"عايزين نتفرج ومش مهم الشغل".. كيف استعد أصحاب المحلات حول متحف الحضارة لـ"نقل المومياوات"؟
كتبت-إشراق أحمد ودعاء الفولي:
عند غروب شمس الغد، يشهد المصريون حدثا فريدا؛ نقل 22 تابوتا ملكيا ترجع إلى عصر الأسر "17، 18، 19، 20"، ومنها 18 مومياء لملوك، و4 مومياوات لملكات. على مدار الأسابيع الماضية استعدت الجهات المختلفة للحدث الذي ستشهده أكثر من 400 قناة عالمية، وبينما قرر كثيرون متابعته من خلال التلفزيون، يعيش آخرون أجواء التحضير بحكم وجودهم حول متحف الحضارة المصرية الذي ستستقر به المومياوات عقب نقلها من المتحف المصري بالتحرير.
يكفي أن يطل أشرف حسن برأسه ليرى متحف الحضارة والشارع المتواجد فيه من مكانه. فقط سور يفصل بينه والطريق الذي يشهد موكب المومياوات الملكية. يملك الرجل الأربعيني محلاً لكي الملابس منذ أكثر من 14 عامًا ومن قبلها يسكن في منطقة الفسطاط.
قبل نحو أسبوعين ويشهد التجهيزات للحدث الكبير، أعتقد حسن أن جيرته للمتحف تمنحه فرصة مشاهدة الموكب لكن خاب ظنه "للأسف مش هنعرف نشوف" كما يقول.
قبل أيام حضر أفراد التأمين إليه مثل جميع أهالي المنطقة، بود أخبروه بأن يلزم مكانه في المحل ليعينهم على مهمتهم لإخراج المشهد سالمًا؛ تحطمت آمال الرجل "ولادي التلاتة كانوا عايزين ييجوا معايا يتفرجوا". تغيرت مخططات حسن ليوم السبت، أصبح بالنسبة له عطلة غير رسمية "متقاليناش نقفل لكن طبيعي مش هيبقى في شغل الطريق هيبقى واقف وأبواب العماير هتتقفل وأنا راجل مكوجي هطلع لمين وحتى لو حد عنده مكوة هيقول بلاش خليها يوم تاني".
لا يحزن حسن على توقف العمل في هذا اليوم، بل لعدم استطاعته أن يشهد الموقف بعينيه "كان نفسي اتفرج دي حاجة للتاريخ. لما أقول حضرت غير لما أشوف على التلفزيون زيي زي كل الناس"، يغبط الرجل القنوات الإعلامية الدولية التي ستتواجد لرؤية الحدث، يأسى على ما سيفوته "أنا أولى اتفرج على الحقيقة وأنا جنب المتحف"، يتساءل "مش بنقول موكب المومياوات الملكية يعني دول أجدادنا طيب أنا عايز اتفرج على أجدادنا؟"، ويشاركه شقيقه ياسر المشاعر ذاتها.
بحماس يتابع عامل المكواة وغسيل السجاد تفاصيل المشهد الأثري المقبل، لا يعلم جميع المومياوات لكن يحفظ اسم رمسيس الثاني من بينها، خاصة وأنه سبق وعايش نقل تمثاله عام 2006 "كان شيء مبهر والواحد بيتابع تفاصيل العربية اللي بتنقله وهيمشي إزاي"، ظل حسن يتخيل وجوده هذه المرة في قلب الحدث وليس كما سبق.
يجلس حسن أمام محله رفقة شقيقه وعامل آخر معه، يصنع بخياله مشهدًا مأمولاً لما سيحدث، يرى موكب المومياوات الملكية مثل "الزفة"، يتمنى لو سُمح للجيران بمشاهدة الموكب من النوافذ أو عبر مسار بشري يخصص لأهل المكان، يرسم صورة شعبية لخلفية اللحظة "واحدة بتزغرد في شباك، واحد واقف بيضحك وطفل بيصقف.. الكاميرات لما تصور ده هيبقى الموضوع أكبر وأحلى بكتير من أي حدي تخيله.. الناس هتشارك بقلبها والفرحة هتنجح الموكب أكتر".
وبينما يواصل صاحب محل الكي صورته المتخيلة، يعيده جاره الجالس معه إلى أرض الواقع "هم عندهم حق لو سمحوا لكل الناس يتفرجوا مش هيبقوا عارفين مين العدو ومين الحبيب".
تحمل نفس حسن الأمنية، يكتفي بما رأته عينيه وقت التجهيزات "بليل المتحف لما ينور بيبقى ولا كأننا بره مصر"، فيما يتفق الجميع على متابعة حدث يوم السبت عبر التلفاز، لعلها تغنيهم عن عدم مقدرة الذهاب إلى المتحف "أنا راجل عندي 3 أولاد وزوجة لما أجي افسحهم التذكرة بـ60 جنيه يعني عايز قرب 500 جنيه عشان يقضوا يوم"، ورغم هذا يستشعر حسن بالفخر للسكن قرب الآثار الفريدة، فوجودها يمنح المنطقة طابعًا مختلفًا وأمان له ولأهلها حسب تعبير الرجل الأربعيني "محدش كان قادر على الحرامية قبل كده لكن دلوقت هيبقى في دوريات شرطة.. محدش هيقرب ناحية المكان".
داخل مكتبة لبيع الأدوات المدرسية يجلس محمد رشاد، ينشرح وجهه بينما يسمع عن موكب المومياوات الملكية، في تاريخ الحدث ارتباط بحادث سعيد "يوم الجمعة فرح بنت خالتي والعيلة كلها هتبقى مبسوطة"، لا يعلم الشاب بإمكانية أن يشهد الحدث من مكانه، لكن الأكيد متابعته حتى ولو فاتته المشاهدة المباشرة، يستعيض الشاب بالإنترنت.
للحدث عند رشاد مشاعر مختلفة، يرى في الموكب رغبة لم تُكتب له "كان نفسي ادخل الحربية فلما بشوف أي تأمين بقول ياريتني كنت معاهم".
لا يفترض محمد وجيه التوقف عن العمل غدًا "هنفتح ونشتغل عادي"، يملك الشاب محلاً للمنظفات، يسعد لعبارة "أنا جنب المتحف اللي هيبقى فيه الموكب"، فيما يرى في الحدث عائدًا شخصيًا عليه؛ فمن بدء تجهيز المكان لاستقبال المومياوات ومشروع عين الصيرة الملحق به ويقطع وجيه نحو عشر دقائق بعدما كان يستغرق قدومه من سكنه في دار السلام إلى الفسطاط قرابة نصف الساعة "الكوبري اللي اتعمل عشان المتحف سهل الدنيا وخلى مبقاش في زحمة والمنطقة اتحسنت كتير".
يشارك وجيه في رأيه محمد عبده. خارج المطعم الذي يعمل به كان يسقي الزرع، مفكرا في خط سيره غدا "باجي من مدينة السلام.. الكوبري سهل لي الدنيا بس بيقولوا الطرق مقفولة بكرة فهحاول أجي الشغل بدري".
يقبع المطعم في الشارع المُطل على متحف الحضارة، لم يعايش عبده المنطقة قبل تطويرها "عشان كنت في السعودية وجيت ومن 6 شهور بس"، لكنه يسمع من أهلها عن التطوير، كما يسمع أحاديثهم عن موكب المومياوات غدا.
لا يعرف عبده إذا كان المطعم سيعمل خلال احتفالات الموكب أم لا "بس لو شغالين هنتفرج أكيد على الموضوع، لإما من المحل واحنا واقفين لإما على التليفزيون لكن في كل الأحوال هنتابع".
لكن كريم السيد قد يستغل غلق محله لسبب آخر "إني أستريح شوية وسط العيال وأتفرج على المومياواوت من البيت". لا يفصل محل الفاكهة المملوك للسيد عن متحف الحضارة سوى 100 متر على الأكثر "بس انا وعيلتي موجودين هنا ييجي من خمسين سنة.. من أيام ما كانت المنطقة جبل"، يفخر السيد بما وصل إليه حال المنطقة "من قبل موضوع المتحف بصراحة وهما بيطوروها.. دلوقتي الواحد بيتبسط لما يقول إنه من مصر القديمة".
لا يغلق السيد محله أبدا حتى في العطلات الرسمية "وحتى وقت كورونا كنا فاتحين"، سمع الشاب من بعض أهالي المنطقة عن احتمالية غلق المحلات فانفرجت أساريره فتلك العطلة ستكون الأولى منذ عيد الفطر الماضي.
في أوقات فراغه، يحب السيد الذهاب للمزارات التاريخية سواء الفرعونية أو الإسلامية أو غيرها "ساعات اكون ماشي وألاقي مكان شكله حلو فادخله واسأل وافهم تاريخه"، لذا لم يكن ليفوت فرصة مرور الموكب دون محاولة مشاهدتها "كنت مظبط مع حد إني أطلع البلكونة اتفرج من عنده بس للأسف مش هيكون موجود يومها في البيت".
لن يقاوم أحمد عبدالعظيم فضوله لمشاهدة موكب المومياوات غدا، فمن مخبزه المُطل على المتحف يستطيع اختلاس النظر، كما يقول ضاحكا.
منذ أكثر من شهر يتابع عبدالعظيم التحضيرات لوصول الموكب، تسأله ابنته ذات الـ12 عاما عن تفاصيل اليوم فيخبرها بشغف "بس مش بقولها إني قريب أوي من المكان عشان متتعشمش إنها تيجي تتفرج"، لا يعرف عبدالعظيم طبيعة اليوم "بس الأكيد إن الحدث هيزود المكان هنا أهمية وهيخلي الرجل عليه كبيرة خاصة لما المتحف يفتح".
تعود عبدالعظيم على اصطحاب أبنائه الثلاثة للمتاحف المختلفة "من المتحف المصري للقلعة لغيرها"، فيما ينتظر افتتاح متحف الحضارة ليأخذ أسرته لمشاهدة القاعة التي تضم 22 مومياء.
فيديو قد يعجبك: