إعلان

الإنسان وحالة الجحيم

د.غادة موسى

الإنسان وحالة الجحيم

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

01:32 م الأحد 27 أبريل 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ليس المقصود بالجحيم هنا مكانا مادياً أو عقاباً إلهياً بعد الحساب، وإنما هو الحالة النفسية التي يعيشها إنسان الألفية الثالثة والتي عاشها من قبله العديد من البشر ولكن في ظروف خلت من كل أنواع الترفيه والتقدم التقني والوفرة.

الجحيم كناية عن تعرية النفس البشرية التي تعيش في عزلة رغم الصخب المحيط بها. فهي حالة تحدث للإنسان عندما ينفصل عن الحياة والآخرين ويكون في مقعد المشاهد والمراقب. ويعزي علماء النفس هذه الحالة إلى الخوف والعجز والاغتراب الداخلي. فالجميع يتلصص على حياة الآخر بدون أن يقدم أي شيء له.

وقد عبر العديد من الفلاسفة عن تلك الحالة في أعمالهم الأدبية مثل رواية الجحيم L’Enfer للأديب الفرنسي هنري باربوس. حيث تحكي الرواية عن رجل وحيد يعيش في غرفة فندق في مدينة باريس، ويكتشف هذا الرجل ثقباً في الجدار وعبر هذا الثقب يرى حياة أخرى يعيش فيها الأفراد لحظات الفرح والسعادة والحب والحزن. وتكمن الإشكالية هنا في أن الرجل ظل يراقبهم بدون أن يحاول التواصل معهم. بل أن حياتهم دعته إلى التفكير في نفسه وحياته وحريته بل ووجوده. كل ذلك وهو عاجز عن التفاعل. هذا هو الجحيم الذي يعيشه الإنسان المعاصر الذي توافرت له كل سبل الحياة الرغدة فانعزل وتقوقع داخل

ذاته. والجحيم أيضاَ هو حالة العجز التي يعيشها الإنسان المعاصر الذي فقد القدرة على الفعل الحر بسبب الخوف على نفسه ومصالحه.

وتختلف تلك الرواية عن جزء " الجحيم" Inferno لدانتي في قصيدته الملحمية " الكوميديا الإلهية" في القرن الرابع عشر الميلادي. حيث تعتبر القصيدة عملا مباشراً لا يغوص في النفس البشرية وإنما يتصور دانتي نفسه في رحلة إلى الجحيم، حيث يرى الجحيم كمدرج أو كدوائر من الشر.

يمثل الجحيم في قصيدة دانتي حالة واقعية حقيقية مؤجلة. أما في رواية باربوس فيمثل الثقب في الجدار حالة رمزية للجحيم الذي يعيشه الفرد حيث يرى كل شيء لكنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً!

إعلان

إعلان