على باب "التظلمات".. أحلام الطُلاب "هرستها" نتيجة الثانوية العامة (معايشة)
كتبت-دعاء الفولي:
منذ عدة سنوات حصلت الابنة الكبرى لحنان محسن على مجموع 80% بالثانوية العامة. لم ترتضِ الطالبة حينها بذلك، تظلّمت لدى الإدارة التعليمية المختصة، وحصلت في النهاية على درجتين زائدتين.. تتذكر الأم كيف مرت تلك الفترة بصعوبة، فيما يعتريها القلق بعد تكرار الأمر، ذلك العام، مع ابنتها الأصغر هدير طارق.
بينما بدأ أمس التسجيل لتنسيق المرحلة الأولى بالثانوية العامة، وقف أولياء أمور وطُلاب خارج مدرسة السنية الثانوية، والسعيدية الإعدادية بنين لتقديم التظلمات لأبنائهم؛ بعضهم لا يفهم ماذا حدث، آخر يضرب كفّا بكف، يتساءلون بضيق "ولادنا مذاكرين.. إزاي جايبين المجاميع دي؟"، يسعون لبضعة درجات إضافية، قد تنقل أولادهم من مستقبل لآخر.
سيطر اليأس على ملامح هدير، فيما عاودت والدتها كرة الإجراءات الروتينية "بندفع 100 جنية على المادة في البنك ونجيب الوصل للمدرسة وبعدين يتحدد لنا ميعاد لإعادة التصحيح". حصلت الطالبة بشعبة علمي علوم على 93% "كان نفسي ألحق صيدلة"، لكن والدتها أصرت على التظلم في مادتي الجيولوجيا واللغة العربية "هي ناقصة في كل مادة منهم 5 درجات". بات حلم الفتاة صعب المنال "بس أدينا بنعمل اللي علينا وخلاص" حسبما تقول الأم.
يبلغ عدد المتقدمين للثانوية العامة ذلك العام 656343 طالبا، بالإضافة لطلاب المدارس التي تطبق مناهج دولية. فيما وصلت نسبة النجاح العامة لحوالي 74%.
11 ساعة خصصتها دنيا عاطف يوميا لمراجعة دروسها "كانت بتنام أربع ساعات بالكتير في اليوم"، تحكي والدتها بأسى عن "الطالبة المجتهدة" كما يُلقبها معلموها "عشان كدة مش عارفة إزاي جابت 66%".
دراسة الطب كانت هدف الطالبة التي توجهت لمدرسة السنية بحثا عن حل. لم تكن الأزمة في الدرجات فقط "سقطت في الكيميا والفيزيا" كما تحكي دنيا، لذا حتى وإن تم قبول التظلم في الخمس مواد التي تقدمت بها "مش هترفع درجات كتير بس على الأقل الظلم اللي حاسة بيه يقل شوية".
بمجرد أن حصلت دنيا على نتيجتها أغلقت هاتفها المحمول. غابت الفرحة عن المنزل "بابا كان حاطط أمل عليا عشان انا الكبيرة"، ظل الوالد يدعمها على مدار السنة، وفي أيام الاختبارات "مكنش بيروح الشغل.. كان بيستناني أخلص امتحان ويروح يجيبني عشان يطمن".
بعد استيعاب الصدمة فتحت الفتاة كتب الكيمياء والفيزياء استعدادا لامتحان الدور الثاني، مازالت حائرة بين استكمال الطريق أو إعادة السنة "بس في كل الأحوال الهم كبير".
لم تكن حبيبة رمضان تُعاني كزميلاتها الواقفين أمام مدرسة السنية "محتاجة درجة ونص زيادة في الإنجليزي". حصلت طالبة العلمي علوم على 77%، لكن ذلك لا يهم "لأني كنت بخطط أدخل تمريض قوات مسلحة"، ورغم أن مجموعها الكلي يوفر لها ذلك "بس الإنجليزي لازم أنجح بـ35 من خمسين وانا جايبة 33 ونص".
النتيجة ككل ليست مُرضية لحبيبة "انا حليت أحسن من كدة.. أكيد مش هدخل علمي علوم ألعب"، تتمنّى أن ينصفها تظلم اللغة الإنجليزية، فالتمريض العسكري "أضمن حاجة لمستقبلي وشغلي".
بمفرده ذهب عبد الرحمن سامح لتقديم التظلم في مادة الفيزياء. لم يكن الطالب الحاصل على 90% مقتنعا بضرورة الخطوة "انا مجموعي يدخلني كلية حاسبات ومعلومات وده اللي انا عايزه"، لكن والده أصرّ على التظلم "لأنه عايزني أدخل هندسة".
يدرس سامح بمدارس المتفوقين في العلوم والتكنولوجيا STEM والتي توسعت الدولة مؤخرا في إنشائها، دعما للموهوبين في العلوم والرياضة، إذ بدأت التجربة في 2011 بمدرسة 6 أكتوبر في الجيزة كمنحة أمريكية للطلاب المتفوقين، ووصل عددها ذلك العام إلى 11 مدرسة موزعة في بعض المحافظات.
تختلف الدراسة في مدارس المتفوقين عن نظيراتها "أصعب كتير.. كل مادة لها امتحانين.. معندناش منهج محدد يعني بنذاكر من مراجع مفتوحة"، يُعدد سامح سمات مدرسته "عشان كدة هندسة بتاخد من عندنا مجموع أقل من الثانوية العامة".
نظرا لحداثة التجربة في مصر "احنا بنعاني لأن مش عارف تنسيقنا ماشي إزاي" حسبما تقول رقية حسن، الطالبة بأحد مدارس المتفوقين، والتي ذهبت رفقة اثنتين من صديقاتها "عشان احنا التلاتة شايلين مواد".
لا تصدق رقية ما حدث "احنا داخلين المدارس دي بمجموع 98% في إعدادي.. إزاي نجيب ملاحق؟"، ما هوّن عليها الموقف أنه تكرر مع كثير من أصدقائها "اللي شايل مادتين واللي شايل تلاتة.. التانية على مدرستنا جايبة 92 % بس طالعة بمادة". تجهل الفتيات مصيرهن "أولياء الأمور هيروحوا المديرية التعليمية ويحاولوا يتصرفوا". قبل النتيجة بلغت الطموحات عنان السماء "اللي عايزة تدخل طب واللي هندسة"، فيما الآن قد يُحرم بعضهم من المنح الأجنبية الجامعية إن لم يتم حل الأزمة.
لليوم الثالث تستقبل مديريات التربية والتعليم في المحافظات طلبات التظلم في الثانوية العامة، حيث بلغت عدد التظلمات في اليوم الأول 17 ألفا و650 تظلما، حسب تصريحات خالد عبد الحكم، مدير عام الإدارة العامة للامتحانات ونائب
رئيس امتحانات الثانوية العامة، لمصراوي.
داخل مدرسة السعيدية الإعدادية بالجيزة، تشاركت الأمهات أسباب مجيئهن، فيما انعزلت هبة محمد في ركن بعيد، أسندت ظهرها إلى أحد المقاعد، انتظارا لقدوم ابنها بعد تقديم التظلم بالدور العلوي.
كانت الأم تعرف أن مجموع ابنها لن يكون مرتفعا "قلت ممكن يجيب 80%"، لكن انخفاض النتيجة لــ60% أصابها بالذهول "انا مبنامش من يوم النتيجة"، مازالت تتذكر نظرات أقاربها لها "كانوا فاكرين إني بكذب لما قلت لهم المجموع، عشان عارفين إن محمد مش خايب للدرجة دي".
قبل الصف الثالث الثانوي، أصرّ محمد على الالتحاق بشعبة الأدبي "من كتر ما هو بيحب التاريخ". تلمع عين الأم فيما تسرد علاقته بمنهج المادة "كان بيقفل امتحاناتها علطول.. الأساتذة بتوعه ياما جابوا له هدايا عشان شاطر فيها.. حتى في سنة تالتة كان بيحل نماذج امتحانات أصعب من اللي جه آخر السنة"، لذا لا تستوعب هبة كيف حصل ابنها على درجة النجاح فقط في المادة "كان بيأهل نفسه من زمان يبقى مدرس تاريخ".
"انا عارفة إن التظلم مفيش منه فايدة.. فلوس هنرميها على الأرض"، تقولها هبة قبل أن تضيف "بس مش عايزة أكسر خاطره.. العيل اما بيذاكر بيصعب عليه مجهوده"، كان قرار إلحاق الابن بالثانوية العامة صعبا عليها "كنت عايزة أديله فرصته.. عشان كدة نفسي بس يلحق أي كلية".
فيديو قد يعجبك: