إعلان

ترامب هل سينقذه من الاغتيال أو المحاكمة قوانينه في عقد الصفقات؟

د. أمــل الجمل

ترامب هل سينقذه من الاغتيال أو المحاكمة قوانينه في عقد الصفقات؟

د. أمل الجمل
07:00 م السبت 12 أبريل 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

«العالم فوضوي. عليك حماية نفسك من خلال الهجوم»،
«لا شيء اسمه الحقيقة، فكلّ ما يقوله الناس حقيقة. لذلك، افرضْ حقيقتك. أنكِرْ كلّ شيء، ولا تعترف بشيء»،
ثم، «مهما كانت حالتك سيئة لا تعترف بالهزيمة، وادّعِ أنّك منتصر».

إنها ثلاثة قواعد أساسية يتمسك بها ترامب، في مساومات تتجاوز النزاهة، يعرف كيف يديرها، وينُهيها على هواه، فهو السيد المراوغ الماهر في عقد الصفقات، ورجل سياسات الإبتزاز، الذي ينهض على معرفة مكامن الضعف في الآخر، فيُمارس الضغط الأقصى الذي يرتكز على قواعده الذهبية السابقة - والتي تكاد تشبه السياسة الخارجية لأمريكا - والتي اكتسبها في شبابه من المحامي روي كُوِن، وردّدها البطل الذي يُجسد شخصية ترامب نفسه في المشهد الأخير لفيلم «المتدرّب» إنتاج (2024) لعلي عباسي، والذي يحكي عن صعود ترامب ومنهجه في الحياة.

أستعيد هذا الفيلم - الذي حاول ترامب منعه، ومقاضاة صُناعه، وتهديدهم - بمناسبة ما حدث خلال الساعات الأخيرة من قرار تجميد التعريفة الجمركية التي كان أصدرها ضد نحو ١٨٠ دولة بنسب متفاوتة. والتي تسببت في انهيار البورصة الأمريكية واهتزاز الأسواق العالمية، ثم بعدها بأيام معدودة يتراجع ترامب ويٌصدر قراراً بتجميد هذه التعريفات لمدة تسعين يوما مما جعل البورصة تقفز مجددا، لكن بعد تحقيق كوارث للكثيرين بينما جنى القليلون ثروات خرافية.

مكاسب شركة ترامب وتربحه من القرار
والتسريبات سواء للفيديو/ أو المعلومات التي تُدين ترامب لن تنجح في تقديمه للتحقيق أو المحاكمة، رغم دعوات بعض النواب ومطالبتهم بذلك، كما أنهم لن ينجحوا في إنهاء مدته في التجديد النصفي، ولن ينجحوا في الإطاحة به؟
إنه أمر مستبعد في تقديري الشخصي، وإذا راجعنا تاريخ ترامب سنتأكد من ذلك. فهو رجل لا يستسلم للقانون، لأن لديه قانونه الخاص. فهناك عدة قضايا أفلت منها، وقد أطاح بقضاة وشخصيات في مراكز مضادة له. إذاً، هو من دون شك يمتلك أدوات قوية.

لكل ما سبق، لا يكمن الأمر في إثبات التهمة، ولا في الإدانة، وإنما في: كيف يٌمكن أن تُزيحه وتٌطيح به؟ فقد أحاط نفسه بكتيبة تحميه، لأنها تتربح من ورائه بحيث تدافع عنه باستماتة وتبرر تصرفاته وأفعاله، فتصف قراراه الأول بأنه كان «تكنيك تفاوضي»، أو أن قراه الثاني كان «يحاول طمأنه السوق الأمريكي».

أقولها: لن يُحاكم ترامب، حتى وإن تمت إدانته. وذلك رغم قوة الفيديو المسرب الذي يتحدث فيه ترامب عن مكاسب بعض رجال الأعمال المقربين منه إثر قرار تجميد التعريفات الجمركية لأنهم كانوا على علم بالقرار، وهو أمر ضد القانون الأمريكي، وكذلك تغريدة رئيس الولايات المتحدة نفسه يوم ٩ أبريل عن بدء شركته للشراء في ظل انهيار البورصة.. إذ كتب تغريدة تقول: «الآن هو الوقت المناسب للشراء..»

وذلك أيضاًَ، رغم قوة حُجة الداعين للتحقيق ، إذ أنه بعد أربع ساعات فقط من تلك التغريدة أعلن ترامب تعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يوما فقفزت الأسهم مجدداً بشكل قياسي، وارتفعت أسهم شركة ترامب بنسبة 22%، ووفق المحللين وصحف أمريكية فإنه أضاف ٤١٥ مليون دولار إلى ثروته في ساعة واحدة فقط.

