- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
بقلم - محمد أحمد فؤاد:
يتقلب مولانا المبجل في فراشه الوثير تقلبات متكاسلة مع انبعاث رنات هاتفه الخافتة وهي تعلن عن ميعاد استيقاظه اليومي.. تأتي تلك الرنات بانتظام من خلال تطبيق مواقيت الصلاة عالي الدقة الموجود على هاتفه الجوال الثمين المرصع بالأحجار الكريمة، هذا الذي حصل عليه كهدية من أحد مشايخ الأثرياء الذين يوقرون مولانا لما له من حظوة لدى العوام، وأيضاً لأنهم يعتمدون على فطنته وحضوره الطاغي وقدراته الاستثنائية على الفتوى بتحليل ما يستحبون وتحريم ما يكرهون.
انتهى مولانا سريعاً من مراجعة تدويناته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي الشهير ليتأكد من أن أحدهم بتعليق سخيف لم يعكر صفو قداسة صفحته الناصعة التي هي خزانة رصيده من الإعجاب والتبجيل على أفكاره العصرية الملهمة، تلك الصفحة التي أصبحت - طبقاً لأهوائه – بديلاً شرعياً يوفر قدر من المرونة أمام عناء البحث في كتب الفقه المقدسة لما تقطر به من تنوع شرعي عصري ملائم للبشر جميعاً، وهي أيضاً التي توفر أنماط متعددة من اختصارات فقهية مستحدثة لكل شيء، وتكفي للجميع لكي يصبحوا على جادة الصواب في طريقهم مباشرة إلى الجنة.. أو للنجاة من النار -حسب الحالة بالطبع- .. صفحة مولانا صارت بفعل ثورة التكنولوجيا مصدر معتمد لصكوك الغفران التي تعفي روادها من أي مسؤولية بحثية صريحة في الكتب السماوية كلاسيكية الطابع، والتي ربما أصابها مرض السل من فرط استنشاق الغبار على الأرفف.. يقوم مولانا مسرعاً من الفراش كي يتوضأ، ثم يرتدي قفطان القداسة الرسمي ويذهب ليلحق بصلاة الفجر ويكون في طليعة الصفوة ممن يذهبون للمسجد مكيف الهواء في هذا الحي الجديد المشيد على أطراف المدينة بعيداً عن ضوضائها وعشوائياتها وأوزارها...
ما أجمل صلاة الفجر.. فهي بركعتين فقط دائماً ما تفتح أبواب الرزق من حيث لا يحتسب المرء، وهي من اليسر حيث لا يسبقها إعداد أو حوار مع مرتادي المسجد.. فأغلبهم من الطاعنين في السن أو الفكر ممن يرجون فقط ضمان النهايات الأمنة دون جدال أو فصال.. لهذا، ولغيبوبتهم الفكرية يسهل إقناع معظمهم بدعوات وفتاوى لحظية من النوع العاطفي الذي يدغدغ المشاعر ويعزف على أوتار الراحة.. يُقبل أحدهم على مولانا المبجل بعد انتهاء الصلاة فيصافحه بحرارة ويشد على يده، فتتلامس ساعته المرصعة بالألماس مع مسبحة مولانا الذهبية ويصدر عنهما احتكاك رقيق ذو وميض مبهر.. ويسأل الرجل مولانا عما إن اتسع وقته الثمين لحضور ندوة في صالون ثقافي يقام الليلة على شرفه، فيتعلل مولانا بأنه مرتبط بتصوير حي في أحد الفضائيات الشهيرة لبرنامج دعوي يتكلف ألاف الدولارات لإعداده، لكنه سيحاول قدر المستطاع أن يتنصل من هذا الارتباط من أجل خاطر صاحب الدعوة مهما كلفه الأمر، ذلك حتى يعلي من قيمته الغالية أمام ضيوفه الكرام..! استوعب المضيف الرسالة الخفية، ورحب بسعادة وامتنان.. فمجرد حضور مولانا لمجلسه يكفي ليضفي عليه من المكانة الاجتماعية ما له قيمته وثقله في جميع الأوساط المحيطة...
يعود مولانا المبجل لمنزله بعد صلاة الفجر.. ويتسلل بهدوء إلى مخدعه كي لا يوقظ شريكة حياته التي هي متيمته وجام حبه.. أخذ يتطلع إليها عن بعد وهي ترقد في هدوء.. وتساءل متمنياً: ربما ستستيقظ الأن..!؟ داعبته ذاكرته بخيالات لقائهم الأول.. هي التي كانت تعمل منسقة للعلاقات العامة بمركز ثقافي يتبع سفارة إحدى دول بلاد الكفر التي نزعت مؤخراً عباءة الشيوعية، وأظهرت ما لديها من قدرات تنافسية مع الدول الرأسمالية الكبرى، فسرعان ما تغيرت نظرته لهم حتى إنه قرر إدراجهم في عِداد أهل الكتاب بدلاً من درجة الكفار لأسباب سياسية أو اقتصادية، وربما عاطفية.. كانت فتاة ساحرة بالرغم من بساطتها المتناهية، طاغية الجمال بلا تكلف، مقبلة على الحياة، لكن مع الأسف لا دينية، - أو كافرة بمنطق بعض فقهاء العهد البائد- ..! منذ أن راها في إحدى الندوات وقد أسرت قلبه وأصبح بها متيماً، حتى أنه تبرع على غير عادته بمحاضرات مجانية في هذا المركز فقط ليتمكن من رؤيتها والتواصل معها بشكل رسمي وشرعي بالطبع.. كانت هي الأخرى معجبة بمظهره الوقور، فهو الشيخ الجليل الذي يتحدث اللغات الأجنبية بطلاقة، ولا يعبأ بإطلاق لحيته، أو بالظهور بالزي الديني المميز، وهو الذي يعاملها بلطف متناهي وطالما اسمعها من معسول الكلام ما عوض لديها ما عانته من نظرات هؤلاء المتشددين المقفهرين الذين طالما رمقوها بنظرات تخترق جسدها بلا شفقة، وتتطلعوا لها فقط بشكل غرائزي مبالغ فيه..
كانت اللحظة الحاسمة حين صارحها برغبته في الارتباط بها على الرغم مما بينهم من فوارق مذهبية وعقائدية.. الأمر سهل كما يراه مولانا، فهو يمتلك من أسرار المعرفة الفقهية ما يكفي ليجعل الحياة بينهما هي طيب المنتهى ومبعث السعادة الأبدية.. ولم يغفل مولانا أن يتعهد لها بأنه سيكون المسئول عنها مادياً ومعنوياً منذ لحظة الارتباط، وهو الأمر الذي يعرف جيداً أنه مفتاح اللغز.. فأي فتاة في ظروفها – تلك التي درسها مولانا بعناية - ستكون أكثر احتياجاً لعلاقة شرعية رسمية تضمن لها حياة كريمة بعيداً عن التنطع على موائد من يرغبونها لنزوات لحظية تنتهي دائماً إلى تكاليف باهظة نفسياً وجسدياً ربما قبل أن تبدأ..
أخذ مولانا على عاتقه تلقينها مبادئ الشرع من منظوره الخاص جداً، ولم ينس أن يؤكد على أنها تمتلك حرية الاختيار -المشروطة بالطبع- .. بل أكثر من هذا، فقد غامر الرجل وفتح لها بعض خزائن أسرار الفقه المطاط الذي أعده ليصلح لكل الأزمان، حتى ظن أنه أصاب الهدف حين أظهرت هي اقتناع واضح، وبدت كأنها أصبحت على جاهزية لأن تشد الرحال إلى داخل حصون مولانا الآمنة وتقبل مشاركته حياته الوثيرة، وأن تصبح سيدة القصر..
يتبدل الحال، فمن غرفة ضيقة في منزل متواضع بالحي الهادئ طالما شاركت فيه ثلاث من زميلاتها في حياة صعلوقية تراوحت بين تدبر وشقاء لم تكن تحلم لها بنهاية، إلى رغد العيش برفاهية مفرطة في قصر منيف، لا يبدو أن هناك شيئا في الحياة ينقصه.. وها هي حساباتها الدقيقة لكل قرش كانت تكسبه أو تصرفه تتحول فجأة إلى لا مبالاة وبذخ بلا حدود؛ فأموال مولانا -كما قال- تبدو كالحسنات، تُعد بعشرة أمثالها وتزداد أضعافاً مضاعفة..
تصحو من النوم اثر مداعبة لطيفة على وجنتها من يد مولانا الملساء.. فتبتسم وتقبلها في نشوة وتسأله هل عاد لتوه من الصلاة، فيرد حمداً بالإيجاب.. ويسألها إن كانت تحتاج للمزيد من النوم..؟ فتقوم بنشاط وتطوقه بذراعيها في حنان ورغبة معلنة بداية يوم جديد لكلاهما.. تخرج من الغرفة لتسال الخادمة أن تعد القهوة والإفطار ريثما تغتسل وتستعد للنزول.. ومع سماع صوت الماء يتدفق ليداعب هذا الجسد المرمري الرائع الذي أصبح مؤخراً من الممتلكات شديدة الخصوصية لمولانا.. فجأة تنتابه القشعريرة، ويحل به السخط العارم؛ فقد أدرك مولانا أنه نسى أن يغتسل قبل الذهاب لصلاة الفجر..! ولا يوجد لديه مخرج شرعي لهذا المأزق على الرغم من قدراته الاستثنائية على ايجاد مخارج شرعية في العديد من أمور أخرى أكثر تعقيداً، وهكذا حدث نفسه.. للأسف فقد قُضي الأمر..! ترك هاتفه الثمين مفزوعاً وقام مسرعاً من فوق سجادة الصلاة الحريرية الزرقاء الممدودة دائماً في غرفته في تجاه القبلة، وذهب مطرقاً في خجل إلى الحمام ليغتسل، فالتقى بها على بعد خطوة واحدة من مكان مجلسه.. أنسته ابتسامتها الساحرة ورائحة جسدها الشهية ما حل به من سخط.. فتراجع عن وجهته واختصرت هي تلك الخطوة بعناق حار لم ينتهي حتى انتصف النهار، وحتى جاءت رنات هاتفه بنفس الصوت لتعلن هذه المرة عن موعد صلاة الظهر..
لا يعرف مولانا ما الذي دفعه ليتكاسل عن الذهاب للمسجد أو لعله تجاهل ذلك.. لكنه استقر على أن يؤدي صلاة الظهر في رحاب القصر، فهذا حتماً سيجعل البركة تحل داخل منزله، لأن الصلاة في المنزل على كل حال كفيلة بطرد الشياطين التي أنسته أن يغتسل قبل صلاة الفجر.. قام مولانا من مخدعه وذهب مباشرة ليغتسل.. أزعجه أن الماء الذي يتدفق على جسده أصبح له وقع الوخذات المؤلمة التي لا تكاد تكفي لإزالة أوزار طالما ظن أنه يحملها.. وتساءل مع نفسه متعجباً كيف إذاً تُغسل الضمائر..؟
فرغ مولانا من الاغتسال، وذهب مباشرة صوب سجادة الصلاة الحريرية الزرقاء.. وتضرع خاشعاً بصوت مسموع وشرع في اداء ركعات الظهر وعددهم أربعة.. وكانت شريكته تتطلع له بشغف وهو يصلي لعلها تستطيع يوماً أن تؤدي هذا الطقس المقدس بنفس الاحترافية التي يظهرها مولانا.. ما إن فرغ الرجل من صلاته حتى أحس أنه استعاد ثقته بنفسه، وقرر أن يعيد صلاة الفجر فربما تكون في الإعادة إفادة.. وما إن انتهى من الركعتين حتى رسخ في ذهنه أنه أخيراً قد حل الغز، وأن صلاته مقبولة ولا جناح عليه، فاستعاذ بالله ولعن هذا الشيطان الذي لا عمل له إلا إلهاء الإنسان عن الفضيلة...
نزل مولانا منتشياً وبصحبته سيدة القصر على الدرج الرخامي الأنيق إلى غرفة الطعام، وأمر الخادمة أن تنحي كل ما هو على المائدة بعيداً وأن تشرع في تقديم أصناف طعام الغذاء.. فطعام الإفطار البارد لا يليق بأن يقدم كوجبة الغذاء الأساسية.. باغتته شريكته بتعليق ربما لم يطرب له، وهو أنها سمعت من جدتها يوماً أنه أثناء الحرب العالمية الأولى كانت حصة أسرتهم بالكامل من الخبز فقط رغيف واحد في الأسبوع.. لهذا فهي تحمد له أنه يوفر لها من الرفاهية هذا الذي يعوضها عما سمعته من جدتها، وعن تاريخ لم تعشه.. ثم حولت الموضوع لسؤال أخر وهو عن ماهية علاقة اللون الأزرق بسجادة الصلاة؟ وهنا وجد مولانا أن الإجابة المباشرة بنفي العلاقة قد تفقده أحد أسهم الإقناع التي طالما تميز بها؛ فقال لها مازحاً أن لكل صلاة طقوس خاصة، والأشياء لا يجب أن تتشابه.. وبغموض وعدها بأن يقدم لها الدليل والبرهان حين يعود من لقاءه الهام الليلة حيث سيعقد صفقات رائعة..!
ذهب مولانا للصالون الثقافي، وصال وجال وأخرج ما في جعبته من حيل وفتاوى فقهية متعددة غير متشابهة بالطبع - حتى لا يقال أنه ينقل عن غيره - .. ونال الرجل المراد وقيمته مالاً وذهباً، وقدر عظيم من التوقير المقترن بالزهو.. وعاد لقصره في سيارته الفارهة منتشياً ليجد شريكته الوفية في انتظار نصيبها مما لديه من المعرفة كما وعدها.. ولدهشته وجد أنها أعدت من سجادات الصلاة خمسة قطع بألوان زاهية مختلفة، وخامات فاخرة متنوعة إعمالاً بما قال لها قبل أن يغادر وهو أن لكل صلاة طقوس خاصة، والأشياء لا يجب أن تتشابه...
النهاية..!
إعلان