"أيام العزلة".. كتابات أدبية تُسجّل مشاعر الوحدة خلال أزمة كورونا
كتبت-هبة خميس:
في شهر مارس بالعام الماضي اختبر العالم بأكمله شعورًا مُسيطرًا بالعزلة، إثر انتشار فيروس كوفيد 19 والإغلاق العام والحظر بمعظم الدول، في تلك الفترة باتت العزلة جزء من حياة الناس، البعض كانت عُزلته بعيدة عن العائلة، وآخرين كانت وسط أسرته.
في تلك الفترة وفي منزله شعر الكاتب السكندري "علاء خالد" بذلك الإحساس العام المسيطر، وتراكم في نفسه ليأخذ مساحة داخله "في اللحظة دي حسيت إن قوة العزلة دي ممكن تضيع مع الوقت، فكرت في إني محتاج أوثّق الإحساس ده، مكنش عندي رغبة بفقدانه"، وقد اعتاد خالد إقامة ورشة إبداعية في ذلك الوقت بعنوان "حلقات أمكنة"، و"أمكنة" هي بالأساس مجلة تهتم بثقافة المكان ويرأس تحريرها الكاتب السكندري.
ومع فتح باب المشاركات في الورشة بمركز الجزويت بالإسكندرية، تلقى الكثير من طلبات التقديم مُضاعفة عن الأعداد المقررة للورشة، ويرى خالد أن سبب الإقبال أن فكرة الورشة مؤثرة بالنسبة للكثيرين "وفكرة توثيقها مشجعة لناس كتير عايزين يسجلوا مشاعر العزلة"، وللمشاركة بالورشة كان على المُتقدّم أن يكتب نصًا عن العزلة مُرفقة بصورة فوتوغرافية لمكان عزلته، واجتياز المقابلة الشخصية التي يرى "علاء خالد" أنها كانت كاشفة إلى حد كبير ومهمة في اختياره للمشاركين.
مع البدء في الورشة اطّلعت المجموعة على الكثير من الكتابات العالمية التي تعرضت لفكرة العزلة نفسها مع مناقشتها، التقطوا الكثير من الصور وعرضوها أمام المجموعة " الصور كانت مهمة جداً بسبب إن كتير من المشاركين مكانوش بيكتبوا قبل كدة، والصور علمتهم التركيز على التفاصيل، ورصد مفردات عزلتهم الشخصية ومشاركتها لباقي المجموعة، وحالة المشاركة دي عملت تناغم في الورشة والنصوص الأخيرة اللي اطبعت في الكتاب"، وفي نهاية الورشة صدر الكتاب بعنوان "أيام العزلة"، وفيه يحكي كل فرد من المجموعة نصًا عن تجربته مع العزلة، وتوثيقه لتلك الحالة المشتركة.
بالنسبة لطبيبة نفسية يبدو مفهوم العزلة مختلف وتتجلى قسوة المرض بشكل أصعب، فـ"رودينا جمال" الشابة في نهاية عشريناتها حينما جاءت الجائحة علمت بنقل زوجها الطبيب لإحدى مستشفيات العزل، فاتخذ القرار بالتطوع معه لدعم المرضى نفسيًا " لما عرفت بإعلان الورشة فكرت اني محتاجة أوثق تجربتي بشكل خاص، فكرة تقديم الدعم النفسي للمرضى كان ازاي صعب ومؤلم بالذات لأن ناس كتير مش فاهمة أهمية الدعم النفسي".
بعد تقديمها للمشاركة بالورشة بأيام أُصيبت "رودينا" بمرض كورونا، وتم حجزها بنفس المستشفى هي وزوجها، وخلال الورشة حرصت الشابة على تسجيل تلك التجربة وإعادة اختبارها بعيون أخرى "كنت بحس إننا اتحطينا قصاد مخاوفنا وعزلتنا الشخصية، وبالرغم من اختلافاتنا الكبيرة، لكن كان فيه شيء مشترك بيننا زي صور الشباك مثلًا، والميزة الكبيرة إني شفت تجربتي بعيون تانية، وده عمقها أكتر بالنسبة لي ".
يختبر المُبدع العزلة طوال الوقت وأحيانًا يعتبرها حافزًا للإبداع، لكن في حالة "طارق نادر" الكاتب والمخرج المسرحي لم تُحفزه العزلة على الإبداع "أنا شخص اجتماعي جدا و فجأة حسيت بالحرمان من ده، كنت بحب أمشي في شوارع اسكندرية طول الوقت وأقابل أصحابي، لكن فجأة لقيت نفسي مضطر انعزل وأفضل في البيت".
لم يستطِع "طارق" الكتابة طوال تلك الفترة ولم يستغلها مثلما فعل الكثير من الناس، لكنه اعتبر نقطة النور بتلك الفترة هو اجتماعه بأهله فترات طويلة، والقراءة المستمرة التي ساعدته على تخطي عزلته و التعامل معها، وكان المخرج المسرحي يسمع طوال الوقت عن الورش الإبداعية المصاحبة لمجلة "أمكنة"، وكمّ تمنّى الالتحاق بها، لكن ضيق الوقت والظروف كانت تمنعه عن المشاركة، وحينما سمع عن الورشة الجديدة بادر بالاشتراك "كانت فرصة إني أكتب، وأختبر تجربة العزلة من جديد مع ناس مختلفة في إطار إبداعي".
كتب "طارق" نصه الأخير عن حادثة مر بها صغيرًا، وكيف أخذ يستدعيها باستمرار طوال تلك العزلة، وفي الجزء الثاني من النص كتب رسالة لصديق متخيل يحكي له كيف يقضي أيامه في العزلة " اعتبرتها توثيق للي مريت بيه وأنا طفل، وازاي فاكر الحادثة دي، وكمان أيام العزلة ازاي قضيتها لأن احساس العزلة رجعني للحادثة القديمة بقوة ".
منذ عشر سنوات ويعمل "طارق" بالإخراج المسرحي والكتابة للمسرح، وفور انتهاء الورشة عكف "طارق" على وضع نص مسرحي مُجمّع من نصوص كل المجموعة على اختلافهم، لعمل قراءة مسرحية أمام جمهور محدود بخلفية موسيقية وإضاءة مُناسبة ليكون احتفاء بما عملوا عليه طوال فترة الورشة، وليكون توثيقاً لحالة رُبمّا تكون انتهت بشكل كبير، لكن آثار تلك العزلة مازالت عالقة في نفوسهم.
فيديو قد يعجبك: