إعلان

على خطى والده.. «نجرو» يعيد إحياء الأثاث برقائق الخيزران في «شوارع السيدة»

05:45 م الثلاثاء 13 يوليو 2021

إحياء الأثاث برقائق الخيزران

كتابة وتصوير- عبدالله عويس:

خلف صخب ميدان السيدة زينب، في الحي الشعبي الضارب في القدم، ثمة صخب آخر يصدر عن مطرقة بيد «أحمد نجرو»، الذي ورث عن والده عدة أشياء، على رأسها مهنة تحارب الاندثار، واسم شهرة انتقل للابن، ومحل عمل في الشارع، لا جدران له، أسفل شرفة بطابق أرضي بأحد عطفات ذلك الحي. وعلى الشرفة، عُلِّقت شرائح من أعواد الخيزران، يستخدمها «نجرو» في إصلاح أثاث قديم، يأبى أصحابه إلا تجديده، واستخدامه مرة أخرى، عوضا عن التخلي عنها.

أصوات طرق على الخشب، يميزها جيران الرجل الذي أتم 48 عاما. اعتادوا سماع ذلك الصوت منذ كان طفلا في الـ8 من عمره، يعاون والده في ورشة صناعة الأثاث بالخيزران، لا تقوى يده على حمل المطرقة، أو إحكام السيطرة على الأعواد الغليظة، حتى كبر الصغير وصار أحد أهم العاملين في ذلك المجال بمحيطه، وصار طرقه أكثر وضوحا، ويده أكثر غلظة نتيجة عمل امتد لـ40 عاما، ولم يكن هذا ما اكتسبه فحسب، فقد أضحت له شهرة، تدفع سكان أبناء الأحياء الراقية إلى زيارته، لإصلاح «الأنتيكات» أو الأثاث الذي لديهم، بحسب استخدامهم له، وربما كانت القطعة الأصلية من صنع والده.

1

كانت المدائح الصوفية تصدر عن مكبرات صوت تقع على مقربة من الرجل، فيما كان إلى جواره، مكبر صوت صغير تصدر عنه أغنيات لأم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش. أغان تراثية، تليق بصنعة لم يعد الإقبال عليها كما كان في أوج انتشارها، يرددها الرجل وهو يرمم جزءا من سرير قديم يعتمد في تصميمه على شرائح الخيزران الرفيعة، والتي يطوعها بين يديها، مشكلا بها رسومات هندسية، تعيد السرير إلى سابق عهده. ولأن مكان عمله الشارع، فقد وضع على جانبيه كرسيين يثبت ما يحاول إصلاحه فوقهما، ومن حوله تتناثر أدواته، وتشكل شرائح الخيزران فوق رأسه وهي معلقة، أو حول رقبته، أشكالا مميزة، ومن خلفه شروخ عدة تميز البيت الذي يستند إليه.

2

«أبويا كان أسمر البشرة، فكانوا بيقولوله يا نجرو، ومن ساعتها الاسم ده اتنقل لي، بعد وفاة والدي في سنة 2001» يحكي أحمد، عن والده عبدالرحمن، والذي أصر على تعليم أولاده تلك الصنعة، إلى جانب دراستهم كما فعل مع أحمد الحاصل على دبلوم تجارة، وبعد أن اكتسب أولاده منه تفاصيلها الدقيقة، انتشرت بعد ذلك الكراسي الخشبية والبلاستيكية، ولم تعد صناعة الأثاث بالخيزران منتشرة، على عكس ترميم ما أصابته مشكلات بفعل الزمن فيها: «وملناش ورشة، بقعد في الشارع كده قدام البيت أشتغل، وباخد بالي من شغل أمي في بيع الشيبسي والبسكوت، ولما ييجي الليل في مخزن صغير بحط فيه الشغل وأنام».

3

سكينة حادة، ومطرقة، ومسامير، ومقص، وقطع خشبية صغيرة.. هذه أدوات أحمد التي يعتمد عليها في عمله، ومن حوله كراس قديمة، وأسرة، ومنضدات، تحتاج إلى إعادة إحياء، فيطرق بالمسامير على الخيزران لتثبيته، ثم يرسم الشكل الهندسي كما يريد صاحب القطعة الخشبية، وحين ينزع مسمارا يضع عوضا منه قطعة خشبية صغيرة: «دي عاملة زي الخوابير كده، بنثبت بيها الخيزران، ونصنفرها بعد كده فمتبانش» يحكي الرجل وهو يعمل بيديه في تثبيت قطعة خشبية بأحد أطراف سرير قديم، تطلب العمل في قطعة واحدة منه يومين، وثمن تصليحه 800 جنيه، على الوجهين، ورغم صعوبة العمل واستغراقه وقتا طويلا إلا أن ذلك أمرا اعتاده.

4

يشتري ابن منطقة السيدة زينب كيلو الخيزران بـ600 جنيه، وقد يتلف بعضه أثناء العمل، فيزداد الأمر صعوبة على صعوبة: «الفن ده صعب، والشباب ملوش صبر عليه، لكن أنا بجبر ولادي يتعلموه مني، زي ما أنا اتعلمته من أبويا» قالها بينما كانت والدته تستمع إلى حديثه وتشاركه بعضه، فتتذكر حين كان زوجها يجذب إليه الأنظار بصنيعه، وتهافت الزبائن على القطع التي كان يجهزها بيديه: «الشغل ده من زبان ليه زبونه، يا بتوع الأنتيكات، يا الناس اللي في أماكن راقية وبتحب الشغل ده، أو حتى اللي بيعتبروه جزء من تراثهم».

5

لدى الرجل ولدين صغيرين يحاول تعليمهما تلك الصناعة، كما يحرص على أن يتلقيا تعليما جيدا، ورغم أن عمله ليس على حال واحد، إلا أنه يكفيه شؤون بيته، ومصاريف تعليم الأولاد، بما يدفعه الزبائن الذين يحفظون مكانه ويصلون إليه من كل مكان: «وطالما الدنيا ماشية ومستورة فالحمد لله».

6

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان