إعلان

معركة الشيخ الشعراوي والدكتور زكي نجيب محمود

معركة الشيخ الشعراوي والدكتور زكي نجيب محمود

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الأحد 06 مايو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تابعنا جميعاً أصداء الأزمة الأخيرة التي نتجت عن وصف عضو هيئة تدريس بكلية التربية جامعة دمنهور في إحدى مؤلفاته المقررة على الطلاب، للشيخ الشعراوي - رحمة الله عليه- بالدجال" الذي عمل منذ سبعينيات القرن الماضي على تغذية – ما أطلق عليه – الهوس الديني لدى المصريين، وتدعيم تيار الإسلام السياسي، والتي انتهت بتحويل الدكتور للتحقيق داخل الجامعة على خلفية اتهامه بسب وقذف الشيخ الشعراوي، ووقفه عن العمل لمدة ثلاثة شهور لحين انتهاء التحقيق.

وبالطبع فقد انقسم المتابعون لتلك الأزمة على صفحات التواصل الاجتماعي بين فريق مؤيد للدكتور المذكور، يهاجم تاريخ ودور الشيخ الشعراوي، ويرفض تحويله إلى رمز ديني مقدس غير قابل للنقد، وينعي في الوقت ذاته غياب حرية الفكر والبحث العلمي داخل الجامعة، وبين فريق رافض لسلوك وموقف الأستاذ الجامعي، الذي تجاوز في حق شيخ جليل له مكانة كبيرة في نفوس وقلوب قطاع عريض من المصريين.

وقد أعادتني أصداء تلك الأزمة إلى أجواء المعركة الفكرية التي دارت رحاها في مصر في نهاية ثمانينيات القرن الماضي بين الراحلين الشيخ محمد متولي الشعراوي والمفكر الكبير وأستاذ الفلسفة الشهير الدكتور زكي نجيب محمود، رحمة الله عليه.

وقد بدأت المعركة عندما صرح الدكتور زكي نجيب محمود بأننا ممتلئون حقداً على الغرب لأنه يملك العلم وأدوات الحضارة، ونحن لا نملك إلا مجموعة من الكتب التراثية القديمة التي لا يرتبط معظمها بالعصر الذي نعيش فيه، وأن حقدنا هذا ناتج عن عجزنا الحضاري، والعاجز لا بد أن يحقد، ويدعي في نفسه تميزاً متوهماً ما ليس فيه على الحقيقة.

وضرب الدكتور زكي نجيب محمود مثلاً على ذلك بما فعله الشيخ محمد متولي الشعراوي حين سخر من الحضارة الغربية في إحدى حلقات برنامجه الأسبوعي لتفسير القرآن، الذي يذيعه التلفزيون المصري، فقال: إنهم في الغرب فرحون بصعودهم إلى القمر، فما قيمة ذلك؟!

ثم أخذ الشيخ من علبة المناديل الورقية التي أمامه واحداً وهزه في الهواء وقال: "هذه الورقة أنفع من الوصول إلى القمر".

وقد استفز هذا التصرف الدكتور زكي نجيب محمود، فتصدى لبيان خطأ هذا القول موضحاً أن الشيخ الشعراوي هو أول المستفيدين من الصعود إلى القمر؛ لأن إحدى النتائج الفرعية لهذا الصعود هي الأقمار الصناعية التي تنقل أحاديث الشيخ إلى العالم كله.

كما أن الشيخ يجلس أمام كاميرات التلفزيون فيدخل ملايين البيوت، والتلفزيون هو نتاج العلم الغربي، ولو كان الشيخ جاداً ويعتقد أن العلم الغربي لا يساوي منديل الورق - الذي هو أيضاً اختراع غربي- فكان عليه أن يرفض الجلوس أمام الكاميرا، ومقاطعة المنجزات التكنولوجية للعلم الغربي.

تلك هي أهم ملامح المعركة التي دارت بين الشيخ محمد متولي الشعراوي والدكتور زكي نجيب محمود، وفي ذروة حياة ونجومية وقوة الشيخ الشعراوي، وقد انتهت بتصالحهما بعد سجال وجذب وشد طويل، حتى أن الشيخ الشعراوي قام بعد ذلك بزيارة الدكتور زكي نجيب محمود في مرض موته، تعبيراً عن تقديره له، وصفاء الأجواء بينهما.

ولو تأملنا في جوانب تلك المعركة الفكرية لوجدنا أن موقف الدكتور زكي نجيب محمود، كان هو الأقوى والأكثر إقناعاً؛ لأنه يقوم على مبدأ رفض خداع الذات، ودغدغة أوهامها المتعلقة بتميزنا الروحي والديني على الغرب المادي البعيد عن الروحانيات والدين؛ لأن هذا الخداع يمنعنا من إدراك جوانب القصور العلمي والثقافي في حياتنا، والسعي للحاق بركب الحضارة الإنسانية كمنتجين فاعلين، بدلاً من أن نظل عالة على الحضارة الغربية ومنجزاتها العلمية والثقافية، ونعيش في العالم عيشة الغافل في جنة من الأوهام، هي أشبه ما تكون بـ "جنة العبيط" التي تكلم عنها ذات يوم الدكتور زكي نجيب محمود في كتاب له يحمل العنوان ذاته.

ورغم قوة موقف ومنطق وحجة الدكتور زكي نجيب محمود، فقد كان في منتهى الرقي الفكري والأخلاقي في إدارته لهذا الخلاف، وفي تعبيره عن وجهة نظره، دون تجريح ودون إساءة شخصية للشيخ الشعراوي وأتباعه.

وهذا درس يجب أن نتعلمه جميعا عندما نتصدى للنقد والكتابة في الشأن السياسي والديني، بهدف تحقيق الصالح العام، وكل تجاوز في النقد بلغة غير لائقة، أو تأسيساً على منهجية وغاية مشوشة، هو من وجهة نظري تعبير عن ضيق الأفق، وضعف الحجة، والبعد عن أخلاق العلماء، والعجز عن إدراك ألا أحد مهما كان شخصه وعلمه يمتلك الحقيقة المطلقة، وأن للحقيقة والإنسان دائماً وجوها كثيرة.

إعلان

إعلان

إعلان