- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
أعددت ملابسي منذ المساء. بداخلي مشاعر مختلطة، البهجة لأنني سأخرج من حصار الجدران، وأنطلق على الطريق، متحررة من الضغط النفسي للحبس المنزلي. وقدر من الحذر والتوجس صار يلازمني حين أخرج للشارع منذ اندلاع وباء "كوفيد-١٩".
في الصباح أرجأت ارتداء الكمامة والقفاز حتى أصل للجراج بمقر عملي، أرتديهما قبل خروجي من السيارة مباشرة. حملت اثنين من جراكن المياه كان أحدهما يحتوي على سائل تنظيف، حقيبة يدي على كتفي ومن إصبع يدي تدلى كيس شفاف به فوط تنظيف وماسح للمياه. وقفت سعيدة أمام السيارة أتذكر زوجي الذي كان يحرص على نظافة سيارته مهما حدث، ولا يقبل أن يترك عليها أتربة أو خدشًا دون ترميم.
السيارة مركونة منذ قررت البقاء في البيت وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، تراكمت عليها طبقات من الأتربة وبعض أوراق الأشجار التي تظللها، فقد تركتها من دون الغطاء خوفاً من رياح الخماسين التي تطوح به حتى تخلعه، وتكاد تحطم المرآة معه.
منذ بدأت التحذيرات العالمية من مخاطر هذا الوباء، صرت أعتمد على نفسي في كل شيء، حتى أُقلل من تداول العملة الورقية التي في كل مرة ألجأ إليها أجدني مضطرة لعملية تعقيم للأوراق المالية تكاد تمزقها، دون أن أتخلص من شكوكي.
ثم النهوض والرجل الخفي
كانت الساعة تقترب من الثامنة والنصف صباحًا. والسيارات تنهب الشارع كأنها في سباق. سمعت صوتًا يسألني عن الجامع الأبيض. كان سائق تاكسي مُسنًا يبتسم، أخبرته بصدق بأنني لا أعرف؛ لأن المنطقة بها ثلاثة مساجد جميعها بيضاء.
واصلت عملي، بينما يصل لأسماعي صوت ضلفة بلكونة تئن أثناء فتحها. قبل أن أرفع رأسي شعرت بقدمي تنفلت من على الرصيف الخرساني الرفيع، كنت أقف فوقه؛ لأتمكن من تنظيف سقف السيارة.
لا أدري كيف ولماذا حدث ما حدث؟ كل ما أتذكره هو شعور مَنْ يسقط على مراحل، وفي كل مرحلة أتخيل أنني أُسيطر على الموقف وسينتهي الأمر عند هذا الحد، لكن السقوط يستمر. لحظات بطيئة من فقدان السيطرة على التواء قدمي وساقي، ثم السقوط فوق يدي اليسرى.
لم يستغرق الأمر ثواني معدودات، لحظة توقف فيها الكون ثم استأنف نشاطه. نهضت بأسرع ما يكون، قبل أن ألملم ذاتي وأفحص خسائري، أخذت أنظر حولي. رفعت رأسي لأرى هل ما زال أحد في الشبابيك المفتوحة؟ وأي من الناس كان يراني؟!
توقفت عيني عند رجل مسن يجتاز الرصيف أمام العمارة، سرعان ما تلاشى كأنه ارتدى طاقية الإخفاء. إنه من سكان عمارتي لكنني لا أعرفه ولا أدري في أي طابق يُقيم. كل المرات التي لمحته فيها كان يدلف إلى المدخل، ثم يختفي مثل الساحر، أحياناً أراه منطلقاً منه بنشاط إلى الشارع كأنه قادم من الغيب، أو واقفاً أمام سيارته يُمشطها بمكنسة في انتظام وثبات قبل أن يقودها فيبتلعه الشارع في جوفه.
لا تلمح عيوني أحداً في الشبابيك أو البلكونات. لم أنظر إلى ذراعي، ولم أشغل بالي به كأنه غير موجود. أكملت تلميع المرآة، وفتحت الباب لأجلس ففوجئت البنطال والقميص ملطخين بالتراب المبلل من الحشيش الأخضر، نظفتهما سريعاً بإحدى فوط السيارة، ثم بدأت القيادة خوفاً من التأخر على عملي. أقول لنفسي؛ إنها الحياة سقوط ثم نهوض. لا بأس، المهم أنني وقفت مرة ثانية.
الخوف من القادم
على الطريق بدأ شعوري بالألم، وظل يتزايد طوال ساعات العمل. كعادتي فضلت ارتقاء السلالم حتى الدور السابع. هناك علمت بخبر وفاة عامل الأسانسير. من جراء فيروس "كورونا المستجد"، وكأن اليوم أعلن عن نفسه باكرًا.
قرب الساعة الواحدة عدت إلى السيارة فخلعت القفاز بعد تعقيمه. وجدت يدي المتألمة قد تورمت وتحول لونها إلى الأزرق الداكن. فقط اثنين من الزملاء استعنت بهما بحثاً عن طبيب عظام ليرى الأشعة التي استلمتها ويقرر ماذا يجب عليَّ أن أفعل. لم أُخبر أحداً من أهلي أو أصدقائي بشيء لئلا أقلقهم. مرت ثلاثة أيام قبل أن أنطق بشيء. كنت أتذكر زوجي الذي كان لا يحكي عن آلامه وقت معاناته، بل كان يخبئها لئلا يزعج أحداً. عشنا حياة مشتركة على مدار ١٣ سنة. مرات عديدة كان يذهب فيها إلى الطبيب من دون أن يخبرني. أحياناً ينتهز فرصة سفري ويأخذ مواعيده مع طبيبه لاستئصال بعض «الخراريج والدمامل». عندما اكتشفت الأمر صدفة، عاتبته فقال: «ولماذا أسبب لك قلقاً وخوفاً، الموضوع بسيط يا صغيرتي».
لي تجربتان سابقتان مع الشروخ وتمزقات الأربطة، كنت تساهلت معهما لأنني لا أحب زيارة الأطباء والمستشفيات إلا عندما يدخل الأمر مرحلة الخطر. في التجربة الثانية، مع مفصل الركبة والآثار المصاحبة، أدركت أن ما يتم التغاضي عنه في السنوات السابقة سندفع ثمنه فادحاً في السنوات المتقدمة.
في الطوارئ كان هناك ست حالات حوادث. بسرعة أغمضت جفوني بمجرد مشاهدة أحد الكسور واللون الأحمر يٌغطيها. على البوابة الرئيسية أشار أحدهم إلى ذراعي المعلق في رقبتي قائلاً: «بيتهيألي إنك كنت داخلة سليمة؟»، فابتسمت وحمدت الله كثيراً.
آثار جانبية
أغلقت باب الشقة. وقفت خلفه ما يقرب من الساعة فقط لمحاولة التخلص من ملابسي، قبل أن أبدأ رحلة تعقيم كل شيء. كنت قد أُنهكت، لكن شعوري بأنني صرت في حماية وآمن جدران شقتي منحني إحساساً بالاطمئنان والسكينة، فجلست أفحص الأدوية التي اشتريتها وآثارها الجانبية. عادة داومت عليها منذ فترة مرض زوجي، عندما استيقظنا ذات صباح لنجد البقع الزرقاء تتفشى في منطقة البطن والساقين بشكل مثير للقلق. يومها تواصلت مع كل الأطباء المعالجين له فقالوا إنهم «لا يعرفون السبب، وأنه لا بد من إجراء تحاليل». عندها أمسكت بالنشرة الداخلية لكل دواء، وظللت أفحص بدقة آثاره الجانبية إلى أن توصلت للدواء المتسبب ومنعناه، فتوقف انتشار البقع الدموية الزرقاء.
بينما كنت أفحص الأدوية الخاصة بذراعي اكتشفت العديد من الآثار الجانبية المفزعة المتعلقة بالكبد، والسكر. تذكرت زوجي عندما كان يرفض تناول مسكنات للآلام في الأوقات الصعبة. كان زوجي زاده الخيال لكنه كان طبيباً ينطلق بخياله من أرض الواقع، فيربط بين جسم الإنسان وروحه وعقله، تأثرت به في أشياء؛ لذلك قررت -أنا أيضًا- عدم تناول أي أدوية. ثم بدأت رحلة بحث مطولة مستفيضة عن الأطعمة والنباتات والأعشاب المفيدة للعظام، ثم عدت لقراءة كتب عن المقاومة والصحة النفسية. كان ذلك في لحظة الصحوة واستعادة الأمل بعد ثلاثة أيام من اليأس، بسبب الورم المتزايد وسخونة يدي، وتزايد الألم الذي لم أعرف أبداً لماذا كان ينفجر في ساعات متأخرة من الليل.
بتلك التجربة اكتشفت أن اليد اليمني عاجزة عن فعل شيء بمفردها. انتبهت لقيمة اليد اليُسرى. لا ندرك أعضاء جسمنا إلا عندما نمرض. أشعر بأن احتياجي لليد اليسرى يُنغص عليَّ حياتي، مثلما أشعر بثقلها على رقبتي وعمودي الفقري. أعجز عن فتح البرطمانات، والزجاجات، وحمل الأوعية، أو رفعها، وتنظيفها، أو تقشير الفاكهة، وتقطيع الخضروات، أو إعداد شيء أتناوله.
ظللت أتأمل أصابعي، والشكوك تحاصرني مستعيدة تحذير الطبيب: «عينك على أطراف أصابعك دوما.. لو لونها أصبح أزرق أو أبيض تعالي فوراً. الطوارئ مفتوحة ٢٤ ساعة».
عن الرضا
أتذكر مقولة: «الرضا بقضاء الله». فألوم نفسي، وأحاول أن أصمد أمام حياتي المعطلة بالكامل، مؤقتاً. أبحث عن هذا الرضا. أُوهم نفسي بوجوده. من داخلي شيء ينفيه. أستدل عليه من غياب السكينة والسلام النفسي. من عيوني التي تقع على أشياء تقلقني، وتساؤلات اليأس والغضب تشعرني بلا جدوى ما أنجزت. أين كتبي مما أنا فيه؟
ثم في جوف الظلمة سألت نفسي عن دلالة ما حدث؟ مئات المرات انفلتت قدمي وكنت أوشك على السقوط لكنني كنت دوما كنت ألحق نفسي، وأنهض قبل أن أصل إلى الأسفلت؟ ما حدث كان مؤشرًا وإنذارًا.. فقد توقفت عن ممارسة الرياضة؟ مثلما توقفت عن عادة المشي. ونظراً لحرصي على عدم الخروج كثيراً؛ لتفادي الاختلاط، فلم يعد اعتمادي الأساسي على الخضروات والفواكه، بل زاد الطين بلة أنني عدت لتناول النشويات وفي مقدمتها الخبز والأرز اللذين كنت توقفت عنهما تماماً.
ربما كانت خطوات لا بد أن أمشيها حتى أستيقظ في لحظة وأنفض عني غبار اليأس، والتصالح مع ما حدث، بمواجهة مصيري والبحث في أسباب ما وصلت إليه، بالتشبث برداء التفاؤل، أن أبحث عن كل النماذج الإيجابية لأستعين بإرادتها. أتذكر البريطاني ستيفن هوكينج أحد أبرز علماء الفيزياء النظرية الذين لم يكن يتحرك في جسمه شيء واحد سوى العقل، وكيف قاوم هذا الشلل التام بالإرادة. تدريجيًا أخذ عقلي ينشط ويستعيد مواقف من مذكرات «النوافذ المفتوحة» للروائي شريف حتاتة، ورواياته.. كيف كان يغالب أبطاله السجن بالخيال، بالحركة، بالرياضة، بالسير في جنبات الزنزانة الانفرادية، ومخاطبة الذباب أو اصطياده، بتذكر الأفلام التي شاهدها، والذكريات الجميلة التي عاشها. وسط هذا كله تحل الذكرى السنوية الثالثة لزوجي -٢٢ مايو- فأستغرق في وجهه وابتسامته المضيئة كان يُساعدني على الوقوف حينما أتعثر، وعلى الفرح عند الحزن، وعلى الأمل عند اليأس. كان حبه مثل حب الأم تماماً، منزهًا عن الأغراض، ولا ينتظر مقابلاً له. كان أمله فيَّ كبيرًا، وهو يستحق ألا أخيب رجاءه، أبدًا.
إعلان