إعلان

التمرد في "إمبراطورية الرعاع"

د. ياسر ثابت

التمرد في "إمبراطورية الرعاع"

د. ياسر ثابت
07:18 م الأحد 20 مارس 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

قليلة هي الروايات العربية التي تتناول جانبًا من تاريخ مصر القديمة، وحياة ملوك تلك الحضارة، التي ما زالت تبهر العالم، وتحمل إليه العديد من الأسرار. ولعلنا نذكر رواية "كفاح طيبة" للروائي نجيب محفوظ التي نُشرت للمرة الأولى عام 1944، وهي الثالثة بين رواياته التاريخية بعد "عبث الأقدار" (1939) و"رادوبيس" (1943) وتُصوِّر كفاح شعب مصر في سبيل استرداد حريته وطرد الغزاة الهكسوس من بلادهم، في إسقاطٍ تاريخي للأحداث على كفاح الشعب المصري في أوائل القرن العشرين للتحرر من الاحتلال البريطاني وتحقيق استقلاله.

هناك أيضًا رواية "إيبو العظيم" للروائي وعالم الآثار د.حسين عبدالبصير، التي تدور أحداثها المتخيلة في مصر الفرعونية، خصوصًا في فترة ما بعد عصر الدولة القديمة من خلال سرد قصص مجموعة شخصيات في تلك الفترة شديدة التوتر والاضطرابات، حيث يقول د. حسين عبدالبصير: يتعلم القارئ من الحكيم "إيبوور"، كبير الكتاب في القصر الملكي في العاصمة "مَنف"، المهموم بمراقبة أحوال العباد في البلاد، ويتعرف إلى زوجته الجميلة "سِشن" وابنه "بِتاح"، ويعجب بالجميلة "مِيريت"، شقيق قائد الجيش الملكي "نخت"، ويقرأ قصص الكاتب "مرو" العاشق الشيقة، ويدخل إلى أعماق وأقوال وأفعال الكاتب المهرطق "جحوتي"، ويغوص في حياة وأسرار عشيقته المثيرة "حتحور".

وربما كان هذا هو أحد أسباب أهمية رواية أحمد عمر "إمبراطورية الرعاع" (المكتب العربي للمعارف، 2022) التي تلتقط حقبة مدهشة من التاريخ المصري القديم ، وتتناوله بطريقة سلسة ومبسطة، تجذب القارئ الراغب في الاطلاع على قطوف من تاريخ مصر القديمة.

تدور الرواية حول شِبسكاف وحبيبته نِفرميم، اللذين عاشا في فترة حُكم بيبي الثاني الذي حكم مصر أكثر من 94 عامًا. ربما تتكرر قصة شِبسكاف في التاريخ مرات ومرات، لكن هذا الشاب مات في أحد المعابد الفرعونية جنوبي مصر -حينذاك- بعد أن ظل لا يشيخ، تكفيرًا له لذنبه في الثورة التي قادها الملك تيتي الثاني، والتي كانت السبب فيما بعد لما يُعرف في التاريخ بعصر الاضمحلال، وكانت أيضًا من أسباب ضعف الدولة المصرية وسقوط أجزاء منها في يد الهكسوس المهاجرين من شرق أو وسط آسيا، كما يقول مؤرخون.

كان شِبسكاف ابنًا لأحد العامة، وكان والده ممن يعملون على تشكيل الحلي المعدنية؛ لذا كان مقربًا من الحاشية الملكية لصنعته المهمة.

ذات يوم رأت الفتاة الجميلة "نِفرميم" ذات الشعر الأسود الطويل، الفتى المقدام "شِبسكاف" فأعجبت به. تعارفا، وتعددت اللقاءات بينهما على ضفاف النهر، ثم دعاها لمرافقته إلى الصحراء لمشاهدته وهو يصطاد الغزلان والأرانب البرية. تمكن شِبسكاف في ذلك اليوم من اصطياد غزالة وأرنبين برّيين. كان يوم سعده، حتى إنه أخبرها بأنه يتفاءل بها جدًا؛ إذ لم يحدث له من قبل أن نال هذا الصيد الوفير. يدعوها وعائلتها وعدد من الجيران لتناول العشاء في بيت أسرته.

يحصل والد شِبسكاف على فرصة اختبار لضم ابنه إلى الجيش الملكي، وينجح الفتى في اختبارات الجسارة والشجاعة. يطلب شِبسكاف من والديه الذهاب معه إلى منزل والد نِفرميم لطلب الزواج منها وهو محمّلٌ بالهدايا. في تلك الفترة يبني شِبسكاف منزله الجديد ويتفق مع عائلة نِفرميم على موعد الزفاف.

بعد الزواج، يُستدعى شِبسكاف للانضمام رسميًا إلى الحرس الملكي، في التوقيت الذي تُخبره فيه نِفرميم بحملها.

يطلب منه قائده الاستعداد لمعسكر تدريبي قريب من الفرما لمدة شهر، لكنه يفاجأ بأن التدريب يخص القتال، استعدادًا للمشاركة في حرب أو معركة. يُمنح شِبسكاف إجازة لمدة شهر، على أن يعود ثانيةً إلى الفرما للتوزيع على المهام التي سيُكلف بها.

فوجئ شِبسكاف بأنه سيُرسل لخوض حرب في أقصى شمال أرض كنعان، ومحاربة إحدى الممالك هناك التي لم تُقدِّم فروض الطاعة والولاء للملك المصري.

أبلى شِبسكاف في المعارك بلاءً حسنًا ونال ترقيات متتالية تقديرًا لشجاعته، حتى أصبح قائد سرية. إلا أن قدمه اليسرى بُتِرت في إحدى المعارك على يد مقاتلين أعداء باغتوه وأصابوه بشدة. يخضع المصاب للعلاج، ثم يتقرر تسريحه مع منحه مكافأة تعويضًا له عن خسارة قدمه.

عاد شِبسكاف إلى زوجته وعائلته حزينًا متذمرًا، وسرعان ما يقرر التمرد والثورة مع آخرين على السلطات التي ترسلهم للقتال في أرضٍ غريبة، من دون تفسير كافٍ، قبل أن تتركهم للأقدار المأساوية حال مقتلهم أو إصابتهم.

"نحن من سنحكم" (ص 103).

بهذه العبارة تنطلق شرارة التمرد، ويتمكن شِبسكاف من تدريب كثيرين على القتال وتنفيذ مهمة الإغارة على قصر الملك وشنقه.

إلا أن الصدمة الحقيقية جاءت في ظل تفكك الدولة وانتشار الاضطرابات والفوضى، وسط تخبط الإدارة الجديدة التي تجهل كل شؤون الحُكم.

تتوالى أحداث "إمبراطورية الرعاع" التي تحمل مفاجآت، ولمحات من التاريخ، تشير في معظمها إلى إلمام جيد بالتاريخ لدى الكاتب أحمد عمر، الذي يحاول ببساطة تقديم التاريخ في قالب روائي سهل الفهم والاستيعاب.

إعلان

إعلان

إعلان