لذلك تمت الدعوة إلى فتح تحقيق في تورط ترامب في التلاعب بالسوق، مع تساؤلات حول استفادة أقاربه من تقلبات السوق عبر معلومات داخلية، فقد تم تسريب مقطع فيديو يظهر فيه ترامب مسرورا وهو يستقبل مضاربي الأسهم من بين مقربيه في البيت الأبيض، وهو يقول: "هذا حقق 2.5 مليار دولار اليوم، وهذا حقق 900 مليون دولار".

لذلك طالب عدد من النواب وأعضاء الكونغرس من الذين اشتروا أسهمًا مؤخرًا - من دائرة الرئيس المقربة - بالكشف عن معاملاتهم. لأنه وفقاً لبعض المصادر أن مجموعة صغيرة من المليارديرات المقربين بشكل خاص من ترامب علموا بتفاصيل خطة تجميد التعريفات الجمركية قبل 20 دقيقة من إعلان الرئيس عنها، وتمكنوا من استخدام معلومات داخلية في التداولات.

مَنْ يٌزيح ترامب؟
أعتقد شخصياً أن بعض أعضاء الكونجرس مستفيدون ويتربحون أيضاًَ من قرارات ترامب، لكن آخرين متضررون، فهل سيكفي هذا لتدبير خطة اغتيال جديدة على غرار اغتيال جون كيندي؟ أمر محتمل بنسبة ضئيلة جدا، لسببين:
الأول: أن كيندي كان يسعي لوأد الحرب، بما لديه من آمال عريضة وطموح نحو السلام تجسد في زمن صعب من الحرب الباردة، وكافة الوثائق التي خرجت للنور تحكي وتوضح تفاصيل العلاقة المضطربة بين الرئيس ووكالة الاستخبارات التي كانت تدعم الحرب وتنشر نفوذها الخارجي بشكل مُنتقد من كيندي.

حتى أن فيلم «جي، إف، كي» - JFK - نفسه - الذي أخرجه أوليفر ستون عام ١٩٩١ وشارك في كتابته وفاز بجائزتي أوسكار، من بطولة كيفن كوستنر - يُؤكد على مؤامرة الاغتيال ويشي بتواطؤ الاستخبارات.

السبب الثاني: لأن ما يفعله ترامب يُؤجج العالم، ويشعل فتيل الحرب، وهناك إناس كثيرون في دائرة صُناع القرار الأمريكان مستفيدون من ذلك لأنهم يمتلكون أذرع عميقة في إعادة تشغيل مصانع السلاح بأقصى طاقتها، وإلا لماذا يقف الكونجرس مكتوف الأيدي دون أن يحتج على الحكم الأحادي الجانب الذي يقوم به ترامب؟؟!! لماذا يتركونه يتخذ قرارات تنفيذيه تكاد تقترب من المائة، وهو أمر لم يصل إليه رئيس من قبله، أين قوة ونفوذ الكونجرس؟!
إنه أمر يشي بالتواطؤ والموافقة الضمنية. فهناك بنود في قانون التداول تؤكد على منع تسريب معلومات من الادارة الأمريكية إلى المتداولين.. إذاً، السؤال المطروح: ماذا لو كان المتداولون هم أنفسهم بداخل الادارة؟ ماذا لو كانوا هم أنفسم مَنْ يُديرون البلاد؟!

من أين يأتي الحل إذاً؟
أعتقد أن الحل سيأتي من بين صفوف المستثمرين المتضررين فعلياً من انهيار البورصة، من بين صفوف الشعب، ربما، فهؤلاء الأكثر غضبا وتأججاً، هؤلاء الذين أصابتهم خسائر فظيعة، ومنهم من "خسر الجلد والسقط".
صحيح أنه هناك ملايين من الشعب الأمريكي منحوا ترامب أصواتهم، لأنه باع لهم أسطورة ووهم «الحلم الأمريكي»، وعودة «أمريكا دولة عظمى مرة أخرى».. وإذا صدقوا مزاعمه بأنه «سيخفض الضرائب ويٌسدّد الدين الوطني»، مستخدماً أسلوب عاطفي: «لسنوات أْجبر المواطنون الأمريكيون الكادحون على الوقوف مكتوفي الأيدي بينما تزداد دول أخرى ثراء وقوة، وكان ذلك معظمه على حسبنا لكن الآن حان دورنا للإزدهار وكسب تريليونات الدولارات.»

لكن هؤلاء الناخبين أنفسهم سيكتشفون كذب كل ما قاله ويقوله ترامب، سيجدون ذواتهم وأفراد أسرهم وعوائلهم أمام بطالة وفترة من الكساد المرعب، يٌعيد للأذهان الكساد العظيم في ١٩٢٩ - وما أكثر الأفلام التي تناولته - لماذا؟

هنا، نجيب عبر تساؤلات آخرى: هل تُشكِّل تلك الخطوات التي قام بها ترامب - التعريفات الجمركية والمؤجلة ٩٠ يوماً- حماية حقيقية لوظائف التصنيع الأميركية؟ هل تلك التعريفات ستُعيد الشركات إلي أمريكا بدلا من الصين؟ وهل ستوفّر حينها فرص عمل للعاطلين في أميركا؟ فماذا عن المكننة التي تسبّبت بطرد مئات الآلاف أو الملايين من العاملين؟ ماذا عن الذكاء الاصطناعي الذي يُهدّد الإنسان في كلّ مكان؟

المؤكد أن الرابح الأكبر هو ترامب وشركته ودائرة معاونيه.. إن الخاسر الأكبر هو الناخب الأمريكي الذي أعطاه صوته، وحتى هؤلاء الذي لم يمنحوه أصواتهم. لأن قرارت دونالد ترامب لم تتوقف عند ضرب الاقتصاد العالمي، ولكنها أضرت باقتصاد بلاده ولن تنجو من إصابتها بالكساد الحتمي.

وببساطة نرد على تساؤل: لماذا تذهب الشركات إلي الصين؟ لأن الأيدي العاملة في الصين رخيصة جداً، دقيقة وماهرة جداً.. فهل سيقبل المواطن الأمريكي بالأجر الضعيف الذي يقبل به العامل والعاملة في الصين؟ إن الأفلام التي خرجت عن العمالة في الصين تكشف القهر والاستعباد الذي يعيشه الإنسان هناك، فهل سيقبل المواطن الأمريكي بذلك؟!.

الأمر الآخر: إذا نفذ ترامب خطته ورفع التعريفة الجمركية فهناك نتيجتين حتميتين: أولا من سيدفع فاتورة هذه التعريفة هو المواطن الأمريكي نفسه، لأنه هو الذي يشتري ويدفع، فبدلاً من الشراء بسعر رخيص، سيدفع هذه التكلفة.
ثانياً: الصناعة الوطنية الأمريكية، نفسها، لديها خطوط إمداد ومواد خام من هذه الدول التي رفع ترامب ضدهم التعريفات الجمركية، وهو ما يعني ارتفاع أسعار وتكلفة هذه المواد الخام مما سيعجل بالتضخم، ويسرع في انهيار النظام العالمي.

أعتقد أنّه مع الوقت، وربما عاجلاً جداً، سيكتشف الناخبون - الذين منحوه أصواتهم - خطأ تصوّراتهم، لأنه ستظلّ البطالة قائمة، وسيزداد الوضع سوءاً.

ويكفي أن نعلم أن إحصاءات العام الماضي كشفت أن هناك ٣٤ مليون أمريكي مصنفين ضمن هوامش الفقر. نضيف لذلك الحديث المتكرر عن استهداف الضمان الاجتماعي، وهو أمر داخلي يهز عرش ترامب، ولنتذكر أن السيناتور الأمريكية إليزابيث وارن أكدت أن ما يحدث الآن ليس له نظير منذ العام ١٩٢٩، مؤكدة أنه لا يمكننا السماح لدونالد ترامب بمواصلة تعريض حياة ومصدر رزق كل أمريكي للخطر.

المؤكد أن هذه مرحلة انتقالية مفخّخة بالاضطراب.
لكن ما فعله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي جاء يحمل دلالة وبُشرى للفرج، بموقف سياسي شديد الذكاء يجب أن يقتدي به كثيرون من قادة المنطقة العربية على الأقل، فقد بدأ السيسي في إقامة علاقات وتحالفات مع آخرين من المنافسين أو المعارضين لترامب، سواء مع الأردن وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية والآسيوية، وآخرها أندونيسيا لتقوية الروابط وإقامة علاقات إقتصادية وربما سياسية لمواجهة عنترية وبلطجة رئيس أقوى دولة في العالم.

كذلك، واصل الرئيس عبد الفتاح السيسي الاحتماء بقوته التي تتمثل في إعادة بناء الجيش وتسليحه، وإعادة تخطيط وتشييد البنية التحتية، وفي مقدمتها شبكة الطرق والكباري، على أعلى مستوى، وقرر تنويع مصادر شراء السلاح والواردات.. وهو تكنيك وتخطيط سياسي حكيم كلما مرت الأيام تؤكد صوابه.

لذلك، من صالح دول المنطقة أن تهتدي بتفكير السيسي، لأنه لولا موقفه الصامد ورفضة الحازم من تهجير أهالي غزة لما تراجع ترامب، لقد أدرك الرئيس المصري ببصيرته وحنكته حقيقة وجوهر أسلوب ترامب ومناوراته، فرد عليه بأسلوب مَنْ يُدرك قواعد اللعبة، مستنداً على أمرين أنه سياسي محنك صبور قادر على الرد المناسب، وأنه صاحب حق متمسك بحقه ويدافع عنه حتى الرمق الأخير.

إعلان

إعلان