إعلان

نداءات الروح بلمسةٍ سوريالية

الكاتب الصحفي الدكتور ياسر ثابت

نداءات الروح بلمسةٍ سوريالية

د. ياسر ثابت
07:00 م الأحد 27 أبريل 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يحتج الفنان التشكيلي وهيب نصار على مادية العالم بطريقته.

ربما لهذا السبب تجده مهتمًا بتجسيد نداءاتٍ روحية تطفو من حين لآخر لتذكير الإنسان بإنسانيته.

تطغى على أعمال نصار البصمة الشعرية، وهو شاعر بالعامية، في حين تتجاذب أبطال لوحاته نزعات حسية متداخلة. يتسرب النقيضان إلى لوحاته، إن على مستوى توظيف الألوان، أو على مستوى الخطوط والمنحنيات، فنحن أمام أعمال تتسم بالطابع الحلمي، وبالرغبة في الانعتاق من الواقع، والدعوة إلى تقبل الذات كما هي، بكل ما تحمله من تناقضات.

هذا الفنان الذي تخرّج في كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية والحاصل على زمالة الأكاديمية القومية للفنون في امستردام، يسعى دائمًا إلى تجاوز الأطر الجامدة، مع انفتاح على تجارب الآخرين.

أعماله أرشيف بصري للإنسانية؛ إذ استطاع أن يمزج بين السوريالية والأشكال المعاصرة الجريئة. في المقابل، يمتلك هذا المبدع حسًا سرديًا لا يخلو من الحنين والاحتفاء بالماضي.

في أعماله، يلفت نظرك هذا التوازن بين البساطة الظاهرة والثراء البصري العميق؛ إذ تبدو اللوحة للوهلة الأولى كأنها مكونة من أشكال واضحة ومنظمة، لكن بمجرد التمعن فيها، سنجد طبقات متعددة من التفاصيل الصغيرة والتشكيلات البصرية التي تضفي على العمل حيوية خاصة.

مع ريشته، تتخلص الأجساد من ثقلها تمامًا، وتتوارى أشباح الانكسارات المخيمة على الوجوه.

يستخدم وهيب نصار في أعماله تقنيات مستوحاة من التراث والخيال، ممزوجة بلمسات معاصرة تعزز من قوة التعبير البصري، يستلهم مفرداته من الأيقونات، موظِفًا الألوان الغنية والهالات المضيئة التي تمنح وجوه الشخصيات بُعدًا روحانيًا فريدًا.

يخلق الفنان التشكيلي عالمه الأسطوري الخاص؛ إذ يغزل مشاهد لحكايات غامضة لا يدرك تفاصيلها إلا هو. ويمكنك أن تخرج بعد مشاهدة أعماله في معرضه الأخير تحت عنوان «فن من المهجر» (قاعة راغب عياد بمركز الجزيرة للفنون)، بيقينٍ ثابت ببراعة وهيب نصار في معالجاته اللونية وحبكته التكوينية، وتتجلى مهارته في ضبط النسب والأبعاد واهتمامه اللافت بالظل والنور.

يهتم نصار بالأرض بجذورها الراسخة وأغصانها الممتدة نحو السماء، وكأنها تربط بين الأرض وما تحمل من ألم وتحديات، والسماء التي ترمز للأمل والخلاص. وتصادف في لوحاته تفاصيل غريبة، لكنك على رغم غرابة تلك العناصر، تتقبلها وكأنها جزء من مشهد اعتدت عليه في حياتك اليومية.

لوهلة قد تتمنى لو تستطيع القفز داخل إحدى هذه اللوحات لتعيش بين أطيافها، فهي تعزلك عن صخب الواقع وتمنحك لحظات من المتعة البصرية النادرة.

في بعض الأعمال، يعتمد الفنان على الفراغات الكبيرة ليمنح التكوين نوعًا من الراحة البصرية، في حين يمتلئ بعضها الآخر بتفاصيل كثيرة تتراكم في اللوحات. هذا التفاوت بين الامتلاء والفراغ هو ما يخلق الإيقاع الخاص بأسلوبه، ويمنح أعماله بُعدًا دراميًا يشبه إلى حد كبير السرد القصصي المصور.

من السمات الأبرز في تجربة الفنان تلك الحساسية اللونية العالية التي يتمتع بها؛ إذ يتعامل مع اللون بروح شاعرية مرهفة، من دون أن يفقد إيقاعه البصري النابض بالحياة.

يستوقفك هذا السحر الساكن بين التفاصيل ودرجات اللون.

تشف درجات اللون الواحد في لوحات أو تتكثف على ورق الرسم، فتشي بأطياف أخرى من اللون.

نجد أن بعض الأعمال تتجه إلى درجات الأصفر النحاسي والرماديات المضيئة، مما يمنح اللوحات إحساسًا بالضوء والشفافية، في حين تتسم أعمال أخرى بالألوان الدافئة والمبهجة، في انسجام واضح مع طبيعة موضوعاته. أما أسلوبه في توزيع الألوان فلا يخضع لمنطق الواقع بقدر ما يستجيب لرؤيته الحالمة، فاللون في لوحاته ليس مجرد عنصر جمالي، بل أداة تعبيرية تمنح الشخصيات والعناصر طابعها الرمزي والمسرحي، ولعل هذا ما يجعل أعماله أشبه بمعزوفة تتراقص فيها الخطوط والمساحات بحرية وانسجام.

أعمال وهيب نصار لا تُقدِّم إجابات جاهزة بقدر ما تثير تساؤلات جديدة تدفع الجمهور إلى التأمل وإعادة النظر في أنفسهم وعلاقتهم بالعالم من حولهم. قد تكون الرحلة معقدة ومربكة في بعض الأحيان، لكن في النهاية يكمن الجمال في المحاولة ذاتها.

إعلان

إعلان