إعلان

قضية فلسطين من وعد بلفور إلى وعد ترامب

د. أحمد عبد العال عمر

قضية فلسطين من وعد بلفور إلى وعد ترامب

د. أحمد عبدالعال عمر
07:05 م الثلاثاء 04 مارس 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"قضية فلسطين في أصلها قضية ذاكرة؛ فاليهود جاءوا من أقاصي الأرض وخلقوا لهم ذاكرة في هذه الأرض من العدم، ونحن العرب في الطرف الآخر فقدنا ونفقد باستمرار ذاكرتنا وأرضنا بمخطط وضع لنا سلفًا".

هكذا تحدث الأديب الكبير والمثقف الوطني الراحل جمال الغيطاني (9 مايو 1945- 18 أكتوبر 2015) في نهاية حوار أجريته معه عام 2008 ونُشر بجريدة المدينة السعودية، وهو الحديث الذي تزداد الحاجة للعودة إليه هذه الأيام في ظل التطورات التي تشهدها القضية الفلسطينية، ومحاولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتصفيتها بشكل نهائي، وتهجير سكان غزة ومن بعدهم سكان الضفة الغربية إلى دول الجوار وعلى رأسها مصر والأردن، بما يفتح المجال لنكبة جديدة في تاريخ العرب المعاصرين شبيهة بالنكبة التي عاشها أجدادنا عام 1948.

ومتابعة لنصيحة الراحل جمال الغيطاني، أظن أن أحياء الذاكرة العربية وتجديد الوعي بتاريخ وأسباب حدوث نكبة 1948، ونتائجها المأساوية على الفلسطينيين خاصة والعرب عامة، ضرورة اليوم لتجنب حدوث النكبة الجديدة التي بدأو في رسم ملامحها في دوائر الحكم الأمريكية والإسرائيلية بعد وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض ووعده للإسرائيليين بتهجير سكان غزة، ولتكن البداية من وعد بلفور المشئوم الذي أعطى فيه من لا يملك لمن لا يستحق.

وبلفور كان وزيرًا في الوزارة البريطانية عام 1917، ويحكى أن زميلًا لبلفور دخل عليه حجرة مكتبه ذات يوم فوجده قد نشر خريطة فلسطين على مكتبه، ويحاول أن يُحدد عليها بالقلم ما يُمكن أن يعد به ليكون وطنا ليهود العالم. وعندما سأله زميله: ماذا أنت فاعل بسكان هذه المنطقة من الفلسطينين؟ أجابه بلفور من دون أن ينظر إليه: وهل لهذه المنطقة سكان؟!

إذن فمنذ البداية وأصحاب المصالح الغربيين الداعمين لمشروع الدولة اليهودية في فلسطين، لا يعتبرون سكان فلسطين موجودين، ولا ينظرون إليهم بوصفهم بشر أصلاً وأصحاب حق تاريخي في هذه الأرض.

وأظن أن دوافع هؤلاء اليوم في استمرار الدعم لإسرائيل لم تختلف كثيرًا عن دوافعهم القديمة في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وقد لخص هذه الدوافع ونستون تشرشل السياسي البريطاني الشهير، عندما وقف في مجلس العموم البريطاني عام 1917 شارحًا الأهداف التي تقف خلف وعد بلفور، فقال إن وراء هذه الخطة هدفين: الأول، إن قيام وطن يهودي في فلسطين من شأنه أن يمتص الثورة العربية، وبدل أن يتجه العرب بثورتهم تجاه بريطانيا، سوف يتحولون بها صوب الوطن اليهودي. وأما الهدف الثاني، فهو أن قيام وطن يهودي في المنطقة المقترحة من أرض فلسطين من شأنه أن يُقسم الوطن العربي إلى قسمين تنقطع بينهما الصلة الجغرافية الميسرة، ويدب بين العرب نوع من الفرقة الأبدية بسبب هذا التقسيم.

وقد كان حديث تشرشل في عام 1917، قبل ثلاثين عاما من صدور قرار الأمم المتحدة عام 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين، إحداهما للعرب من أهل فلسطين، والثانية لليهود. ليعلن بعد مرور ست شهور من صدور قرار التقسيم قيام الدولة اليهودية، التي أطلقوا عليها اسم " إسرائيل".

لتبدأ بعد ذلك حرب فلسطين عام 1948، التي انتهت بهزيمة ونكبة العرب الذين دخلوها بقدر عظيم من الحماسة والعاطفة القومية، وخرجوا منها بشعور عظيم بخيبة الأمل والمرارة، بعد اكتشافهم أنهم كانوا ضحية مؤامرة أخفت عنهم حقيقة ما يجري في فلسطين، وحقيقة القوى المتأمرة عليهم.

هذه هي الخلفية التاريخية لظهور دولة إسرائيل في المنطقة العربية، وهي خلفية لا غنى عن الإحاطة بها لفهم أبعاد المؤامرات الجديدة التي تحاك اليوم ضد الفلسطينيين والعرب، بعد عودة الرئيس الأمريكي ترامب لحكم أمريكا وحديثه الصريح عن مخططاته لمستقبل القضية الفلسطينية والمنطقة.

ويقيني الشخصي أن وحدة العرب اليوم بقيادة دولهم المركزية المعنية بالقضية الفلسطينية مثل مصر والسعودية والأردن، ودعوتهم عبر مؤتمر القمة العربية الطارئة في القاهرة اليوم لحل عادل ودائم للقضية الفلسطينية وفقًا لقرارات الشرعية الدولة وعلى على أساس مبدأ حل الدولتين، ودعوتهم لإعادة تعمير غزة من دون تهجير سكانها، يمثل أهم موقف جماعي موحد للعرب منذ حرب أكتوبر 1973، وهو السبيل الوحيد لإفشال وعد ومخططات ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة، وتصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد.

إعلان

إعلان