"قصة نبّاش".. من الشهادة الجامعية والوظيفة إلى جمع القمامة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
كتب وصور- محمود الطوخي
بينما يسارع الناس إلى العودة لمنازلهم أو الاحتماء بظلال الأشجار، كان سيد توفيق يسير وقت الظهيرة حاملاً على ظهره "شواله" يتفقد كومات القمامة وصناديقها؛ بحثاً عن ما يجمعه من زجاجات بلاستيكية أو عبوات معدنية فارغة، أنهكه تأثير جراحة القلب المفتوح التي خضع لها قبل 6 سنوات، فجلس يستريح مستظلاً بشجرة على الرصيف بعدما تجول لساعات في حرارة الشمس الملتهبة، يمسح بيديه المتسختين عرق جبينه المنهمر: "كنت نايم في الشارع بستريح شوية بالليل واحد طعنى وسرق الفلوس".
لـ 7 سنوات عمل توفيق في جمع القمامة، فترة خلفت في كفيه جروحاً عديدة شوهتها، ولم تستطع حتى أن تصد عنه نظرات تزعجه، يتحمل الرائحة المنبعثة من القمامة وتثيرها حرارة الصيف: "بيبقى فيه زجاج مكسور وأنا بقلب في الزبالة بتجرح إيدينا بطريقة صعبة لو ماخدتش بالى كويس".
جلس بعد أن سكب بعضاً من المياه على رأسه لتنعشه في الجو الحار، يتذكر تلك الآمال التي بناها لنفسه بعد أن تخرج من معهد الدراسات النوعية قبل أكثر من عشرين عاماً، وقطع شوطاً كبيراً في تحقيقها حينما التحق للعمل بإحدى شركات القطاع الخاص ثم زواجه في مسكن قد استأجره بباب الشعرية وإنجابه أبناءه الثلاثة، إلى أن تبدل الحال عقب إقالته: "طردونى من الشغل وقتها أنا وناس كتير من زملائى".
لم يكن بوسع الرجل صاحب الـ 45 ربيعاً أن يتخيّر عملاً يفضله، فمسؤولياته تجاه أسرته تثقل كاهله بعدما بات بلا مصدر دخل، ليقبل مضطراً العمل بأحد معارض السيراميك بمنطقة عين شمس بأجر لا يتخطى 100 جنيه لليوم، يقول توفيق: "اشتغلت في المعرض ده 7 شهور وبعد كده سبته ورحت محل تانى في إمبابة".
ضاق الحال بتوفيق؛ فأجره لا يكفيه وأسرته ولا سبيل لتوفير عمل آخر إلى جانبه، إذ يعمل من مطلع الشمس وحتى مغيبها: "بسبب الظروف دى انفصلت عن زوجتى وأولادى لأن كل حاجة بقت صعبة وسبت البيت ومن يومها أنا لوحدى".
ظل توفيق وحيداً لفترة طويلة ناقماً على تلك الظروف التي غيرت مجرى حياته التى قد رسمها، لكن افتقاره إلى المال دفعه في الأخير إلى أن يجمع رزقه من القمامة، يقول: "فضلت فترة أنام في الشارع.. الناس دايما بتبصلنا بطريقة مش كويسة كأننا بنعمل حاجة عيب أو حرام ويمكن السبب إن فيه بعض الناس زينا إيديهم طويلة".
يجنى توفيق نحو 150 جنيها من عمله الممتد من الصباح الباكر وحتى الساعة الـ 8 مساء، يدخر من مجموعها شهريا نحو 600 جنيه لغرفة استأجرها بمنطقة أرض اللواء ومبلغاً يرسله إلى أبنائه الثلاثة؛ ليعين به ابنه الأكبر الطالب في كلية الحقوق إلى جانب ما يجنيه من عمله وشقيقته الصغرى بالمرحلة الثانوية على مصروفاتهم: "ببعتلهم كل شهر 1000 جنيه وممكن أكتر حسب الظروف عشانهم وعشان أخوهم المريض.. باكل من الشارع بعد ما ببيع شوية حاجات من اللى لميتها بدرى وأجيب أكل أو لو في محل بيوزع أكل ببلاش وأيام كتير مابيكونش معايا فلوس آكل".
انتهى توفيق من راحته القصيرة ونهض واضعاً فوق رأسه قطعة رطبة من القماش تحميه من حرارة الشمس خلال ساعات تجوله الباقية: "الجو حر وبتعب من العملية بس ربنا كريم وبيرزقنى دايما".
فيديو قد يعجبك: