إعلان

أمة في خطر

أمة في خطر

خليل العوامي
09:00 م الإثنين 07 مايو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في أبريل عام 1983 أعلنت اللجنة الوطنية الأمريكية للتفوق في التعليم تقريرها "أمة في خطر" وهو التقرير الذي يعد علامة فاصلة في تاريخ التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث وصف مستوى التعليم الأمريكي بأنه بائس، بأكثر مما كان سائدا بين جموع الأمريكيين، وجاء مناقضا تماما لتصور وزير التعليم الأمريكي وقتها "تي إيتش بيل" الذي شكل اللجنة من 18 خبيرا من القطاع التربوي والعام والحكومي، في أغسطس 1981، لبحث تصور الأمريكيين من أن التعليم في بلادهم "ليس على ما يرام" .

بينما كان الوزير يعتقد أن اللجنة ستنصفه، وتصحح الصورة الذهنية عن التعليم لدى المواطنين.

ويكفي أن يقول التقرير "لو أن قوة أجنبية صديقة حاولت فرض الأداء التعليمي الحالي ضعيف الجودة على أمريكا، لاعتبرناه عملا حربيا".

أتذكر هذا الأمر وأنا أشاهد وأراقب حالة الخوف، والخلاف، حول نظام التعليم الجديد الذي أعدته وزارة التربية والتعليم في مصر، ليبدأ تطبيقه اعتبارا من العام الدراسي المقبل في سبتمبر 2018، وقطعا هو خوف مبرر، وخلاف مشروع، فالتعليم لا يتعلق بفئة بعينها، وإنما يتعلق بمصير أمة كاملة.

فعلى مدار عقود طويلة ظلت قضية التعليم تعاني إهمالا متراكما، وانتقلت من فشل إلى فشل، ومن ترد إلى ترد أكبر وأعمق، وليس جيلي فقط، وإنما جيل أو اثنين قبلي على الأقل استمعوا منذ الصغر، إلى علماء المناهج وخبراء التعليم، يتحدثون عن أهمية تطوير التعليم، وعبارات من نوعية أن التعليم هو قاطرة التقدم، ولا أمل في نهضة حقيقية بدون هذا التطوير.

ورغم ذلك لم يحرك أحد ساكنا، ونتيجة للفساد والإهمال الناتجان عن الجمود السياسي الذي عاشته مصر في عهد "مبارك" ساءت الأمور بصورة أكبر مما تخيل أكثر المتشائمين، حتى أن ترتيبنا في جودة التعليم وفقا لتقرير التنافسية الدولية بات مخزيا، ففي التصنيف الأخير جاءت مصر في المرتبة 129 من بين 137 دولة، وفي عام 2016-2017 كانت في المرتبة 134 من بين 139 دولة، وفي عام 2015-2016 كانت في المرتبة 139 من بين 140 دولة، أما في 2014-2015 فكانت مصر في الترتيب 141 من بين 140 دولة شملها التصنيف، أي أننا كنا خارج التصنيف العالمي تماما.

وبعيدا عن التصنيفات العالمية، ولغة الأرقام، فتدني مستوى مخرجات التعليم في مصر لا يخفى على أحد، فمن مستوى تلاميذ الابتدائي والإعدادي والثانوي الذين لا يجيد كثير منهم القراءة والكتابة، وصولا لخريجي الجامعات الذين لا علاقة لما درسوه بمتطلبات سوق العمل، حدث ولا حرج.

والحقيقة والحال كذلك، أتعجب من موجة الرفض المفزعة التي يتعرض لها برنامج تطوير التعليم. يا سادة نحن الآن "أمة في خطر"، نحن دون أي مواربة وبصراحة شديدة في "الحضيض"، وليس أدنى من الدرك الأسفل شيء، إذًا ما الذي يخيفنا من التطوير، وما الذي يقلقنا من محاولة النهوض، وما الذي يزعجنا من تقديم نموذج تعليمي طموح قابل للتطوير والتعديل وتصحيح الأخطاء؟

قلت سابقا إن الخوف الطبيعي مبرر، وهو خوف تتم إزالته بمزيد من النقاش والتوضيح، والثقة بين الدولة والمواطنين، ولكن ما ليس مبررا هو أن نترك أنفسنا فريسة سهلة لمراكز القوى، وأصحاب المصالح الذين يحاولون عرقلة المشروع دفاعا عن مصالحهم، ما ليس مبررا هو الاستسلام لقوى الرفض المجتمعي المحافظة التي تخشى التغيير وتقاومه مهما كان نوعه لمجرد أنهم يخافون فكرة التغيير حتى وإن كانت جيدة.

فقط ما كنت أتمناه وما زلت أن يكون الأمر خضع لدراسات ومناقشات موسعة، ما كنت أتمناه وما زلت، أن يشكل الرئيس عبدالفتاح السيسي لجنة وطنية عليا تضم مزيجا من المتخصصين والكفاءات ليس في التعليم فقط، وإنما في السياسة والاقتصاد والفن والآدب والعلوم والهندسة والطب وعلم النفس وعلم الاجتماع، لدراسة النظام، وإقراره، فمثل هذه المشروعات الوطنية الكبرى التي تتعلق بمستقبل البلاد والعباد، لا يفضل تركها لوزير بمفرده، مهما كان عالما، ولا يفضل أن تستحوذ عليها وزارة منفردة مهما كانت إمكانياتها.

إعلان

إعلان

إعلان