كوميديانات مصر (3)- نادية العراقية.. "نجومية" الدقائق المعدودة (بروفايل)
كتب- محمد مهدي:
في عام 2004 كان المخرج أحمد نادر جلال منشغلًا بتنفيذ فيلمه "أبوعلي" من بطولة كريم عبدالعزيز ومنى زكي، هناك مشهد طريف كتبه المؤلف "بلال فضل" خلال أحداث العمل، يحتاج رغم صغر مساحته إلى ممثلة تملك أدوات "الكوميديا" تُتقن أداء الشخصية رغم ظهورها السريع، رُشحت لذلك الفنانة "نادية العراقية" لتُخرج أفضل ما لديها خلال التصوير وتتحول جملتها "مين اللي أكل الجبنة" إلى واحدة من أكثر "الإفيهات" انتشارا رغم مرور السنوات، ولتُصبح "العراقية" نجمة محبوبة من الجمهور من خلال الدقائق المعدودة التي تظهر فيها على الشاشة.
خلف هذا الضحك الذي تُضفيه "العراقية" من خلال أعمالها، الكثير من الأحداث الصعبة في مسيرتها وذكريات مع الحرب والدمار في بلدها والاجتهاد الدائم للحفاظ على مكانتها في دنيا الدراما. بدأت الحكاية في بغداد حيث ولدت وسط أسرة متوسطة عام 1963، أحبت الفن منذ طفولتها، سعت كثيرًا لدخول هذا العالم البديع، حصلت على أدوار عديدة في المسرح، قدمت شخصيات رئيسية في أعمال مختلفة بمسرح النهرين ثم "المنصور الأول" بزغ نجمها "اشتغلت 13 سنة على المسرح" لكن اندلاع الحرب العراقية الكويتية في بداية التسعينيات ألقى ذلك بظلاله على كافة تفاصيل الحياة في دولتها.
تطوعت "العراقية" لسنوات في خدمة جيش بلادها "أول عراقية تطوعت في الحرب، وكنت بجمع أشلاء القتلى في الطرقات" مشاهد لم تنساها قط، جعلتها تشعر بقيمة البهجة ومداواة الأحزان بالضحك أحيانًا، لم تقوَ على العيش في تلك الأجواء كثيرًا "كنت اتجوزت رجل مصري، ونزلنا إجازة لأهله في 1997 وقررنا نكمل " تأقلمت سريعًا على الحياة في مصر، شعرت بالحنين إلى العودة للمسرح "لأن التمثيل دا في دم الواحد صعب ينساه" كما ذكرت في لقاء تلفزيوني.
انطلقت "العراقية" إلى عدد كبير من نجوم المسرح حينذاك، في محاولة للمشاركة في أعمالهم "محمد صبحي، جلال الشرقاوي، طرقت كل البيبان" لكنها لم تحصل على موافقتهم، لم يمنعها ذلك من الاستمرار في البحث عن فُرصة حتى التقيت المخرج الكبير سيد راضي "طلب مني أعمل اختبار عشان يقيم موهبتي" قدمت دور صغير أمامه رفقة الفنان أحمد بدير "وقعوا على نفسهم من الضحك" ليضمها إلى مسرحية "الكومندا"ثم حصلت على دور عام 1999 في مسلسل "سامحوني مكنش قصدي" للمؤلف يسري الجندي والمخرج إسماعيل عبدالحافظ لتبدأ مسيرتها من جديد بمصر.
لدى "العراقية" أداء مُلفت في الكوميديا، تنقب جيدًا داخل الشخصيات التي تؤديها بحثًا عن منفذ للضحك وإضفاء مساحة كاريكاتورية في الصوت أو الطريقة "أحب أعملها على شكل نكتة وأخلي اللي قدامي يبتسم لما يشوف المشاهد بتاعت الشخصية" تمكنت من ذلك في "أبوعلي" رغم حذف جزء من دورها "كان مفروض في الأخر بيكتشفوا إني أنا اللي أكلت الجبنة" تقولها ضاحكة في لقاء تلفزيوني، فضلًا عن ظهورها البسيط المثير للضحك في "عايز حقي" تلك الجملة التي تسمعها كثيرًا من الجمهور في الشارع "يا لهوووي، راااااجل.... انزلوووووا".
قدمت شخصية الأم بصورة مُلفتة في عدد من الأفلام السينمائي، من بينها "أبوالعربي" من بطولة هاني رمزي، حيث ظهرت كوالدة "أبوالعربي" تمنحه الوصية الأخيرة قبل وفاتها بلحظات، ثم حصلت على مساحة أكبر في فيلم "ورقة شفرة" عام 2008 "شخصية الأم اللي فاهمة ابنها غلط، وبيحصل كوميديا الموقف بينهم طول الوقت" وفي العام نفسه شاركت في فيلم "الدادة دودي" من بطولة ياسمين عبدالعزيز، لأداء شخصية "مُشرفة الأتوبيس" وانطلقت لتشارك في أكثر من 130 عمل فني.
مع مرور السنوات صارت الفنانة الكوميدية "مصرية" الهوى، لكن العراق لم تفارقها قط، رغبت دائمًا في العودة إلى هناك والمشاركة في الأعمال الفنية لأبناء دولتها، كما رفضت تقديم شخصية عراقية لم تروق لها ذات مرة، حيث عُرض عليها الانضمام إلى فريق عمل فيلم "كبارية" تحسمت في بداية الأمر "مضيت على العقد قبل ما أقرأ الدور من فرحتي" وعندما اطلعت على السيناريو "حسيت إن النموذج دا عمره ما يمثل السيدات في بلدنا"" رغم قوة العمل ومساحة الدور أعادت "العربون" إلى المُنتج أحمد السبكي وسط تعجب الأخير لتجسد الشخصية الفنانة "هالة فاخر".
ماتزال "العراقية" تعمل بكامل موهبته وخفتها وحُبها للفن، تبتهج حينما يأتي إليها شخصية دسمة تتمكن من خلالها التعبير عن قدراتها مثل دورها في مسلسل "عايزة أتجوز" بينما لا تغضب عندما تتلقى اتصالا هاتفيًا من صناع الدراما لطلبها في مشاهد بسيطة "بتعب في كل مشهد، بحبه زي أولادي، بحفظ كويس وأتخيل إنه ممكن يرسم البسمة عند بني آدم زهقان أو بيدور على الضحكة" لذلك سرعان ما تجد صدى لهذا المجهود في الشارع المصري كما ذكرت "الناس أوقات تفكرني بمشاهد أنا نفسي نسيتها مع الوقت، بكون سعيدة إنها محفوظة".
فيديو قد يعجبك: