بناية ''العفاريت'' في الإسكندرية بين ''الثورة'' و''الثورة المضادة''
القاهرة - (الأناضول):
بعد أقل من عامين على نجاح شباب مصر في كسر حاجز الخوف من ''الدولة ألأمنية'' في عهد الرئيس السبق حسني مبارك في 25 يناير 2011، نجح شباب محافظة الإسكندرية الساحلية في تحرير بناية معروفة باسم ''عمارة العفاريت'' (الجن) من أغلال الأساطير التي تحاك حولها منذ أكثر من نصف قرن.
ولم يكن مصير الثورة التي قام بها شباب الإسكندرية لتحطيم أسطورة ''عمارة العفاريت''، بأحسن حالا من الثورة الأكبر التي قاموا بها في يناير 2011، فرغم أن الأيادي صفقت لصناعها في البداية، إلا أنها وقعت هي الأخرى أسيرة لما يعرف بـ ''الثورة المضادة''، التي قادها من هم أكبر سنا.
العمارة التي تقع في حي رشدي بالإسكندرية، وفي واحد من أهم شوارع المدينة، وهو شارع أبو قير، لم تر النور منذ أنشئت عام 1961، فكما يقول سكان الحي ، ''نوافذها دائما مغلقة، ولم يمكث بها أحد أكثر من أسبوع، بل أن تصميم العمارة نفسه غريب، حيث صممت بطريقة لا تجعل الشمس تشرق عليها، وصارت عنونا للأساطير، فلا تحتاج للذهاب إلى هناك سوى أن تقول لسائق تاكسي أريد الذهاب إلى ''عمارة العفاريت''.
''ما عفريت إلا بني آدم''.. هذه العبارة التي تنتشر بالأوساط الشعبية المصرية، كانت أحد الدوافع الرئيسية التي وقفت خلف الثورة على أسطورة هذه العمارة، والتي تم الدعوة للتصدي لها من خلال صفحة على موقع ''فيس بوك ''، تماما كما دعى الشباب لثورة يناير من خلال نفس الموقع.
محمود الدكروري، أحد من شاركوا في تجربة اقتحام العمارة يروري لمراسل الأناضول ''كما أن الأساطير تنتشر في الأوساط الشعبية، فإن الكلام المفيد يوجد أيضا، ونحن قررنا ترك الأساطير والأخذ بالكلام المفيد من عينة (ما عفريت إلا بني آدم ) وقررنا اقتحام العمارة'' بعد أشهر قليلة من ثورة يناير.
''لم يكن قرار الاقتحام سهلا، فكما كان لثورة يناير معارضيها من كبار السن، عارض سكان الحي من كبار السن الذين عاشوا وتعايشوا مع أسطورة العفاريت في عمارة رشدي هذه التجربة''، حسبما يحكي الدكروري، مضيفا ''بل أن بعضهم، نصحنا بالابتعاد خوفا من مصير مجهول على يد ''العفاريت''.
لم يعبأ الشباب بهذه التحذيرات، وكان القرار لابد من المضي قدما في الاقتحام، الذي تم بالفعل في نهاية أغسطس/أب 2012، في حضور العشرات، وعلى أنغام تصفيق حاد وصافرات أطلقها من شهدوا التجربة.
''تجول الشباب في العمارة ووصلوا إلى أعلى طابق بها، وصار هؤلاء الشباب ملء السمع والبصر في الإسكندرية''، كما يقول الدكروري.
''لم يهنأ الشباب بنجاحهم، فلم يرق لكبار السن أن ينكسر حاجز الخوف الذي بنوه بأساطيرهم حول العمارة، وفور نجاح التجربة، استدعى كبار السن قوات الأمن التي أغلقت كل مداخل العمارة، منعا لتكرار دخولها، وعادت الأساطير مره أخرى إلى الشارع السكندري حول تلك العمارة''، كما يقول لمراسل الأناضول أحمد عباس، أحد الشباب الذين شاركوا في اقتحام العمارة.
وبلهجة ملؤها التحدي يعلق عباس على هذا الموقف قائلا: ''لن نسمح لهذه الثورة المضادة أن تهدم ثورتنا على أسطورة عمارة رشدي، سنعيد التجربة مرة أخرى، وقد نخطط للمبيت بها ليوم كامل''، مردفا في حسم ''لن نسمح للأسطورة أن تعيش بيننا مره أخرى، فديننا يدعونا لاستخدام العقل''.
ومن الأساطير التي تحيط بهذه العمارة التي بنيت عام 1961 أن صاحبها هو الخواجة اليونانى بارديس ،الذى بناها وأحضر زوجته وأولاده الخمسة ليعيشوا فيها، لم يمر أسبوع حتى خرج في رحلة صيد هو وأولاده ولم يعد منهم أحد، فاضطرت زوجته لبيع المنزل وسافرت بلدها.
وامتدت لعنة هذا المنزل لعائلة قطنته بعد انتقال ملكيته من السيدة اليونانية لمصري، وكما تقول الأساطير فإن عائلة تسمى عائلة ظريف استأجرت شقة بالدور الأول، وبعد يومين اندلع حريق هائل في الشقة دمرها تماما ومات السيد ظريف في الحريق فتركت العائلة الشقة واغلقتها.
ومن الحكايات الأخرى أن طبيب اسنان استأجر شقة بالطابق الثاني ليتخذ منها عيادة، وقبل ان يفتح العيادة بعد ان جهزها وادخل بها مكتبة ومعداته، صدمته سيارة أثناء عبوره الطريق.
ولا تتوقف الأساطير عند هذا الحد، حيث يحكي الشارع السكندري أن الدوران الثالث والرابع استأجرتهما شركة اجنبية ولم تمر ايام حتى تعرضت الشركة لخسائر فادحة فأفلست واضطر صاحبها للاستدانة دون جدوى وكان معرضا للحبس، فانتحر.
ويستمر مسلسل الأساطير فيقول بأن البناية استمرت بلا أي سكان حتى عام 1990، حين وفد إليها ساكن جديد، وكان شابا على وشك الزواج، استأجر الدور الثاني وقام بتجهيز الشقة.. وقبل الزواج وجد بقعا حمراء على الحوائط ولكنة لم يهتم لان موعد العرس كان على بعد ساعات قليلة، وفى منتصف الليل حضر العريس وعروسة بعد الفرح ودخلا الشقة وبعد دقائق وجد الأهالي العريس والعروسة مغمى عليهم في الشارع، ويقال أن العريس بعد ان دخل الشقة أراد أن يستحم ففوجئ بأن المياه تتحول إلى دم ينزل من الصنبور، ووجد العريس زوجته تصرخ فخرج مسرعا ليجد قطة سوداء تقف على السرير وكان حجمها في حجم الكلب الكبير.
ويحكي أهالي المنطقة أن سبب اللعنة التي تطارد كل من يسكن العمارة، ان الارض التي بنيت عليها كانت مدافن مجهول اصحابها، ويقال ان المدفونين بها ماتوا في حوادث قتل غامضة وارواحهم معذبة تؤذى كل من يسكن البناية.
كل هذه الأساطير التي حيكت على مدى عقود هدمها الشباب في دقائق، ولكن يبدو أن مجهود الأعوام السابقة في تأليفها لم يرق لكبار السن، فقررت ''الثورة المضادة'' هدم التجربة، فهل ينجح الشباب في استعادتها؟.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: