات متفرقة للأطفال والعروض الفنية بشكل عام، كما تقول رشا أرنست، منسقة الأنشطة في المجلس، والتي تواجدت طوال الأيام الماضية تتابع مجريات التفاعل داخل الركن، لا تهدأ، تواصل التنقل بكرسيها المتحرك بين العارضين للمنتجات والفريق المتجول في مساحات داخل المعرض المخصص هذا العام ليتسع مجال الحديث "عشان ننشر رسالتنا ونوصل لناس أكتر نكلمهم عن مفاهيم معاصرة عن الإعاقة زي الدمج والتمكين والإتاحة".
منذ 2005 تعمل إيناس على نشر ثقافة تدوير قش الأرز. كانت سماء مصر غائمة بحرائق تلك المخلفات، ففكرت الفنانة التشكيلية في عمل شيء يجمع بين ما تهوى ويخدم البيئة، فكانت صناعة الورق سبيلها بإطلاق جمعية "النافذة للفن والتنمية"، والصدفة وحدها هي ما جمعتها بذوي الإعاقة من الصم والبكم عبر جمعية لهم في مصر القديمة –محل إقامتها- عرضت عليها تعليم أعضائها، فقبلت إيناس ولم يكن بحسبانها أنهم سيكونون سببًا في استمرار الجمعية منذ إشهارها عام 2007.
تقلص عدد المنضمين للجمعية بمرور الأيام "كان معانا 35 شخصًا نصفهم من الصم والبكم، في البداية دربنا ناس كتير، دلوقت معانا حوالي 4 أفراد بنشتغل بمجهود ذاتي، ودي تعتبر فرصة عمل". 150 تصميمًا متنوعًا أنتجها أبناء جمعية النافذة، عرضت إيناس منها عددًا محدودًا في المعرض، فالأمر بالنسبة لها مختلف "دي المرة الأولى ليا. اللي جاي إما بيكون عارف الجمعية، واللي مش عارف بحرص أفهمه إحنا بنعمل إيه؟"، لا تريد السيدة الخمسينية كسب التعاطف بالقول إن صانعي المنتجات من ذوي الإعاقة السمعية، بل ترغب أن يشعر المشتري أنه يحصل على شيء مميز، فيما تقر في نفسها أهمية ذلك، "شراء المنتج هيخلينا مستمرين هيخلي الباب مفتوح".
منتجات عدة شملتها رفوف ركن أصحاب الهمم، بين فنية ويدوية "السنة دي مشارك معانا حوالي 200 فنان" تقول منسقة المجلس القومي بأن العدد أكبر من العام الماضي، فالجناح بالنسبة للمشاركين عبارة عن مساحة مجانية للتمكين الثقافي والاقتصادي "بتبقى فرصة للتفاعل المباشر مع رواد المعرض"، وهو ما تحقق لعزة أمين، المدربة في دار السندس للأيتام ذوي الإعاقة.
منذ العام الماضي، وتعرض عزة منتجات أبنائها الذين دربتهم على صنع المشغولات اليدوية من البامبو والرسم على الفخار، فلا يتوقف الأمر على البيع والشراء، فما إن يقف أحدهم للسؤال عن منتج، تحدثه عن المكان المنشأ منذ عام 2003، تخبره بأن صانعي هذه المنتجات أطفال تتراوح أعمارهم بين العاشرة والخامسة عشر، وتدعوه لزيارتهم، فإلى جانب الدعم المادي تؤكد السيدة للزائرين أن "الولاد بالنسبة لهم الزيارة مهمة وبيستنوها"، فيما ثمة غرض آخر تأتي من أجله "لو في حد ابنه عنده إعاقة وبيتحرج منه زي بعض الناس لما يشوف ده بيعرف إن ابنه ممكن يوظف قدراته ويطلع حاجة جميلة".
لم تختلف رسالة جمعية نور البصيرة عن غيرها من الجمعيات المشاركة، لكنهم اختلفوا بالجمع بين الأعمال الفنية والثقافية من ناحية، وأن العارضين للمنتجات هم أصحاب الهمم أنفسهم. يجلس سامح محمد داخل الجناح طيلة 13 يومًا، يجاور الرف الموضوع عليه نسخ برايل التي أنتجتها الجمعية المشهرة منذ عام 2013، وتختص بمساعدة المكفوفين بشكل خاص وذوي الإعاقة بشكل عام "طبعنا كتاب مبادئ برايل بالعربي والإنجليزي وروايات مختلفة"، يقول سامح، الذي يشارك في معرض الكتاب للمرة الأولى، فيما تضيف رفيقته الإدارية نهلة كامل، أن الجمعية طبعت نسخ برايل من 12 رواية.
سعادة تقر نفس سامح بإمكانية عرض كتب برايل بأسعار في متناول اليد، وأيضًا منتجاتهم اليدوية المصنوعة من البامبو "خلصنا 90% من الحاجات اللي معانا" بسرور يقول سامح، بينما يضيف أن خطتهم كانت التواجد في الأسبوع الأول فقط من المعرض لكن للإقبال وردود الفعل الطيبة امتد وجودهم حتى ختام الحدث، حتى أن الشاب الثلاثيني قرر أن يشغل وقته حتى يأتي زائر بصناعة سلال جديدة من سيقان البامبو التي أحضروها معهم.
لم يغادر أي ممن تواجدوا في ركن المجلس القومي لشؤون الإعاقة إلا وفي نفسه رغبة مشتركة حملها معه منذ اليوم الأول، وهو الوصول لأكبر عدد من الناس مختلفي الجنسيات والثقافات، لن تتاح له كثيرًا فرصة لقائهم في حدث مماثل.
فيديو قد يعجبك: