"وين نروح؟".. قصص معاناة طُلاب اليمن وسوريا داخل الصين
كتبت-دعاء الفولي:
يتذكر عمار الديفل آخر يوم في عام 2019، حين دخل معمل الجامعة بمدينة ووهان، ليجد زملائه مرتدين كمامات طبية، وقتها أخبره أستاذه أن فيروسا خطيرا ينتشر وعليه ارتداء واحدة، ظن الشاب اليمني أنها زوبعة تمر سريعا، لكن الأمور تطورت للأسوأ، بات الديفل وغيره في مُستقر الفيروس، لا سبيل له للخروج، فالعودة لليمن ليست خيارا مطروحا في الوقت الحالي.
34,945 شخصا اُصيبوا بفيروس كورونا إلى الآن، تلك السلالة الجديدة التي انتشرت مطلع العام الجاري من مدينة ووهان الصينية، لتصيب دولا أخرى، ويقضي على حيوات 725 شخصا.
قبل 7 سنوات، سافر الديفل من محافظة ريمة اليمنية للصين، ليدرس ماجستير الهندسة هُناك "كانت ووهان جميلة.. بها جامعات كثيرة جدا وطُلاب من كل العالم"، اعتاد صاحب الـ26 عاما قضاء أوقات جيدة مع أصدقائه، إذ يبلغ عدد الطلاب اليمنيين حوالي 170 شخصا بعضهم بصحبة زوجته وأطفاله، لكن قبيل نهاية العام الماضي سافر بعضهم تزامنا مع الإجازة الشتوية إلى اليمن وآخرون لماليزيا التي وصل عدد الإصابات فيها إلى 16 حالة.
حين تفاقمت الأوضاع وتم إعلان الحجر الصحي بووهان، حاول الديفل وغيره من الطلاب التواصل مع السفارة اليمنية، قبل أن يتلقى اتصالا من الملحق الثقافي بالسفارة يطمئن على أحوالهم دون تقديم عرض لإجلائهم، حتى أن بعض الذين خرجوا من ووهان فعلوا ذلك دون تنسيق مع الجهات اليمنية.
"نُجدد مناشدتنا للحكومة اليمنية للاضطلاع بدورها الإنساني والأخلاقي والمسئولية القانونية تجاه أبنائها الطلاب وسرعة اتخاذ الإجراءات التي تكفل عدم تعرض الطلاب للإصابة".. نُشرت تلك المناشدة عبر فيسبوك، بالصفحة الرسمية لاتحاد الطلاب اليمنيين في الصين، تكررت المناشدات ومحاولات التواصل، لكن لا نتيجة إلى الآن، كما يروي منصور معلس، باحث الدكتوراه المقيم بمدينة شيان الصينية.
الوضع في شيان لا يختلف كثيرا عن ووهان "المداخل والمخارج مُغلقة.. يوجد أمن لكل في كل المقاطعات وفريق طبي.. عدم ارتداء كمامة يعرض الشخص للمسائلة"، يقيم معلس داخل جامعة شيديان، التي وضعت قيودا شديدة على الحركة أيضا. تمر الأيام بطيئة في السكن "نقضيها بين النوم ومشاهدة الأفلام والمباريات"، يمر طبيب بشكل يومي على الطلاب ليقيس درجات حرارتهم، فيما يدب الذُعر داخلهم حين يُصاب أحدهم بحمى بسيطة أو سُعال "نخاف نروح لأي مستشفى فيتم وضعنا في الحجر الصحي" يقول معلس.
عام 2017 حصل معلس على الماجستير من جامعة شيديان، عاد لوطنه اليمن واستقر هناك بضعة أشهر ثم عاد للصين "ما كنت أقدر أرجع لليمن بسبب صعوبة الحياة هناك والظروف"، لم يتغير رأي معلس عندما اندلعت الأزمة "لأنه الأوضاع باليمن مازالت سيئة"، لا يقصد الباحث الأوضاع الأمنية فقط "هنا في الصين إذا مرضت سأجد رعاية كافية أما اليمن فلا يوجد فيها استعدادات"، يضرب مثالا بأولئك الذين عادوا لليمن مع بداية انتشار الفيروس "ودخلوا البلد دون أن يوقفهم أحد للفحص".
يتواصل معلس مع عائلته هناك على مدار اليوم، يفتقد وجودهم لكنه يفضل المخاطرة داخل الصين على العودة باحتمالية نقل كورونا، فيما يغمره الحزن كذلك، لا تُرعبه عدد الإصابات ولا مكان وجوده "بل أن أرى الطلاب العرب يتم إجلائهم من قبل حكوماتهم بخطة واضحة أما طلاب اليمن فلا يلتفت لهم أحد".
عبر الصفحة الرسمية لسفارة اليمن بالصين بموقع تويتر، غردت السفارة قائلة إنها تُتابع مع الحكومة الصينية أوضاع الطلاب، وتُهيب بهم اتباع التعليمات الطبية. كان الديفل ضمن الطلاب الذين نشروا مقاطع مصورة يناشدون فيها السفارة "لكن لا مجيب إلى الآن".
في ووهان، حيث يقيم الديفل، يقتل الوقت الموجودين "لا شيء مفتوح.. لا أسواق أو محلات أو مواصلات"، اجتاح القلق الطلاب في البداية خوفا من انقطاع المؤن الغذائية، غير أنه اختفي بمجرد توزيع الحكومة الصينية ثلاث وجبات على طُلاب الجامعات في ووهان، انقلب يوم الديفل "ليلنا نهار ونهارنا ليل"، يُحاول دارس الماجستير تهدئة أصدقائه "أكتر شيء شفته صعب هو الفزع اللي سيطر على الطلاب خلال الشهر الماضي"، يكظم خوفه متذكرا أن "الحكومة الصينية لم تقصر معنا تماما سواء غذائيا أو طبيا".
في المقابل، بات يعرف معلس المقيم في شيان، أن الخروج من الصين أمرا حتميا "في ظل غلق كل شيء وعدم اكتشاف حل للفيروس"، لكن عدم وجود خطة واضحة للحكومة اليمنية تمنعه من الأمر "كما أن السلطات الصينية تسمح بالخروج ولكن لا يمكن العودة مرة أخرى إلا بعد انتهاء الأزمة"، قد يضطر معلس الذهاب إلى ماليزيا والانتظار هناك في الحجر الصحي مثلما فعل آخرون، لكنه لم يتخذ قرارا إلى الآن، خاصة مع توقف المصاريف المالية التي اعتادت الحكومة اليمنية دفعها للطلاب في الصين لاستكمال دراستهم.
لا يملك أحمد سالم خيار العودة لوطنه سوريا، خرج منها بالأساس بسبب تفاقم الأوضاع الأمنية.
منتصف 2018، سافر الشاب لمدينة دالي الصينية قادما من السعودية، درس اللغة لعام قبل الالتحاق بكلية الطب البشري هُناك. استقرت أحوال الطالب حتى علم بانتشار الفيروس في 20 يناير الماضي "ما توقعت إنه المرض رح ينتشر بهاي السرعة ولا حتى توقعت إن الصين رح تحاصر مدينة عدد سكانها ١١ مليون خوفا من الانتشار". بعد انتهاء الاختبارات سافر السالم لمدينة شنغهاي ليقضي الإجازة، وهناك باغته انتشار الفيروس.
لم تختلف الإجراءات الاحترازية داخل شنغهاي، لكن السالم أصابه الضجر "أعداد الناس يلي عم تخرج وتتحرك في المدينة بتزيد.. خاصة أن عدد المصابين إلى الآن 300 مصاب وهو بسيط نسبة لـ25 مليون شخصا يقطنون فيها".
لا توجد أرقام مُحددة لعدد السوريين داخل الصين، يقرأ طالب الطب تصريحات رسمية سورية عن إجلاء 27 سوريا من مدينة ووهان عبر الخطوط الجوية الإيرانية، فلا يكون منه سوى التبسم قائلا بسخرية "والله ما حدا تواصل معي".
بعض زملاء السالم خرجوا من الصين عقب بداية الأزمة "لكن راحوا على ماليزيا لأنها البلد الوحيد ياللي مش بتطلب من السوريين فيزا"، فيما حاول بعض أصدقائه التواصل مع سفارتهم ببكين "إلا أنها لا بتقدم ولا بتأخر".
بعد سفر معظم أصدقائه، فكر السالم في اللحاق بهم "لكن وين اسافر؟ مافي دولة بتعطيني فيزا في ظل الوضع الحالي وبنفس الوقت صعب أروح ماليزيا لأن ما بعرف حدا"، وفيما تسمح ماليزيا بالإقامة لثلاثة أشهر فقط دون فيزا، أعلنت الحكومة الصينية أن الخارجين من طلاب الصين لن يعودوا في الوقت الحالي تماما، أما العودة لسوريا "فأنا مستحيل أرجع لها لأنه في خطر على حياتي، لأنه النظام الحالي ما راح يتركني، لذلك أفضل الموت بفيروس كورونا على العودة".
الفيروس جعل السالم وحيدا، كانت خطته لعطلة منتصف العام كبيرة "نتلاقى أنا وأصدقائي ونطوف شنغهاي.. لكن الآن كلن رحلوا"، بات محبوسا بعيدا عن جامعته في دالي "أرسلت لهم طلبا بتمديد الإجازة حتى مارس القادم ووافقوا شرط الاطمئنان على صحتي بشكل يومي".
قبل الأزمة، كانت أسواق شنغهاي مفتوحة على مدار اليوم، الآن تتواجد بعض المحال لبضعة ساعات خلال اليوم، يخرج فيها السالم سريعا ليشتري ما يحتاج ويعود للسكن، ينفض عن نفسه الشعور المُضاعف بالغربة، لكن قلبة يضطرب حين يتذكر "إنه لو الأمور تفاقمت بسبب الفيروس.. قد تطلب الصين إجلاء جميع الأجانب.. وقتها وين روح أنا؟".
فيديو قد يعجبك: