إعلان

افتتاح الكباش | قصة زوجين يُجهزان الطريق منذ 11 عامًا: مشروع الحياة

09:45 م الخميس 25 نوفمبر 2021

قصة زوجين يُجهزان الطريق منذ 11 عامًا

– مارينا ميلاد:

“عندما تكون بالزورق مهيب المقدمة، إنك تبدو جميلا يا آمون رع والكل يمجدك”.. تُعزف تلك الأنشودة على الطريق المصطف بجانبيه تماثيل لكباش في قلب مدينة طيبة.. يلتقي المعبود آمون رع إله الشمس وزوجته موت بنقل تمثالهما من قدس الأقداس بمعبد الكرنك في زوارق يحملها كهنة حالقي رؤوسهم، يرتدون ثياب من الجلد.. يسيرون بها - وسط نافخي الأبواق والجنود- باتجاه معبد الأقصر.. ليعلن ذلك المشهد عن "عيد الأوبت" السنوي وبداية موسم الحصاد.

على الطريق نفسه يلتقي محمد جاد وزوجته مروة حسن منذ عام 2010 لترميم كباشه والمعابد المحيطة به.. مرت 11 عامًا لم يكن لديهما ما هو أهم من هذا المشروع حتى صار جاهزًا ليراه العالم اليوم.

image00003

قبل ثورة يناير بأيام وقبل أن يتوقف كل شئ، تحديدًا يوم 18 يناير عام 2011.. أعلن محافظ الأقصر، سمير فرج، في مؤتمر صحفي، عن نواياه بإطلاق مشروع تنموي يرمي إلى جعل المدينة الواقعة على بعد 690 كيلومترا تقريبًا جنوبي القاهرة أكبر متحف مفتوح في العالم.

سبق ذلك بعامين بداية العمل الفعلي في طريق الكباش؛ الذي كان مسدودًا باشغالات مثل حقول زراعية وبنايات سكنية ونادي وكنيسة؛ وهو ما تم إزالته تباعًا خلال هذه الفترة وما بعدها.

أصل تلك الفكرة بدأ باكتشاف أول الكباش بواسطة الأثري زكريا غنيم عام 1949.. وبمرور السنوات أخذت ملامح الطريق تنكشف شيئًا فشئ. فجاء الأثري محمد عبد القادر ليكشف عن بداية الطريق عند معبد الأقصر في الخمسينيات، ثم أكمل عليه محمود عبدالرازق بأجزاء عند معبد الأقصر خلال الستينيات.

توقفت تلك الرحلة لفترة، ليعود ويستكملها محمد الصغير خلال الثمانينيات والتسعينيات حتى بداية الألفية الثالثة، وأخيرًا منصور بريك، الذي كشف عن بقية الطريق في الفترة من 2006 ولمدة أربع سنوات تقريبًا.

في تلك الأثناء؛ حضر محمد جاد من محافظته "قنا" إلى الأقصر بعد أنهى جيشه ودراسته بقسم الترميم في كلية الآثار.. كذلك عادت مروة حسن إلى بلدها "الأقصر" قادمة من القاهرة بعدم إتمام دراستها بالكلية نفسها.. لم تلتق الوجوه أو يعرف أي منهما الأخر، لكن كلاهما سلكا الطريق نفسه وتقدما بأوراقهما للعمل بمشروع الأقصر الكبير "طريق الكباش".

انقسم الطريق إلى قطاعات نظرًا لمساحته الممتدة لنحو 3 كيلو، ومعه انقسم المرممين ومنهما محمد ومروة. تحكي مروة عن مشهد البداية، حيث أعمال الحفائر تسير على قدم وساق؛ فلا زال عدد من الكباش غير مكتشف، الترميم متدهور، مظاهر التلف ظاهرة بقوة، وطبقات التماثيل منفصلة.

مع ساعات الصباح الأولى كل يوم، كان محمد ينتقل من "قنا" إلى "الأقصر".. يتركز عمله – كما يقول – على متابعة أعمال الحفائر ليكون جاهزًا عند خروج قطعة جديدة؛ فهي تحتاج إلى ما اسماه "إسعافات أولية"، ثم توثيق، يليه عملية التنظيف وتقوية الأجزاء الضعيفة؛ خاصة وأن أغلب الكباش مفككة الجسم أو قاعدتها مكسورة.

يقول محمد: "منذ بدأنا لم نكن نعلم هل سنجد شيئًا؟!.. وكيف سيصبح شكل الطريق؟.. لكن كنا نجري فرحًا عندما نجد أثناء الحفائر أي قطعة جديدة حتى إذا تطلبت منا جهد كبير لإصلاحها".

توقف عمل محمد ومروة ومن معهم – وقد وصل عددهم أحيانا إلى 50 مرمم - بعد ثورة يناير لنقص الاعتمادات المالية، لكن شيء أخر حدث ولم يتوقف. فكانت علاقتهما قد توطدت أثناء العمل.. تزوجا وأنجبا ولدان، ثم نقل محمد سكنه إلى الأقصر بجوار معبد الكرنك.

عاد المشروع مجددًا بعد فترة طويلة بتعليمات واضحة، لا توقف ثانية وكل شيء يجب أن ينتهي قريبًا؛ لذا يقول محمد إنهم "لأيام عدة؛ قضوا ساعات إضافية، وعملوا في بعض العطلات الرسمية"؛ فيما اجتهدت مروة للتوفيق بين عملهما وبيتها وأبناءها الصغار.

2

ظل محمد يعتقد أن حرارة الشمس في الأقصر هي أصعب ما يواجهونه خاصة وأن الكباش في مكان مفتوح بعكس صالات المعابد؛ لكن وجد الأصعب العام الماضي بعد تفشي وباء كورونا. الأمر الذي وقف بالطبع في وجه "عملهم الجماعي". إذ يقول: "انقسمنا إلى مجموعات صغيرة، وهو ما أثقل العمل علينا بدرجة كبيرة إلى جانب ضغوطات هذه الفترة وتوقف السياحة.. كان الأمر صعبًا جدًا".

3

تحسنت الأحوال مع بداية العام الحالي إلى حد ما، لكن لم يقل الضغط لاقتراب موعد الافتتاح، فبحسب محمد؛ انضم إلى المشروع مرممين من سوهاج للمساعدة.. وعلى الجانب الأخر؛ تولت مروة مسؤولية ترميم وتلوين صالة الأعمدة بمعبد الكرنك لتكون جاهزة مع الكباش. صار يومها روتينيًا وشاقًا: تأتي إلى عملها عند السابعة والنصف صباحًا ثم تجلب أبناءها من الحضانة ظهرًا وتعود إلى عملها مرة أخرى. وفي المقابل؛ لم تتقاضى سوى مكافأت رمزية – حسب قولها.

تقول مروة: "أنجزنا عمل يحتاج عام وأكثر في ثلاثة أشهر فقط؛ فإظهار ألوان 12 عمود أمرًا يتطلب تركيزًا شديدًا ووقتًا أطول".

4

لم يرث محمد (35 سنة) من عائلته حب هذه المهنة ككثيرون، ولم يعرف حقا سبب تعلقه بها منذ اختار دراستها؛ فرغم قرب الأقصر من محافظته إلا أنه لم يزورها سوى مرة كل عام.. لكن مروة تدرك دافعها؛ حيث كانت الطفلة التي تنتظر رحلتها المدرسية للذهاب إلى المعابد وتنجذب لسماع أي قصة من التاريخ، والشابة التي طالما رافقت والدها؛ الذي يعمل مصورًا، لترى صوره للأماكن الأثرية والناس.

"يقولوا عنا أطباء الحضارة.. نحن كذلك فعلا".. تقول مروة، التي تلخص عملها في أنه كشف على القطعة الأثرية لتعرف ما بها من مشاكل وتحدد علاجها.. تبتسم مروة وتستكمل وصفها: "لكن أتعرفون ما الفرق؟ أن الشخص المريض يمكن أن يعبر ويشتكي للطبيب، لكن نحن علينا معرفة ما تعانيه القطعة دون أن توضح لنا".

تتمنى مروة أن يحقق ما فعلوه طوال 11 عاما "الخير" لمدينتها والعاملين بها؛ الذين يعتمدون على السياحة مثل والدها، خاصة وأن المدينة قد عانت لسنوات مضت.

مع بداية العد التنازلي للحدث المنتظر.. تسارعت وتيرة الاستعدادات وتوافد وزير السياحة والآثار ليتابع الموقف بنفسه.. حدد الفريق المكون من محمد و12 مرمما أخر، الأماكن المناسبة لوضع الكباش على جانبي الطريق وحفروا قواعد عميقة لها وتم ملئها بالزلط والخرسانة مع وضع طبقة من الخيش لعزلها عن المياه الجوفية.

5

سيتابع محمد مع مروة وأبناءهما الاحتفالية الكبرى، المقامة مساء اليوم، من خلال التليفزيون.. فلم يتلق وزملاؤه دعوات للحضور.. أزعج ذلك مروة وترى في انزعاجها منطقًا: "كيف يكون كل ذلك من عملنا وجهدنا ولم نحضر لنحتفل به؟!"، لكنها في الوقت نفسه تتفهم الأمور التنظيمية.. وعلى العكس؛ قد اعتاد زوجها على ذلك، وسيمر الأمر عليه عاديًا مثل احتفالية "موكب المومياوات"، إبريل الماضي، عندما شاهد المسلة التي تتوسط ميدان التحرير - وقد شارك في ترميمها - من خلال التليفزيون: "نحن لا نعمل لحضور احتفالات ولكن على أي حال؛ سأشاهدها وأنا فخور جدًا".

لمتابعة التغطية الخاصة لـ مصراوي لافتتاح طريق الكباش.. اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان