ضحكة في سماء المخيم.. صورة تساعد في تركيب أطراف لطفل سوري
كتبت-إشراق أحمد:
تصوير- محمد سعيد:
كانت لحظة خاطفة لقلب المصور محمد سعيد؛ في مخيم بيرة ارمناز بمحافظة أدلب السورية، يجلس خالد مصطيف رفقة صغيره محمد، يلاعبه في حنو لافت، لا يبالي لمصاب ابنه المولود بدون أطراف داخل خيمة تعصف بيها الأجواء صيفًا وشتاءًا ولا تأمن القصف. تسمر المصور الصحفي أمام المشهد، ودون تردد طالب الأب بالتقاط صورة لهما، فكانت تلك اللقطة سببًا في تغيير واقع أسرة الصغير؛ في غضون الشهر استطاع ذو العام والنصف أن يسير بأطراف صناعية.
تقع خيمة مُصطيف على طريق المخيم الواقع في ريف إدلب –شمال غرب سوريا، قبل 8 أعوام سكنها الأب وأسرته بعدما فر من منزله في ريف حماة، فيها استقبل طفله الثاني محمد، بعيدًا عن دياره التي تبعد نحو 89 كيلو مترًا، زادته ولادة ابنه همًا فوق غربته داخل بلاده وإصابة قدمه جراء القصف، حمل الأب وليده، نظر إلى أطرافه المفقودة بينما يفكر "شلون بده يعيش ويكفي عمره بدون أطراف؟".
أيام والحزن يخيم على المزارع السوري، لكن سرعان ما نفض عنه الهم "حمدت الله أنه عطاني محمد. هذا منحة وامتحان وإن شاء الله نكون قده". قرر الأب أن يحمل صغيره ويعينه على الحياة، ويسعد به، حول خيمته البسيطة وضع أواني للزرع، وضم إليه أسرته منتظرًا الفرج.
وبينما كان يمرر مصطيف أوقاته في المخيم، كان سعيد يلملم تفاصيل الحياة في سوريا، التحق الشاب بالتصوير الصحفي وهو ابن السابعة عشر عامًا، أوقفت الأحداث الدامية كل شيء إلا عزيمة المصور السوري، منذ عمله قبل 6 أعوام ويؤمن الشاب بدوره في نقل ما يعانيه السوريين داخل بلادهم، بإمكانيات محدودة يواصل أسبوعيًا المرور على المخيمات، يوثق بالصورة حال أهلها النازحين عن ديارهم، وذلك اليوم في نهاية شهر أغسطس، كان على موعد مع توثيق اللحظة التي حصدت المركز الأول لأفضل صورة عام 2020 في مسابقة وكالة الأناضول التركية.
حينما طلب سعيد من والد محمد الإذن للتصوير، رفض الأب في البداية "خبرني في ناس صوروا وما في نتيجة"، فضلاً عن استغلال بعض المنظمات لحالة الصغير بغرض جمع التبرعات كما يقول مصطيف لمصراوي، لكن المصور العامل في وكالة الأناضول التركية تقرب إلى الأب، واطمأن الأخير لصدق سعيد فرحب به.
التقط سعيد العديد من اللقطات للصغير وأسرته، داخل الخيمة وخارجها، لكن ظلت لحظة لعب الأب وطفله تأسر قلب المصور. مع غروب الشمس مسح سعيد بعينيه موقع المخيم المطل على جبل سرغايا، ثم التفت إلى الأب وأخبره "ارمي محمد في الهوا". استجاب مصطيف ومضى يكرر الفعل وضحكات الصغير تبعث في نفس أبيه الفرح. أخيرًا حصل المصور على ما يريد.
ارسل المصور الصحفي لقطاته إلى الوكالة لتُنشر في اليوم ذاته، ,بعدها توالت المفاجآت "العالم كله تعاطف مع محمد وقدموا له دعم كتير"، لم يكف التواصل مع سعيد بشأن الصغير وأسرته؛ وكالات دولية تتحدث إلى مصطيف، تتنشر صورته مع ابنه على مدى أوسع مما تخيل المصور السوري، تتلقف منظمة خيرية تركية الخبر، ويأتي الفرج المنتظر بعد يومين من تتداول قصة الصغير في الإعلام كما يقول سعيد لمصراوي"شافه وزير داخلية تركيا وتعاطف معه وطلع له تصريح سفر لتركيب أطراف صناعية وخلال اسبوع كان في تركيا".
بين طرفة عين تبدل الحال؛ توجه مصطيف رفقة ابنه محمد وزوجته وطفلته ذات الثلاثة أعوام ونصف إلى تركيا، للمرة الأولى يغادر الأب الثلاثيني المخيم منذ الحرب، في الطريق يخفق قلبه بالفرح "شعور لا يوصف. محمد بدي يتركب له أطراف وبده يمشي متل باقي الأطفال"، فيما لا تقل سعادة سعيد عن أسرة الصغير "ما توقعت هاي الشيء من خلال الصور لفت نظر العالم كلياته لمخيم في منطقة صغيرة ما حدا بيلتفت لها".
لم يتوقف دور المصور السوري حد التقاط صور لمحمد، في تركيا واصل الأب التواصل مع سعيد، يشاركه اللحظات الهانئة كأنه فرد من الأسرة. لنحو شهر تلقى الصغير العناية وحصل على أطراف صناعية ثم عاد آل مصطيف إلى المخيم، كان الشاب ابن مدينة اريحا السورية في انتظارهم على الحدود مع تركيا، التقاهم سعيد وهو مازال غير مستوعب ما جرى، لكن خاطر آخر راوده.
قرر سعيد أن يلتقط اللحظة ذاتها لكن بعدما حصل محمد على الأطراف، أراد المصور أن يُكمل الحكاية لآخرها، وللمرة الثانية يرحب الأب، ويحصل المصور على اللقطة، وتحظى كذلك باهتمام مماثل للصورة الأولى، لكن القصة لم تنته؛ تفاجيء سعيد باختيار وكالة الأناضول التركية للصورة من بين 76 أخرى من مختلف دول العالم لتكون صورة عام 2020، كان للمصور أربعة صور في الحصاد السنوي، لكن نصيبه بالفوز جاء في "فئة الحياة" كما يقول.
أذابت صورة "فرحة محمد" الحزن عن الأسرة ومصورها، ليس سعيد بعيد عما يلاقيه السوريين، وخاصة العام الماضي مع تفشي فيروس كورونا في ظل أوضاع متدنية، يتذكر المصور السوري كيف مر القصف على مدينته اريحا قبل 6 أشهر، بينما يحذر العالم من "كوفيد 19": "نحنا ما بنخاف من كورونا.. الوباء الحقيقي عنا هو القصف".
في كافة الظروف يحرص سعيد على توثيق الحياة في سوريا خاصة الأوضاع الإنسانية، فحكايات المخيمات لا تنضم، وبعدما أحدثته صورة محمد، زاد أمل المصور فيما يمكن أن يفعله التصوير، رغم أنها لم تكن لقطته الأولى التي تساعد أبطالها؛ العام الماضي لاقت صورة أسرة تسكن في العراء دعمًا شبيهًا كما يذكر صاحب الثالثة والعشرين ربيعا، كما لاقت القصة المصورة لطفلة فقدت ساقها وتذهب إلى مدرستها سيرًا لنحو 6 كيلو مترًا استجابة لحالتها "في منظمات تواصلت مع أسرتها وهيوفروا لها أطراف".
بعد نحو ثلاثة أشهر يعاود الصغير محمد السفر إلى تركيا لاستكمال العلاج، وتركيب الذراعين، لا يأمل الأب إلا في حياة سعيدة لطفله ومثله من أطفال سوريا "ونرجع على بيوتنا"، فيما يسافر سعيد خلال الأيام القادمة لتكريمه ثم يعود ثانية لإدلب، لم يفكر الشاب يومًا في مغادرة بلاده رغم لجوء والده إلى أوروبا ووفاة والدته في الأراضي السورية، يوطد فؤاد بلقطات تهفو عدسته إليها "أوثق لحظات النصر.. هاي اللحظة اللي اتمنى أعيشها"، وحتى يحين الموعد، يقطع المصور الصحفي على نفسه عهدًا "اضل كرمال اوثق اللي عم نعيشه.. انقل الصورة وصوت الناس. مابدي اطلع برات سوريا.. أنا روحي معلقة هون".
فيديو قد يعجبك: