- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
"مصطفى سعيد" هو بطل رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للروائي السوداني الراحل الطيب صالح. وقد درست الرواية في مقرر الأدب العربي بمرحلة الدراسة الجامعية منذ أكثر من عشرين عامًا، ولا أزال لليوم مشغولًا بحكاية ومصائر أبطالها.
ومرجع هذا الانشغال أن مصطفى سعيد صار يُجسد في عيني نموذج المثقف العربي المُغترب، غير المنتمي إلا لنزواته وأوهامه النخبوية ومشروعه الشخصي وبطولاته الزائفة، وانتصاراته المُتوهمة.
المثقف الذي يُعادي في الظاهر الحضارة الغربية والمستعمر الأجنبي والنفوذ الغربي، ولكنه في الباطن منسحق أمام الحضارة الغربية ومظاهرها، ولا يملك جذورًا قويه تربطه بأرضه وتاريخه وثقافته وهويته وهموم مجتمعه.
تبدأ حكاية مصطفى سعيد عندما تلقفته وهو طفل العين الفاحصة للمستعمر الإنجليزي في السودان، وقامت برعايته ونقله للدراسة في القاهرة، ومنها للدراسة بأعظم أعظم الجامعات البريطانية.
في بريطانيا تخصص مصطفى سعيد في الاقتصاد، وأصبح أكاديميًا مرموقًا في الأوساط العلمية الإنجليزية، ونجمًا لامعًا في المجتمع اللندني بنزواته العاطفية والجنسية التي اشتُهر بها، وكان يجد فيها - كما يقول – نوعًا من الانتصار الجنسي على المستعمر الإنجليزي وحضارته.
وبعد سنين من الإقامة في بريطانيا، عاد إلى السودان بعد أن أتُهم بقتل زوجته الإنجليزية، أو على الأقل بدفعها للانتحار، وسُجن لفترة من الزمن، لفظه بعدها المجتمع الإنجليزي، ولم يعد له من الشمال الأوربي إلا صقيعه.
وفي السودان عاش في القرية البسيطة التي شهدت ميلاده، وحاول أن ينسى ويتجاوز كل ما كان عليه في الماضي، وأن يؤسس لعلاقة جديدة مع بلاده وأرضها وناسها، وأن يكون نافعًا للمرة الأولى في سياقه الإنساني والاجتماعي؛ ولهذا تزوج سودانية بسيطة، وأنجب طفلًا، واشتغل بالزراعة مثل أي فلاح سوداني.
ولكنه ظل بعد عودته لبلاده معطوبًا من الداخل، وعاجزًا عن حل أزمته الفكرية والنفسية والوجودية، لينتهي به الحال بإلقاء نفسه في مجرى النيل، ليُنهي حياته بيده هروبًا من كل ما كان.
وتلك في ظني نهاية طبيعية تتسق مع شخصية مصطفى سعيد وخياراته وأزمته الإنسانية والفكرية والوجودية. وتتسق مع العطب الذي أصاب روحه وعقله في بدايته الأولى، وجعله إنسانًا بلا منفعة حقيقة لبلاده ومجتمعه.
ولهذا كان انتحاره فعلًا رمزيًا عميق الدلالة على مصير نموذجه الإنساني والفكري في حياتنا وبلادنا.
ولكن العجيب والمثير للتفكير، أن "خيار الانتحار" كان هو ذاته خيار بطل الرواية الآخر، الذي اقترب من مصطفى سعيد بعد عودته للسودان، واستمع إليه، وعرف منه تفاصيل حياته الماضية، وروى لنا قصته.
ومنبع العجب أن هذا البطل كان على النقيض التام من شخصية وخيارات مصطفى سعيد؛ فهو شخص وطني منتمٍ معتز بأرضه وناسه وتاريخه ومجتمعه، ومهتم بالشأن العام، ويسعى بإخلاص إلى التجديد والتغيير والإصلاح.
وقد درس الأدب الإنجليزي في بريطانيا، وحصل على الدكتوراه من أعرق جامعاتها، ثم عاد بكامل إرادته إلى بلاده، وهو مسكون بالأمل والحلم في أن يكون في عودته إضافة لمجتمعه وبلاده، وقوة دافعه في معركتهما المصيرية للتغيير والإصلاح.
ولكنه بعد أن خاض عدة معارك إصلاحية فاشلة في سياقه الاجتماعي والسياسي والمهني، ملئه اليأس والاحساس بالفشل وخيبة الأمل، وقرر هو بدوره الانتحار؛ فترك جسده لمياه النهر تحمله لأعماقها وهو في حالة بين اليقظة والحلم.
ولكن بعد طول تعجب وتفكر في مصير البطلين، وجدت أن انتحارهما فعل مبرر ومقبول إنسانيًا ودراميًا رغم بعد الفارق بين شخصياتهما ودوافعهما وغايتهما؛ لأن كليهما كان معطوبًا من الداخل، ولديه خلل كبير في علاقته بواقعه جلعت عودتهما لبلدهما لا منفعة منها، وجعلت وجودهما فيه كعدمه، وربما كان عدمه أفضل.
فعودة البطل الأول "مصطفى سعيد" كانت هي "عودة المهزوم" الذي فقد نفسه وثقافته وهويته قبل أن يفقد حضوره ودوره الإيجابي في مجتمعه.
وعودة البطل الثاني "الراوي" كانت هي "عودة الواهم" الذي لم يُحسن قراءة وفهم الواقع الذي حاول تغييره وإصلاحه، ولهذا انهار نفسيًا أمامه، وضعفت إرادته على الإصلاح والتغيير، واختار الموت هروبًا من إحساسه بالفشل وخيبة الأمل.
في النهاية، إن رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" التي نُشرت لأول مرة عام 1966، رواية رائعة جديرة بقراءات جديدة؛ لأنها مُتخمة بالأفكار والرموز والرسائل الضمنية عن علاقة الشرق بالغرب، وعن المثقف، ومعنى وغاية وجوده ودوره وأحلامه وأمراضه وأوهامه.
ولعل الرسالة الضمنية الأكثر حضورًا فيها بعد مرور كل هذه السنين على صدورها؛ أننا في حاجة شديدة لموسم هجرة صادق وواع إلى الجنوب، إلى ثراء وأصالة أرضنا وثقافتنا؛ لنعيد بصدق وشجاعة اكتشافها واكتشاف أنفسنا، ومعرفة ما نملكه من موروث إيجابي يجب البناء عليه، وما يملكنا من موروث سلبي يجب هدمه وتجاوزه لأنه سر تخلفنا وأكبر مُعوق لتقدمنا إنسانيًا وحضاريًا.
إعلان